الإسناد المجازي في القرآن ملابساته وأسراره البلاغية
الإسناد المجازي في القرآن ملابساته وأسراره البلاغية
د. صديق مصطفى الريح
قسم اللغة العربية – كلية الآداب – جامعة الخرطوم
الإسناد المجازي ضرب من ضروب المجاز الذي هو من أهم الموضوعات التي ظفرت بعناية المشتغلين بدراسة القرآن سواء منهم من اهتم بقضية الإعجاز أو بالتفسير، وذلك بغرض تفهم الأساليب التي كثر ورودها في كتاب الله ولفهم كثير من الآيات وتعرف وجوه الحسن فيها.
وهذه الدراسة تعنى بالوقوف على ألوان من معاني القرآن المجازية المتعلقة بالإسناد مع ربطها باستعمال العرب وبيان الأسرار البلاغية واللطائف البيانية لذلك الاستعمال .
يقسم البلاغيون المجاز إلى قسمين أولهما ما كان من طريق الإسناد كقولنا: خط أحسن مما وشاه الربيع، فأسندت التوشية مجازا للربيع، ويسمى بالمجاز العقلي أو الإسناد المجازي أما الثاني فما كان من طريق اللغة ويسمى بالمجاز اللغوي كاستعمال اليد مجازا في النعمة ، أو الأسد مجازا في الرجل الشجاع .
وفيما يلي تفصيل الحديث في الإسناد المجازي ( المجاز العقلي ) الذي هو موضوع هذه الدراسة :
حقيقة الإسناد وأنواعه :
حقيقة الإسناد بناء الجملة أو ضم الكلمة إلى الكلمة ليتألف من ذلك كلام مفيد ، وهذا الإسناد لا يأتي على أسلوب الحقيقة دائما ، فقد ينحو المتكلمون إلى إسناد الأحداث والأفعال لغير فاعليها الحقيقيين ، وذلك حينما يتوسعون ويتجوزون بإجراء الإسناد على غير الطريقة المألوفة، وبذلك ينقسم الإسناد إلى قسمين وضحهما الخطيب القزويني([1]) هما :
1 ـ إسناد الفعل أو ما في معناه([2]) إلى ما هو له في الحقيقة كقولنا : نصر الله الجند ، فإسناد النصر إلى الله عز وجل هو إسناد حقيقي لأن الله هو الفاعل الحقيقي للنصر، وعلى هذا الآية : ) إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ ( [ لقمان 34] فالفعلان ينزل ويعلم قد أسندا إلى فاعلهما الحقيقي وهو الله تعالى.
2 ـ إسناد الفعل أو ما في معناه إلى غير ما هو له في الحقيقة كقولنا "أنبت الربيع العشب" فإسناد الإنبات للربيع إسناد لغير ما هو له في الحقيقة ، أي لغير فاعله الحقيقي فيسمى إسنادا مجازيا ، أو مجازا عقليا.
من مكتشف هذا اللون ؟ :
يرى طه حسين أن عبد القاهر الجرجاني هو أول من اكتشف هذا النوع من المجاز حيث يقول : ( أما المجاز العقلي فهو من ابتكار عبد القاهر ، ويصح أن نسميه المجاز الكلامي لأنك إذا قلت مع عبد القاهر " أنبت الربيع البقل " فهذا مجاز ، لأن الربيع لا ينبت البقل ، ولكن الذي ينبته هو الله تعالى " ) ([3]) .
لكننا نجد عددا من العلماء الأوائل قد سبقوه إلى أمثلة من هذا النوع من المجاز، وإن لم يقترحوا له اسما ، ولم يتوسعوا فيه كما فعل عبد القاهر الجرجاني من بعدهم ، ومن أولئك العلماء :
1 ـ سيبويه : وذلك حينما وقف عند بيت الخنساء في وصف بقرة وحشية فقدت ولدها :
ترتع ما غفلت حتى إذا ادكرت فإنــــما هي إقبال وإدبار
2 ـ الفراء : وقد ذكره في مواضع منها: ( ولا تنكرن أن يخرج المفعول على فاعل. ألا ترى قوله تعالى ) مِن مَّاء دَافِقٍ ( [الطارق 6] فمعناه والله أعلم مدفوق. وقوله تعالى ) َ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ ( [القارعة 7] معناه مرضية تستدل على ذلك أنك تقول : رضيت هذه العيشة، ولا تقول رضيت ، ودفق الماء ولا تقول : دفق). ([5])
3 ـ المبرد : ذكره حينما عرض للبيت :
فقال :( مزءودة أي ذات ذؤد وهو الفزع، فمن نصب فإنما أراد المرأة، ومن خفض فإنه أراد الليلة وجعل الليلة ذات فزع لأنه يفزع فيها. قال الله عز وجل :) بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ( [سبأ 33] والمعنى بل مكركم في الليل والنهار. وقال جرير :
لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى ونمـت وما ليـل المطي بنائم
4 ـ ابن فارس :ويشير إلى هذا النوع في نحو قوله تعالى : ) لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ ([هود 43] بمعنى معصوم، وفى نحو قوله : ) إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا( [مريم 61] أي آتيا. كما يقول : (من سنن العرب وصف الشيء بما يقع فيه أو يكون منه كقولهم:"يوم عاصف "، المعنى عاصف الريح. قال الله جل ثنــاؤه :) فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ ( [ إبراهيم 18] فقيل عاصف لأن عصوف ريحه يكون فيه، ومثله"ليل نائم" و " ليل ساهر" لأنه ينام فيه ويسهر([8]).
5 ـ ابن جني : وقف عند الوصف بالمصدر كما في قوله تعالى : ) إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا ([ الملك 30] بمعنى غائرا، وقول الخنساء السابق : (فإنما هي إقبال وإدبار ) ، وقال :( وما كان مثله من قبل أن من وصف بالمصدر فقال هذا رجل زور وصوم ونحو ذلك، فإنما ساغ ذلك، لأنه أراد المبالغة وأن يجعله هو نفس الحدث لكثرة ذلك منه (([9]) .
وهذه النماذج التي ذكرناها تدل بوضوح على أن هذا اللون من الإسناد المجازي عرف قبل عبد القاهر وأنه لم يكن من ابتكاره كما ذهب إلى ذلك طه حسين .مع تسليمنا لعبد القاهر بفضل التحليل وعرض الشواهد وتفصيل القول ووضع تسمية (المجاز الحكمي) وتوضيح الفرق بينه وبين المجاز اللغوي باستفاضة، وإظهار ما فيه من روعة واعتباره كنزا من كنوز البلاغة وعلى ذلك تابعه الجهابذة من أهل هذه الصناعة كما قال العلوي([10]).
أسمـــاؤه : تدور في كتب البلاغة عدة أسماء لهذا اللون من الاستعمال ، منها :
1ـ المجاز الحكمي : ولعلها أول تسمية وسماه بذلك عبد القاهر في أكثر من موضع([11])، ووجه التسمية ( لوقوعه في الحكم بالمسند على المسند إليه ) ([12]).
2ـ المجاز في الإسناد : أو الإسناد المجازي كما يسميه الزمخشري([13])وذلك لكثرة وروده في النسب الإسنادية التي بين الفعل وفاعله أو التي بين المبتدأ وخبره ، أو سمي إسنادا مجازيا كما قال ابن يعقوب المغربي :( لأن الإسناد جاوز به المتكلم حقيقته وأصله إلى غير ذلك ) ([14]).
3ـ المجاز في الإثبات : أو في الجملة([15]) كما أطلق عليه الرازي، وهذه التسمية لا تمنع وقوعه في النفي كما في قوله تعالى : ) فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ ( [ البقرة 16] لأن (السلب حقيقته ومجازه تابع لما يحق في الإثبات ) ([16]).
6ـ المجاز العقلي : وهو أشهر أسمائه، ووجه هذه التسمية كما وضح ابن يعقوب المغربي([19]) لأن حصوله بالتصرف العقلي، لأننا حين نقول : " أنبت الربيع البقل " لا نكون متجوزين في كلمة أنبت لأنها مستعملة في معناها الحقيقي ولا نكون متجوزين في كلمة الربيع ، وإنما تجوزنا في إسناد الإنبات إلى الربيع وهذا تصرف المتكلم وعقله. وهذه التسمية ـ المجاز العقلي ـ مفهومة من كلام عبد القاهر أيضا في أكثر من موضع فمن ذلك قوله : (وإذا كان كذلك عاد الحديث إلى أن المجاز فيهما جميعا عقلي فكيف قسمته قسمين : لغوي وعقلي) ([20])بل يتضمنها تعريفه لهذا الضرب من المجاز حين يقول: ( كل جملة أخرجت الحكم المفاد بها عن موضوعه في العقل لضرب من التأول) ([21]).
ولعل أنسب هذه التسميات هي الإسناد المجازي لوضوح هذه التسمية ودلالتها الواضحة على حقيقة هذا اللون الذي يهتم بناحية الإسناد من جهة ومجازية الاستعمال من ناحية الفاعل من جهة أخرى بخلاف التسميات الأخرى التي لا تخلو من غموض أو عدم دلالة واضحة على هاتين الناحيتين .
تعريف الإسناد المجـــازي :
يعرفه الخطيب القزويني قائلا: (هو إسناد الفعل أو معناه إلى ملابس له غير ما هو له بتأول) ([23])، وبذا يكون الفرق بين الإسناد الحقيقي والإسناد المجازى أنه في الحقيقي إسناد الفعل إلى ما هو له، وفى المجازى إسناده إلى ملابس له. وعند إسناد الفعل إلى الملابس لا بد أن يكون هذا الإسناد بتأول . وقوله بتأول يخرج نحو قول الجاهل " شفى الطبيب المريض ". فإن إسناده الشفاء إلى الطبيب ليس بتأول ولهذا لم يحمل قول الشاعر الحماسي:
على المجاز ما لم يعلم أو يظن أن قائله لم يرد ظاهره .
والواضح مما سبق أن الخطيب القزويني يشير إلى ضرورة وجود القرينة التي تدل على أن المتكلم قد تجوز في الإسناد ، وقد تكلم عبد القاهر قبله عن هذه القرينة وبين أنها إما أن تكون استحالة وقوع الفعل من الفاعل كقولك: " محبتك جاءت بي إليك " ، وإما أن تكون راجعة إلى ما يعلم من حال المتكلم واعتقاده، فقول الشاعر:
يكون الحكم عليه بالمجاز إذا كنا نعلم عن قائله اعتقاده بالتوحيد.
ملابســـاته وعلاقــاته
ولتحديد هذه الملابسات أو العلاقات ينظر البلاغيون إلى ما بين الفعل والفاعل المجازي من تعلق وارتباط ، ففي قولنا مثلا: جرى النهر، فالملابسة قائمة بين الفعل "جرى" وفاعله الذي أسند إليه " النهر" باعتبار أن النهر مكان الجريان ، كما يلاحظ أيضا أن هناك صلة وارتباطا بين الفاعل المجازي "النهر" والفاعل الحقيقي " الماء " لأن أصل العبارة جرى الماء في النهر، وهذه الصلة هي المشاركة في تعلق الفعل بهما ، فالفعل " جرى" يتعلق بالفاعل الحقيقي " الماء" من حيث وقوعه منه ، وله تعلق آخر بالفاعل المجازي " النهر " من حيث أنه مكانه.
وواضح أنه إذا كانت هناك علاقة بين المسند من فعل وشبهه والمسند إليه المجازي فإنه يلزم أن تكون هناك علاقة بين الفاعل المجازي والفاعل الحقيقي كما رأينا. فلذلك من البلاغيين من ينظر في العلاقة إلى الصلة بين الفعل وفاعله المجازى ، ومنهم من ينظر إلى الصلة بين الفاعل الحقيقي والفاعل المجازى .
وفيما يلي وقفة عند أهم الملابسات التي أوردها الخطيب القزويني([27]) مع الأمثلة القرآنية التي ذكرها العلماء ، ثم نضيف إليها بعض الملابسات التي لم يشر إليها القزويني.
أ ـ الإسناد إلى السبب : وقد مثل له الخطيب القزويني بقولهم : " بنى الأمير المدينة "، وحقيقة الكلام بنى العمال المدينة بأمر الأمير، فأسند البناء إلى الأمير لأنه سببه أو الآمر به على سبيل الإسناد المجازي لعلاقة السببية، وهذا ما يدل على مدى عناية الأمير واهتمامه بشأن المدينة حتى كأنه فاعل البناء . وقد أشار إلى نحو ذلك الطبري حين قال : ( وكان من شأن العرب إضافة ما فعلته أتباع الرئيس إلى الرئيس نحو قولهم: فتح عمر بن الخطاب سواد العراق وجبى خراجها ، وإنما فعل ذلك أصحابه عن سبب كان منه في ذلك ) ([28]).
ومما جاء في القرآن من هذا الضرب:
1ـ قوله تعالى:) فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلا نُفُورً ( [ فاطر 42] فأسندت زيادة النفور إلى النذير وهو ما سماه الزمخشري([29])إسنادا مجازيا (لأنه هو السبب في أن زادوا أنفسهم نفورا عن الحق وابتعادا عنه)، والعلاقة السببية، وفى التجوز هنا بيان لأهمية النذير في زيادة نفورهم.
2ـ ومنه قوله تعالى : ) وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ( [الأنفال 2] فأسندت الزيادة إلى سببها وهو الإيمان وفى ذلك بيان لتوقفها عليه ، كما قال العز بن عبد السلام([30]).
3ـ ومنه الآية : ) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ([القصص 34] فموسى عليه السلام يريد من قومه أن يصدقوه ، ويكون أخوه سببا في هذا التصديق فأسنده إليه لأنه السبب فيه إسنادا مجازيا كما ذكر الزمخشري الذي يوضح لنا ذلك بعبارته: ( ليس الغرض بتصديقه أن يقول له صدقت أو يقول للناس صدق موسى وإنما هو يلخص بلسانه الحق ويبسط القول فيه ويجادل به الكفار كما يفعل الرجل المنطيق ذو العارضة فذلك جارٍ مجرى التصديق المفيد كما يصدق القول بالبرهان، ألا ترى إلى قوله : ) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ ( وفضل الفصاحة إنما يحتاج إليه لذلك لا لقوله صدقت .) ([31]) .
4ـ وفي الآية : ) فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا ([القصص 38]. أسند الإيقاد إلى هامان وهو إنما يحصل بأمره ، فيكون هو السبب فيه.
5ـ ومنه : ) فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ([طه 117] ، وقد فسرها الزمخشري بقوله:( فلا يكونن سببا لإخراجكما) ([32])أي أسند الإخراج إلى إبليس وهو سببه ، وفى ذلك إشعار بعظم ما اقترفه في حقهما حينما غرر بهما.
6ـ ومما ذكره العز بن عبد السلام([33]) من هذا النوع الآية :) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ ([فصلت 23] إذ نسب الإرداء إلى الظن لكونه سببا فيه. وقوله تعالى : ) لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ([النور 37] فنسب الإلهاء إلى التجارة لأنها سببه. وقوله : ) لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ([المنافقون 9] فنسب الإلهاء إليهما لأنهما من أقوى أسباب الإلهاء. وقوله : ) وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ([ص 26] نسب الإضلال إلى الهوى لأنه من أقوى أسباب الإضلال.
ب/ الإسناد إلى الزمان:
يمثل له البلاغيون بقولهم : " نهاره صائم" " وليله قائم "، إذ أسند الصوم إلى النهار، كما أسند القيام إلى الليل ، وأصل الكلام فلان صائم في النهار وقائم في الليل ، ولكنهم أسندوا الحدث إلى الزمان من حيث وقوعه فيه ويفيد هذا التجوز المبالغة في تمام الصيام وكمال القيام.
ومما يمثل به لهذا الاستعمال قول جرير :
حيث أسند اسم الفاعل " نائم " إلى ضمير الليل ، والليل ليس فاعلا للنوم ولكنه زمان ينام فيه الناس ، وإنما أسند إليه النوم على سبيل المجاز لعلاقة الزمانية .
ومن ذلك في القرآن :
1ـ الآية :) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ([يونس 67]. وقد وقف أبو عبيدة عند هذا الاستعمال فقال: ( مجازه مجاز ما كان العمل والفعل فيه لغيره أي : يبصر فيه ، ألا ترى أن البصر إنما هو في النهار، والنهار لا يبصر) ([35]) ، يشير بهذا إلى أنه قد أسند الإبصار إلى الزمن الذي يكون فيه وهو النهار، فالعلاقة الزمانية، أما عن سر جمال هذا الاستعمال فيقول سيد قطب : ( والتعبير على هذا النحو تعبير مشخص وكأنما النهار حي يبصر ويرى وإنما الناس هم الذين يبصرون فيه لأن هذه هي الصفة الغالبة ) ([36]).
2ـ وقوله تعالى : ) فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا( [المزمل 17] فقد أسند الفعل "يجعل" إلى ضمير اليوم، واليوم زمان يقع فيه الفعل، وحقيقة الإسناد " يوما يجعل الله فيه الولدان شيبا"، فأسند الفعل إلى زمانه على سبيل المجاز العقلي. وهذا الإسناد يبين مدى الهول فكأن ( اليوم هو الذي يفعل هذا من شدة هوله).([37]).
3ـ وقوله : ) مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ ([إبراهيم 18] فيعلق الزمخشري بقوله :( جعل العصف لليوم وهو لما فيه وهو الريح) ([38])أي أسند اسم الفاعل عاصف إلى ضمير اليوم الذي هو الزمان ، وكما يقول سيد قطب بأن التعبير هنا يجسم معنى ضياع الأعمال سدى بحيث لا يقدر أصحابها على الإمساك بشيء منها ولا الانتفاع به وهو ما يجسده هذا المشهد العاصف المتحرك ـ الذي يتحول فيه اليوم نفسه ليكون عاصفا ـ فيبلغ في تحريك المشاعر له ما لا يبلغه التعبير الذهني المجرد عن ضياع الأعمال وذهابها بددا([39]).
4ـ ومنه قوله :) وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى( [الضحى 1ـ 2] والليل إن وصف هنا بالسكون فسكونه مجازي لأنه غير قابل للحركات المباشرة التي توصف بالهدوء حينا وبالفاعلية حينا آخر، وإنما المراد سكون الناس والأصوات فيه. وفى التعبير هنا دلالة على كمال ذلك الهدوء والسكون الذي يلف الليل.
5ـ وفي قوله تعالى : ) إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ ([هود 26]. ، يقول الألوسي :( ووصفه بالأليم أي المؤلم على الإسناد المجازي لأن المؤلم هو الله سبحانه نزل الظرف منزلة الفاعل نفسه لكثرة وقوع الفعل فيه فجعل كأنه وقع الفعل منه، ولذا وصف العذاب بذلك في غير موضع من القرآن العظيم) ([40]).
ويرى سيد قطب أن ( اليوم ليس أليما إنما هو مؤلم والأليم اسم مفعول أصله مألوم !! إنما هم المألومون في ذلك اليوم ولكن التعبير يختار هذه الصيغة هنا لتصوير اليوم ذاته بأنه محمل بالألم، شاعر به فما بال من فيه) ([41]).
6ـ وفى الآية : ) إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ( [الإنسان 10] أسند العبوس إلى ضمير اليوم لأنه زمانه فوصف لذلك بصفة أهله من الأشقياء كما يقول الزمخشري([42])، وفى هذا التعبير تصوير لهذا اليوم بشدة الهول وعظم الأمر حيث تعبس فيه الوجوه من شدة مكارهه .
ج/ الإسناد إلى المكان :
يمثل له الخطيب بقوله([43]):" طريق سائر" و " نهر جار"، إذ أسند السير إلى ضمير الطريق والجري إلى ضمير النهر، والسائر هم الناس والذي يجرى هو الماء والطريق مكان للسير، والنهر مكان لجريان الماء فأسند الفعل إليهما تجوزا، ويفيد هذا المجاز المبالغة في كثرة ازدحام الناس في الطريق، وشدة اندفاع الماء في النهر حتى تخيل أن الطريق هو الذي يسير وأن النهر هو الذي يجرى، ومن ذلك قول الشاعر الحيص بيص:
فقد أسند الشاعر الفعل " سال" إلى الأبطح([45])مبالغة في كثرة الدماء التي أريقت ، وأصل الإسناد: سالت الدماء بالأبطح.
أما في القرآن فنجد من هذا الضرب :
1ـ قوله جل ثناؤه : ) أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ([البقرة 25] ويشير إلى المجاز هنا الزمخشري بقوله :( وإسناد الجري إلى الأنهار من الإسناد المجازي كقولهم : بنو فلان تطؤهم الطريق) ([46]). يشير بهذا إلى أن النهر ـ وهو الوادي الذي تجرى فيه المياه ـ لا يجرى ، وإنما يجرى الماء والأنهار مكان له ، وذلك على سبيل الإسناد المجازي وعلاقته المكانية.
وقد جاءت كثير من الآيات الكريمة وقد أسند فيها الجريان إلى الأنهار دون مائها فمن ذلك:) وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ ([الأنعام 6] ، وقوله : ) وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ( [التوبة 72].
وتكمن بلاغة المجاز في هذه الآيات في أن المياه لكثرة فيضانها وشدة جريانها ترى وكأن محلها هو الذي يجرى ، أي أن الجري تجاوز الماء إلى مكانه ، وقد يكون في ذلك إشارة إلى أنها جارية في غير أخاديد كما نقل الطبري([47]) .
وللزمخشري ملاحظة لطيفة في ذكر الجنات في معظم آي القرآن يتلوها ذكر الأنهار الجارية من تحتها فيقول : (أنزه البساتين وأكرمها منظرا ما كانت أشجاره مظللة والأنهار في خلالها مطردة ولولا أن الماء الجاري من النعمة العظمى واللذة الكبرى، وأن الجنات والرياض وإن كانت آنق شيء وأحسنه لا تروق النواظر ولا تبهج الأنفس ولا تجلب الأريحية والنشاط حتى يجرى فيها الماء، ..... لما جاء الله تعالى بذكر الجنات مشفوعا بذكر الأنهار الجارية من تحتها مسوقين على قران واحد كالشيئين لابد لأحدهما من صاحبه ولما قدمه على سائر نعوتها) ([48]).
2ـ ومن الإسناد إلى المكان ما جاء في الآية : ) اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ ([الرعد 8]. ، وفيها يقول الزمخشري : ( فأسند الفعل إلى الأرحام وهو لما فيها) ([49])أي الجنين، فالأرحام لا تغيض ولا تزداد، وإنما الذي يطلق عليه هذا الوصف هو الجنين الذي بداخل الرحم وهو مكانه، فالإسناد مجازي على هذا القول وعلاقته المكانية، وفيه تنويه بشأن الأرحام وتصويرها كأنها هي فاعلة الزيادة والنقصان.
3ـ وقوله تعالى :) وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا ([الزلزلة 2] ، أسند الإخراج إلى الأرض مجازا لأن المخرج هو الله سبحانه وتعالى والأرض مكان لهذا الإخراج، فالعلاقة المكانية. ويفيد التجوز في الإسناد هنا التهويل والتفظيع من شأن ذلك اليوم حيث ترتجف الأرض الثابتة وتنتفض لتخرج ما يثقلها من أجساد ومعادن وخلافها مما حملته طويلا وكأنها تتخفف من هذه الأثقال، والتعبير يصورها فاعلة تقذف بشدة ما بداخلها من أثقال في مشهد حي يخلع القلوب من كل ما تتشبث به من هذه الأرض وتحسبه ثابتا باقيا كما قال سيد قطب([50]).
4ـ وفى قوله تعالى : ) أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا ([القصص 57]. يرى ابن حيان بأن الإسناد هنا مجازي لأن الأصل في التعبير " حرماً آمنا ساكنوه "([51]) أي أسند اسم الفاعل " آمنا " إلى الضمير العائد إلى الحرم والحرم مكان الأمن على سبيل الإسناد المجازي لعلاقة المكانية. ويفيد هذا التجوز في الإسناد المبالغة في كمال نعمة الأمن التي تفضل الله بها على سكان الحرم.
وقد ذكر العز بن عبد السلام مما يشبه الشاهد السابق عددا من الآيات في فصل سماه وصف المكان بصفة ما يشتمل عليه ويقع فيه([52]) ، فمن ذلك قوله تعالى : ) رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا ([إبراهيم 35] ، وقوله : ) رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا ( [البقرة 126] يقول: وصف البلد بالأمن وهو صفة لأهله.
ومنه قوله تعالى :) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ ( [الدخان 51] يقول وصفه بذلك وهو صفة لأهله. وقوله تعالى : ) بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ ([سبأ 15] ، وصفها بالطيب وهو صفة لهوائها.
ولعل في كل هذا ما أشرنا إليه فيما سبق من المبالغة في كمال الصفة بحيث تتناهى حتى تصبح صفة للمكان الذي فيه صاحبها الحقيقي.
د/ الإسناد إلى المفعول :
ويقصد به إسناد ما بُني للفاعل إلى المفعول كقولهم "سر كاتم" أي مكتوم وذلك مبالغة في كتمانه وإخفائه إذ الأصل: " كتم الرجل السر "، فلما أريد المبالغة في حفظ السر وكتمانه أسند الفعل إلى مفعوله فقيل " سر كاتم" وتجوزوا في الإسناد لبيان أن الكتمان بلغ مبلغا صار في السر كاتما لا مكتوما. ومثله : " منزل عامر "، " وأمر يائس "، و " طريق مضيء " ، فالمنزل يكون معمورا، والأمر ميئوسا منه، والطريق مضاء، ومما مثل به الفراء([53]) لهذا الضرب :
دع المكارم لا ترحل لبـغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
فالشاعر يطلب من المهجو أن يظل قاعدا فهو المطعوم المكسو أي الذي يطعمه غيره ويكسوه، وأسند الشاعر " الطاعم والكاسي" إلى ضمير المفعول مبالغة في تحقيره والحط من شأنه والاستهزاء به.
وقد جاء في القرآن من هذا النوع :
1ـ قوله جل وعلا : ) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ([البقرة 16]. فالتجارة ليست هي الفاعل الحقيقي للفعل المنفى " ربح" وإنما أسند إليها لتلبسه بها من حيث وقوعه عليه، والأصل "فما ربحوا في تجارتهم"، والتجوز هنا بإسناد الربح المنفى إلى التجارة أفاد مثلما قال أبو السعود : ( المبالغة في تخسيرهم لما فيه من الإشعار بكثرة الخسار وعمومه) ([54])وفوق ذلك نجد أن التعبير فيه تأكيد خسارتهم لأنه إذا كانت التجارة خاسرة فخسران صاحبها آكد.
أما الطبري حينما يقف عند هذه الآية، فيحاول أن يثبت لنا أن مثل هذا الاستعمال أصيل في لغة العرب، وأن القرآن تبع سنن العرب في كلامها فيقول:(.وإنما معنى ذل فما ربحوا في تجارتهم .. ولكن الله جل ثناؤه خاطب بكتابه عربا فسلك في خطابه إياهم وبيانه لهم مسلك خطاب بعضهم بعضا، وبيانهم المستعمل بينهم. فلما كان فصيحا لديهم قول القائل لآخر خاب سعيك، ونام ليلك، وخسر بيعك، ونحو ذلك من الكلام الذي لا يخفى على سامعه ما يريده قائله خاطبهم بالذي هو في منطقهم من الكلام فقال : ) فما ربحت تجارتهم()([55]).
2ـ ومنه قوله تعالى : ) قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ ([هود 43] يقول القرطبي بأن عاصما بمعنى معصوم مثل ماء دافق أي مدفوق ويستشهد على ذلك بقول الشاعر:
بطئ القيام رخيم الكلام أمسى فـؤادي به فاتنا
أي مفتونا([56]). وعلى قوله هذا يكون قد أسند اسم الفاعل " عاصم" إلى ضمير اسم المفعول على سبيل الإسناد المجازي لعلاقة المفعولية. والتعبير يفيد المبالغة في نفى العصمة عمن كفر.
3ـ ومنه الآية : ) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ ( [الحاقة 21] ، يقول الزمخشري: ( ..جعل الفعل لها مجازا وهو لصاحبها) ([57]) ، لأن الذي يرضى هو صاحب العيشة وليست العيشة نفسها وأصل التعبير عيشة راض صاحبها، فأسند الرضا إلى العيشة لملابسة الرضا لها من حيث وقوعه عليها، ويفيد المجاز هنا المبالغة في بيان النعيم الذي أعده الله للمؤمنين في الجنة حتى ) أن تلك العيشة لما كانت بحيث يرضى الإنسان فيها حاله جاز أن توصف هي بالرضا فيقال راضية(([58]).
4ـ كذلك الآية :) فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ( [الطارق 5ـ6] ، فنجد أن الدفق أسند إلى الماء وهو لصاحبه على سبيل الإسناد المجازي ، ويقرر الطبري أن هذا التعبير من استعمالات العرب الأصيلة وهو مما أخرجته العرب بلفظ فاعل وهو بمعنى المفعول، ويقال أن أكثر من يستعمل ذلك من أحياء العرب سكان الحجاز إذا كان في مذهب النعت([59]). ويرى ابن عطية أن الدفق هو دفع الوادي والسيل إذا جاء يركب بعضه بعضا، فلذا جاز هنا هذا الاستعمال لإفادة ) أن الماء لسرعة اندفاعه كأنه يدفع بعضه بعضا كدفع الوادي والسيل) ([60]). أما الشريف الرضي فينظر إلى هذا المجاز ليحلله من طريق آخر حيث يقول :(وعندي في ذلك وجه آخر، وهو أن هذا الماء لما كان في العاقبة يؤول إلى أن يخرج منه الإنسان المتصرف القادر المميز جاز أن يقوى أمره فيوصف بصفة الفاعل لا صفة المفعول تمييزا له عن غيره من المياه المهراقة والمائعات المدفوقة وهذا واضح عند تأمله )([61]).
هـ/ الإسناد إلى الفاعل :
وهو أن يسند الفعل المبنى للمفعول إلى الفاعل ويمثل له الخطيب القزويني([62]) بقولهم "سيل مفعم" فالمفعم هو المملوء والسيل في حقيقته مفعم أي مالئ، والوادي هو الذي يفعم أي يملأ بالماء، وأصل الإسناد : أفعم السيل الوادي، فتجوزوا في الإسناد فجعلوا السيل مفعما على سبيل الإسناد المجازي لعلاقة الفاعلية لإفادة المبالغة في فيضان الماء وامتلاء الوادي به حتى أصبح السيل مملوءاً لا مالئا، ومثل ذلك قولهم: " ماء مغمور " والأصل أن يكون الماء غامرا وليس مغمورا فاستعمل اسم المفعول هنا بمعنى اسم الفاعل أي أسند اسم المفعول إلى ضمير الماء الذي هو فاعل، والعلاقة الفاعلية . ومنه في القرآن:
1ـ قوله تعالى :) إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّاً([مريم 61] .
نقل ابن عطية عن بعض المفسرين : (هو مفعول في اللفظ بمعنى آت) ([63])، أي أسند اسم المفعول مأتيا إلى ضمير الوعد الذي هو فاعله حقيقة لأنه يأتي ولا يؤتى، ولكنهم تجوزوا وأسندوا اسم المفعول إلى ضمير الفاعل للملابسة بين الفاعل الذي هو الوعد والمأتى الذي هو اسم مفعول لعلاقة الفاعلية، ويفيد التجوز هـنا( التأكيد بأن وعد الله عباده منجز) ([64]).
2ـ وقوله تعالى : ) فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ ( [محمد 21] قيل : ( أي جد والجد ـ أي الاجتهاد ـ لأصحاب الأمر إلا أنه أسند إليه مجازا) ([65])، والأسلوب الحقيقي هو: فإذا عزم الإنسان على الأمر، والعلاقة فاعلية وقد حقق الأسلوب المجازى دلالة أن الأمر واقع لا محالة.
3ـ وقوله تعالى : ) وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا([الإسراء 45] ويرى الزمخشري أن قوله تعالى " حجابا مستورا " كقولهم "سيل مفعم"([66])، أي من إسناد اسم المفعول إلى الفاعل فيكون على ذلك أنه قد أسند اسم المفعول "مستورا" إلى ضمير الفاعل لأن الحجاب يكون ساترا وليس مستورا. ويفيد الإسناد هنا المبالغة في وصف ( كبراء قريش الذين يستمعون إلى القرآن ولكنهم يجاهدون قلوبهم ألا ترق له ويمانعون فطرتهم أن تتأثر به) ([67]) بالطغيان والمكابرة إلى حد أنهم لم يعودوا مستورين بالحجاب بل صار الحجاب هو المستور بطغيانهم.
4ـ وفي قوله جل وعلا :) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولا( [الأحزاب 15]. أسند اسم المفعول " مسئولا " إلى ضمير العهد والعهد لا يسأل بل المسئول صاحبه، فكان ذلك على سبيل المجاز والعلاقة الفاعلية، والتجوز هنا يفيد كمال المبالغة في وجوب الالتزام بالعهد، وفوق ذلك التأكيد فإذا كان العهد يسأل فمن الأولى سؤال صاحبه، مع ما في الكلام من التوعد الذي أشار إليه ابن عطية([68]).
5ـ ومنه : ) وَإِذَا الموءودة سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ([التكوير 8 ـ9] فأسند الفعل المبنى للمجهول "سئلت" إلى ضمير الموءودة وهى لن تسأل بل وائدها هو الذي يسأل والإسناد مجازي علاقته الفاعلية. وتظهر لنا فائدة التجوز هنا في قول الألوسي بأن الموءودة تسأل ( دون الوائد مع أن الذنب له دونها لتسليتها وإظهار كمال الغيظ والسخط لوائدها وإسقاطه عن درجة الخطاب والمبالغة في تبكيته) ([69]).
و/ الإسناد إلى المصدر :
من ذلك عبارة : " ثارت ثورته "، " وضل ضلاله "، فقد أسند الفعل في كل مثال إلى مصدره إسنادا مجازيا، وهذا المصدر ليس هو الفاعل الحقيقي، بل الفاعل الحقيقي هو الرجل الذي يثور ويضل، والعلاقة المصدرية. وقد يمثل لهذا النوع أيضا بقولهم([70]): شعر شاعر، كما جُعل منه قول أبى فراس:
فأسند الفعل " جد " إلى مصدره " جدهم " وهو ليس الفاعل الحقيقي، وإنما الفاعل الجاد أي الرجل الذي يجد فالإسناد هنا مجازي علاقته المصدرية.
ويذكر هذا النوع العز بن عبد السلام في فصل وصف الأعراض بصفة من قامت به فيقول : ( قولهم هذا شعر شاعر، ووصفوا الشعر بصفة الشاعر مبالغة ومثله قولهم جد جده وصفوا الجد بصفة الجاد) ([72]) ، ولم يأت بشاهد له من القرآن على غير عادته.
ولكننا لا نعدم في كلام بعض العلماء ما يشير إلى وجوده على نحو ما، فها هو الزمخشري يقف عند قوله تعالى : ) صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا ([البقرة 69] قائلا : ( فهلا قيل صفراء فاقعة وأي فائدة في ذكر اللون (قلت)، الفائدة فيه التوكيد لأن اللون اسم للهيئة وهى الصفرة فكأنه قيل شديدة الصفرة صفرتها، فهو من قولك جد جده وجنونك مجنون)([73]).
ويقف الألوسي عند الآية : ) أُوْلَئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ( [إبراهيم 3] فيقول: ( ... أسند فيها إلى المصدر ما هو لصاحبه مجازا كجد جده إلا أن الفرق بين ما نحن فيه وذلك أن المسند إليه في الأول مصدر غير المسند وفى ذاك مصدره وليس بينهما بعد) ([74]).
ز/ ملابسات إضافية :
ما ذكرناه فيم سبق من ملابسات هي التي تدور في كتب البلاغة التي اعتمدت على تعريف الخطيب القزويني للإسناد المجازي ـ أي المجاز العقلي ـ الذي جاء في صدر هذا الفصل، وجعل فيه الإسناد مقيدا بالفعل أو ما في معناه فقط، ولكننا إذا أعدنا النظر في تعريف عبد القاهر لهذا الضرب من المجاز وهو : ( كل جملة أخرجت الحكم المفاد بها عن موضوعه في العقل لضرب من التأول) ([75])لوجدنا أن هذا النوع من المجاز يتسع لملابسات وعلاقات أخر بخلاف التي ذكرها الخطيب. ودليل صحة هذا الكلام ما التفت إليه د. محمد أبو موسى من أن المجاز العقلي عند الزمخشري الذي اعتمد على تعريف عبد القاهر قد اتسع لكل إسناد ولكل ملابسة([76])، وهو القائل: ( لأن المجاز الحكمي يُكتفى فيه بنوع من الملابسة) ([77]) يعنى بذلك أن الإسناد في هذا المجاز يُكتفى فيه بنوع من الملابسة ليصح الإسناد ولذلك يشمل كثيرا من التراكيب التي تعتمد ألوانا من الملابسات التي تصح بها الروابط والأسانيد ومن ذلك مما وقف عنده:
1ـ إسناد الفعل إلى الجنس كله: وهو في الحقيقة مسند إلى بعضه: ومثل ذلك قول الفرزدق:
فقد أسند الضرب إلى بني عبس مع قوله نبا بيدي ورقاء وهو واحد منهم .
أما في القرآن فنجد هذا الضرب في الآية :) فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ([الأعراف 77] ، يقول الزمخشري : (أسند العقر إلى جميعهم لأنه كان برضاهم وإن لم يباشره إلا بعضهم، وقد يقال للقبيلة الضخمة أنتم فعلتم كذا وما فعله إلا واحد منهم)([79]). وهذا الإسناد يفيد أن خطيئتها كتبت على الجميع ، فكأنهم جميعا مؤاخذين بهذا الإثم العظيم كما أشار إلى ذلك سيد قطب([80]) في الآية ) فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ([الشعراء 157].
ومما ذكره الزمخشري من هذا النوع كذلك قوله تعالى :) وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً ([الأعراف 148] ثم قال معللا لنسبة الفعل لقوم موسى وهو لأحدهم : (لأن رجلا([81])منهم باشره ووجد فيما بين ظهرانيهم كما يقال بنو تميم قالوا كذا وفعلوا كذا والقائل والفاعل واحد ، ولأنهم كانوا مريدين لاتخاذه راضين به فكأنهم أجمعوا عليه) ([82]).
ومثله ما ذكره ابن حيان في الآية :) وَيَقُولُ الإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا([مريم 66] إذ أن القول أسند إلى جنس الإنسان وهو لرجل واحد يقال هو أُبَيُّ بن خلف، فهذا عنده من إسناد المقالة للجنس بما صدر من بعضهم([83])، ومثل لذلك ببيت الفرزدق السابق.
2ـ إسناد الفعل إلى الجارحة التي هي آلته: كقولنا هذا ما قاله لساني، فأسند القول إلى آلته وهى اللسان لمزيد من التوكيد. ومن ذلك قوله تعالى عن الشهادة: ) وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ([البقرة 283]. يقول الزمخشري:( فإن قلت: هلا اقتصر على قوله آثم؟ وما فائدة ذكر القلب والجملة هي الآثمة لا القلب وحده، قلت: كتمان الشهادة هي أن يضمرها ولا يتكلم بها فلما كان آثما مقترفا بالقلب أسند إليه، لأن إسناد الفعل إلى الجارحة التي يعمل بها أبلغ ألا تراك تقول إذا أردت التوكيد هذا مما أبصرته عيني، ومما سمعته أذني، ومما عرفه قلبي) ([84]).
والتعبير عنده يدل على أن الإثم تمكن من أصل نفسه وملك أشرف مكان فيها، وفوق ذلك يدل على أن كتمان الشهادة ليس من الآثام المتعلقة باللسان فقط .
3ـ إسناد الفعل إلى ما له مزيد اختصاص وقربى بالفاعل الحقيقي: وذلك في قوله جل ثناؤه : ) إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ([الحجر 60] قال الزمخشري :( فإن قلت فلم أسند الملائكة فعل التقدير وهو لله وحده إلى أنفسهم ولم يقولوا قدر الله (قلت): لما لهم من القرب والاختصاص بالله الذي ليس لأحد غيرهم، كما يقول خاصة الملك دبرنا كذا، وأمرنا كذا، والمدبر هو الملك لا هم وإنما يظهرون بذلك اختصاصهم) ([85]).
وفى قوله تعالى: ) وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ ([البقرة 143] ، يقول الزمخشري : ( وقيل ليعلم رسول الله والمؤمنون وإنما أسند علمهم إلى ذاته لأنهم خواصه وأهل الزلفى عنده) ([86]).
4ـ إضافة الشيء إلى ما له تلبس به([87]): فإضافة المضاف إلى غير ما حقه أن يضاف إليه مجاز، لأنه جاز موضعه الأصلي كما قال التفتازاني([88]).
ونجد هذا الضرب في نحو قوله تعالى: ) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ([سبأ 33]. والتقدير بل مكركم في الليل والنهار فأضيف المكر إلى الليل والنهار وهما زمان له وكان حقه أن يضاف إلى الناس. وقد أشار إلى وجود المجاز في الآية هذه الزمخشري حين قال: ( ومعنى مكر الليل والنهار مكركم في الليل والنهار فاتسع الظرف بأجرائه مجرى المفعول به، وإضافة المكر إليه أو جعل ليلهم ونهارهم ماكرين على الإسناد المجازي) ([89]).
ويذكر الشريف الرضي أن سر جمال هذا التعبير ـ أي إضافة المكر إلى الليل والنهار ـ أن فيه زيادة فائدة وهى دلالة الكلام على أن مكرهم كان متصلا غير منقطع في الليل والنهار([90]).
وجعل الزمخشري من هذا اللون أيضا قوله تعالى : ) وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا ( [النساء 35] فيشير إلى وجود المجاز ومشابهة هذا المثال لسابقه بقوله : ( أصله شقاقا بينهما فأضيف الشقاق إلى الظرف على طريق الاتساع كقوله : بل مكر الليل والنهار) ([91]).
ويوضح لنا الألوسي الأمر أكثر بقوله : ( وإضافة الشقاق إليهما إما لإجراء الظرف مجرى المفعول كما في قوله: يا سارق الليلة أهل الدار، والفاعل كقولهم : صام نهاره، والأصل شقاق بينهما ... فللملابسة بين الظرف والمظروف نزل منزله الفاعل أو المفعول وشبه بأحدهما ثم عومل معاملته في الإضافة إليه) ([92]).
5ـ وقوع الفعل المتعدي على غير ما حقه أن يقع عليه([93]): وفى ذلك يقول التفتازاني : ( فكما أن إسناد الفعل إلى غير ما حقه أن يسند إليه مجاز، فكذلك إيقاعه على غير ما حقه أن يوقع عليه مجاز أيضا) ([94]).
وقد أشار الزمخشري إلى هذا النوع في قوله تعالى :) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ( [الشعراء 151] فقال : ( جعل الأمر مطاعا على المجاز الحكمي) ([95]) والأصل في التعبير ولا تطيعوا المسرفين بسبب أمرهم، وقد وقع الفعل "تطيعوا" على المفعول "أمر" على سبيل الإسناد المجازي .
ومن هذا الضرب قوله تعالى : ) وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا([القمر 12] فقد وقع الفعل "فجر" على الأرض وهو في الأصل للعيون، إذ أن المعنى وفجرنا عيون الأرض، فالإسناد مجازي كما يقول الزمخشري([96]) وقد أفاد المبالغة فكأن الأرض كلها عيون تتفجر.
وقد سبق عبد القاهر الزمخشري في بيان سر جمال التعبير هذا حين أشار إلى أنه يفيد الشمول فقال : ( أن الأرض قد كانت صارت عيونا كلها وأن الماء قد كان يفور من كل مكان فيها) ([97]).
6ـ وصف الشيء بوصف صاحبه([98]): فكما كان إسناد الفعل إلى غير ما حقه أن يسند إليه مجاز فوصف الشيء بغير ما حقه أن يوصف به مجاز أيضا.
ومما ذكره الزمخشري من هذا النوع الآية : ) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ([يونس 1] فيقول : ( ذو الحكمة لاشتماله عليها ونطقه بها أو وصف بصفة محدثه) ([99]). فالحكمة في الحقيقة ليست وصفا للكتاب وإنما هي وصف لصاحب الكتاب.
ومنه قوله تعالى : ) أُوْلَئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ([إبراهيم 3] . يقول الزمخشري : ( فإن قلت: فما معنى وصف الضلال بالبعد؟ قلت هو من الإسناد المجازي، والبعد في الحقيقة للضال لأنه هو الذي يتباعد من الطريق) ([100]). وواضح أن التعبير يفيد المبالغة في تأكيد بعد الضال عن سبل الهدى.
ومنه قوله تعالى: ) وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ([البقرة 10] . وفيه يقول الزمخشري: ( يقال ألم فهو أليم كوجع فهو وجيع ووصف العذاب به وهذا على طريقة قولهم جد جده. والألم في الحقيقة للمؤلم كما أن الجد للجاد) ([101]).
وقيل بأن التجوز هنا بوصف العذاب نفسه بأنه أليم فيه بيان أن الألم بلغ الغاية حتى سرى من المعذب إلى العذاب المتعلق به([102]).
7ـ الإسناد بين المبتدأ والخبر([103]):وذلك مثل قولنا: " رجل عدل " ، و" ماء غور"، وقد سماه الزمخشري حينما وقف عند الآية : ) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ ([الملك 30] بالوصف بالمصدر([104]).
كما وقف عند قوله تعالى : ) وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى ([البقرة 189] ويقول بأن الأصل : ( ولكن ذا البر من اتقى أو لكن البر بر من اتقى) فأسند من " اتقى" إلى " البر" إسنادا مجازيا لإفادة المبالغة([105]).
ولعل هذه الأنواع التي ذكرناها، فوق ما نص عليه الخطيب القزويني، تؤكد أن تعريف عبد القاهر الذي اعتمد عليه الزمخشري كان أرحب مجالا لاستيعاب كثير من العلاقات والملابسات التي يضيق عنها تعريف الخطيب، ويؤكد اتساع المجاز العقلي لهذه الملابسات التي ذكرناها قول التفتازاني : ( إن المجاز العقلي أعم من أن يكون في النسبة الإسنادية أو غيرها) ([106]).
مزايا الإسناد المجازي في القرآن:
بعد عرض أهم ملابسات الإسناد المجازي أو المجاز العقلي يمكن القول بأن هذا الضرب من المجاز يجرى بكثرة في القرآن الكريم الذي لم يأت منفصلا عن أساليب العرب المألوفة وطرق كلامهم، فلذا كان التعبير به في القرآن حسنا مألوفا.
وفيما يلي وعلى ضوء ما سبق من شواهد هذا المجاز من القرآن تلخيص للمزايا البلاغية التي دفعت عبد القاهر للحكم عليه بأنه كنز من كنوز البلاغة([107]) وهى:
أ ـ بيان الأهمية :
فعند إسناد الفعل أو ما في معناه إلى غير فاعله الحقيقي لملابسته له يفيد ذلك قيام الفاعل المجازي الذي أسند إليه الفعل بدور رئيس في الجملة، وقد يكون هو الركن الأساسي الذي لا يتم العمل دونه، ففي قوله تعالى: ) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ ([القصص 4] أسند الذبح إلى فرعون لأنه هو الآمر به، ولولاه ما حدث، وجنوده مجرد منفذين بما أمروا به.
وكذلك قوله تعالى :) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ([إبراهيم 28] . فهؤلاء الذين بدّلوا نعمة الله كفرا ، هم العامل الرئيس فيما آل إليه حال قومهم من العاقبة السيئة ، فأمر الأكابر إياهم بالكفر كان السبب الموجب لحلول النار. كما يقول العز بن عبد السلام([108]).
ومن ذلك ما ذكره سيد قطب في تفسير الآية : ) وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ( [التوبة 124] إذ يقول : ( إن السؤال يحمل رائحة التهوين من شأن السورة النازلة والتشكيك في أثرها على القلوب) ([109]) ، ويعتبر أن قوله تعالى : ) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ( جواب حاسم لتأكيد أهميتها.
ب ـ الإيجاز في القول :
فالأمثلة التي أسند فيها الفعل إلى سببه أو إلى زمانه أو مكانه نحو : " بنى الأمير المدينة "، و " نهار صائم " ، و " طريق سائر " نلاحظ ما فيها من الإيجاز وتقليل الألفاظ إذ المراد : بنى العمال المدينة بأمر الأمير، وصام الناس في النهار، وسار الناس في الطريق، ومثل ذلك في القرآن الآية : ) فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ ([القصص 38] فهو أوجز من أصل الكلام لو جرى على غير المجاز فقيل: آمر عمالك يا هامان ليوقدوا لي على الطين.
وقول موسى عن أخيه هارون :)فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي([القصص 34] أوجز من لو أنه قيل : فأرسله معي ردءا يبسط بلسانه الحق ويجادل به ليكون ذلك تصديقا لما أدعو إليه كما ذُكر في موضع سابق([110]).
وفي الآية : ) إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا( [النمل 91]. فالكلام هنا على الإسناد المجازى في غاية الإيجاز والأصل كما يقول العز بن عبد السلام: ( حرم محرماتها كعضد شجرها واختلاء خلاها وتنفير صيدها والتقاط لقطتها إلا لمنشد) ([111]). وقد أشار إلى مزية الإيجاز هذه الطبري في قوله تعالى : ) فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ ([البقرة16] وجعل ذلك لأن العرب اعتادت على مثله ، فاكتفى القرآن بفهم المخاطبين بمعنى ذلك([112]).
ج ـ المبالغة :
والأمثلة التي ذكرت في بداية الحديث عن الإيجاز نجد أنها تدل كذلك على المبالغة في وقوع الحدث، ففي قولنا " بنى الأمير المدينة " مبالغة في بيان اهتمامه بالبناء، وفى قولنا " نهار صائم " يدل على المبالغة في إظهار كمال الصوم، وطريق سائر يفيد المبالغة في تصوير كثرة السائرين في الطريق.
و في القرآن الكريم نجد هذا الأمر كذلك ، ففي قوله تعالى : ) فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ ([إبراهيم 18] يلاحظ ناحية المبالغة هذه الألوسي حين يقول :( العصف اشتداد الريح وصف به زمان هبوبها على الإسناد المجازى كنهاره صائم وليله قائم للمبالغة) ([113]).
كما لاحظ ابن جني هذه المبالغة أيضا في الوصف بالمصدر وذلك حين عرض لقوله تعالى : ) إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا ([الملك 30] فقال : ( فإنما ساغ ذلك لأنه أراد المبالغة) ([114]).
ويعبر عبد القاهر عن المبالغة في هذا اللون من المجاز بتفخيم المعنى ويقرن بينه وبين المجاز المرسل من حيث اشتمال كليهما على هذه المزية وذلك حين يقول: (و اعلم أن الذي ذكرت لك في المجاز هناك من أن من شأنه أن يفخم عليه المعنى وتحدث فيه النباهة قائم لك مثله هاهنا ) ([115]).
ومزية المبالغة في الإسناد المجازي نلاحظها من قبل عبد القاهر عند الرماني الذي ذكر أمثلة من هذا اللون في أثناء حديثه عن ضروب المبالغة، فمن ذلك ما سماه بالضرب الثالث وهو إخراج الكلام مخرج الإخبار عن الأعظم الأكبر للمبالغة كقول القائل: جاء الملك إذا جاء جيش عظيم له. وجعل منه قوله تعالى:) وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ([الفجر 22] قال: ( فجعل مجيء دلائل الآيات مجيئا له على المبالغة في الكلام) ([116]) ، كما ذكر منه أيضا قوله: ) فَأَتَى اللّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ ( [النحل 26] وقال : ( أي أتاهم بعظيم بأسه فجعل ذلك إتيانا له على المبالغة) ([117]) .
د ـ التوكيد :
وهو مفهوم من كلام عبد القاهر حين قال عن هذا المجاز: ( وإثبات ما أثبت للفرع الذي ليس بمستحق يتضمن الإثبات للأصل الذي هو المستحق فلا يتصور الجمع بين شيئين في وصف أو حكم من طريق التشبيه والتأويل حتى يبدأ بالأصل في إثبات ذلك الوصف والحكم له) ([118]).
ومضمون عبارته هذه أن الإسناد إلى الفاعل المجازي تأكيد لصدور الفعل من الفاعل الحقيقي لأنه إذا صح أن يكون الفعل من الفاعل المجازي أي الفرع فإن حدوثه من الفاعل الحقيقي أي الأصل آكد. ومثال ذلك الآية :) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ([الحاقة 21] . فإثبات الرضا إلى العيشة وهى الفرع تؤكد رضا صاحبها وهو الأصل، وفوق ذلك نجد في هذا الإسناد توكيدا لشدة الارتباط بين العيشة وصاحبها مما يصحح أن توصف هي بالرضا.
وفى قوله تعالى: ) أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا ([القصص 57] إسناد الأمن إلى الحرم تأكيد للأمن الذي ينعم به ساكنوه حتى تجاوزهم إلى مكانهم.
ويشير أبو السعود إلى خاصية التوكيد هذه حينما عرض للآية : ) إِنّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا ([البقرة 69] فقال : ( الفقوع نصوع الصفرة وخلوصها ولذلك يؤكد به ويقال أصفر فاقع كما يقال أسود حالك ... وفى إسناده إلى اللون مع كونه من أحوال الملون لملابسته به ما لا يخفى من فضل تأكيد كأنه قيل صفراء شديدة الصفرة صفرتها كما في جد جده) ([119]).
وهناك ملاحظة على التوكيد في هذا اللون من المجاز، فهو يأتي متضمنا دعوى مؤيدة ببرهانها فمثلا في الآية : ) قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ ([هود 43] توكيد لنفى العصمة عمن كفر، وبالضرورة إذا انتفى وجود العاصم انتفى كذلك وجود المعصوم فالعبارة بذلك كأنها قضية مصحوبة بدليلها، ويمكن تطبيق هذا الأمر على بقية الأمثلة فرضا العيشة دليل وبرهان على رضا صاحبها، وكذلك أمن الحرم دليل وبرهان على أمن ساكنيه.
هـ ـ التخييل: يشير الزمخشري إلى أن القيمة البلاغية إلى هذا النوع من الإسناد والحسن فيه قد يتأتى من ناحية التخييل كما في الآية : ) تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا( [التوبة 92] ، فيقول : ( تفيض من الدمع كقولك تفيض دمعا وهو أبلغ من يفيض دمعها لأن العين جعلت كأن كلها دمع فائض) ([120] ).
فمرجع الحسن في إسناد الفعل "تفيض" إلى الأعين ناشئ من تخييل أن المكان يقع منه الحدث، وفيه من المبالغة وقوة التأثير ما ليس في غيره.
ومثل هذا واضح في الآية : ) وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا ([القمر 12] فأسند التفجير للعيون في المعنى وأوقع على الأرض في اللفظ ليفيد معنى الشمول وأن الأرض قد صارت عيونا كلها. وكما يقول عبد القاهر: ( ولو أجرى اللفظ على ظاهره فقيل : وفجرنا عيون الأرض أو العيون في الأرض لم يفد ذلك.. ولكان المفهوم منه أن الماء قد كان فار من عيون متفرقة في الأرض) ([121] ).
وإن رأى عبد القاهر أن الجمال من ناحية النظم فسيد قطب يرى أن جمال التعبير من ناحية التخييل حين يقول بأن الجمال في الآية : ) وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا( (هو هذه الحركة التخييلية السريعة، التي يصورها التعبير ... حركة التفجير التي تفور بها الأرض في ومضة، فهذه الحركة التخييلية تلمس الحس وتثير الخيال وتشرك النظر والمخيلة في تذوق الجمال) ([122] ).
وـ إثارة الانتباه : تحويل الإسناد إلى غير ما هو له يحدث انحرافا ذهنيا عن المسار المألوف للعقل ، وذلك مما يثير انتباه العقل والتفاته إلى المسار الذي كان يجب أن يسلك في مثل هذا الأسلوب ، مما يجعل العقل يبحث عن الغاية التي لابد أن يكون بسببها قد حدث التجوز في الإسناد .
ففي قوله تعالى :) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ([إبراهيم 25] ، وقوله تعالى :) وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا([الأنفال 2] .أو قوله : ) وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا ([الزلزلة 2].نجد أن الأفعال قد أسندت إلى فاعل لا يوجد الفعل ولا يقوم به ، ومن هنا فإن فيها تحولا عما تقتضيه العقول ، وذلك مما يثير الانتباه ويحرك الشعور ويلفت النظر إلى علاقة ما أسندت إليه بما كان حقها أن تسند إليه فيصل بذلك سامعها إلى الغاية التي يبتغيها المتكلم من وراء هذا التحول في الإسناد.
ز ـ تحقيق مقصد : يفتح التجوز في الإسناد أو المجاز العقلي أمام المتكلم الباب واسعا للتفنن في القول وإخضاع الكلام للمقاصد التي يريدها، فمثلا هاهو معاوية بن أبى سفيان يجعله سبيلا لدفع التهمة عن نفسه حينما قتل عمار بن ياسر وقد كان في جند علي كرم الله وجهه، فاضطرب أهل الشام لعلمهم بقول النبيr لعمار: ( تقتلك الفئة الباغية ) ، فقال لهم معاوية :) أو نحن قتلنا عمارا، إنما قتل عمارا من جاء به (([123] ) ، يعني عليا.
وقد يفيد هذا المجاز التهكم لمن يقصده ، فمثلا في الآية :) قَالُواْ يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ([هود 87] فالصلاة لم تأمر شعيبا بترك عبادة الأوثان، وإنما الذي أمره هو الله سبحانه وتعالى، ولكنهم جعلوا الصلاة آمرة على سبيل التهكم بصلاته التي يداوم عليها([124] ).
ومن ذلك قوله تعالى: ) قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ([البقرة 93] قال أبو السعود : ( وفى إسناد الأمر إلى الإيمان تهكم بهم وإضافة الإيمان إليهم للإيذان بأنه ليس بإيمان حقيقي كما ينبئ عنه قوله تعالى :) إن كنتم مؤمنين( ) ([125] ).
وقد يفيد التجوز في الإسناد المدح أو الذم ، فمن ذلك ما ذكره الطبري حين وقف عند قوله تعالى : ) عيشة راضية([الحاقة 21] فقال : ( فوصفت العيشة بالرضا وهى مرضية لأن ذلك مدح للعيشة والعرب تفعل ذلك في المدح والذم فتقول: هذا " ليل نائم " و"سر كاتم " و"ماء دافق" فيوجهون الفعل إليه وهو في الأصل مفعول لما يراد من المدح أو الذم) ([126] ).
ويتضح مما سبق أن أي علاقة من علاقات الإسناد المجازي فيها سبب يتصل بالبلاغة، ومع ذلك نجد أن للدكتور بدوى طبانة رأيا آخر حين يقول عن المجاز العقلي : ( ليت لهذا البحث شيئا من الأثر في صناعة الأدب أو في النقد... وهذا البحث أولى به أن يضم إلى مباحث علم الكلام) ([127] ).
ولا نشك أن في هذا الحكم شيئا من الإجحاف لا سيما بعد أن رأينا نماذج مختلفة لألوان من الجمال البلاغي لهذا الضرب من المجاز، وقد يكون العذر للكاتب في هذا الحكم أنه قد نظر إلى الإسناد المجازي من خلال كتابات المتأخرين من أصحاب الشروح الذين أفرطوا في التقسيمات والتفريعات والاحترازات ، مما نأى بالبلاغة عن الذوق الفطري والإحساس الفني عند سابقيهم وبالأخص عبد القاهر الذي حكم على هذا المجاز بأنه ( كنز من كنوز البلاغة) ([128] ).
وهذا الحكم من عبد القاهر لم يأت اعتباطا بل للأسباب التي ذكرت ولغيرها مما لم ندرك من ألوان الجمال، لأن إبراز مظاهر الحسن في هذا اللون من المجاز أو غيره كثيرا ما تنأى على التعليل المستقصى والتوضيح الأمثل، وهناك مواضع تكمن فيها أسباب الجمال في العبارة يحس الإنسان بما فيها من الحسن ويؤخذ به ولا يستطيع مع ذلك بيانه، ولعله من هنا جاء حكم عبد القاهر على الإسناد المجازي بأنه: ( يدق ويلطف حتى يمتنع مثله إلا على الشاعر المفلق والكاتب البليغ وحتى يأتيك بالبدعة لم تعرفها والنادرة تأنق لها) ([129] ).
خاتمة :
اتضح من خلال صفحات البحث السابقة أن هذا اللون من الإسناد عرف عند عبد القاهر بوضوح وأنه أول من أعطاه اسما اصطلاحيا وذكر كثيرا من أمثلته وحللها وإن أشار سابقوه إلى بعض نماذجه ولكنهم لم يتناولوه بنفس العمق الذي نجده عند عبد القاهر .
تعددت أسماء هذا اللون ولكن تسميته بالإسناد المجازي هي الأنسب لدلالتها الواضحة على حقيقة هذا النوع دون غيرها من التسميات .
سار القرآن على سنن العرب في كلامها وأشعارها فلذلك وجدنا هذا اللون من التعبير في القرآن الكريم بعلاقاته المختلفة موافقا لما في لغة العرب .
استخدم هذا اللون من الإسناد لإفادة عدد من الأغراض البلاغية ، ومنها : بيان الأهمية والمبالغة والإيجاز والتوكيد وغيرها من الأغراض التي ما كانت لتتحقق لولا استعماله ، مما يدل أن القرآن لا يستخدم الأسلوب أيا كان إلا لسبب يتصل بالبلاغة ، وفي نماذجه التي تناولناها ما يدل على ذلك كما أن فيها الرد على بعض المحدثين ممن حاول التقليل من القيمة الجمالية والمعنوية لهذا الضرب من ضروب المجاز في الإسناد.
الهوامش
[1] الإيضاح ج 1 ص97
[2] كاسم الفعل واسم المفعول والمصدر وغيرها كما سيأتي .
[3] مقدمة نقد النثر المنسوب لقدامة بن جعفر ص 29
[4] الكتاب ج1 ص 169
[5] معاني القرآن ج 2 ص 15ـ16
[6] أي حملت به وهي صغيرة ، ففي عجز البيت كناية عن صغر السن . والبيت لأبي كبير الهذلي .
[7] الكامل ج 1 ص 79
[8]الصاحبي ص 368
[9] الخصائص ج 3 ص 198
[10] الطراز ج 3 ص 257
[11] انظر دلائل الإعجاز الصفحات 296ـ297ـ299 على سبيل المثال .
[12]ابن يعقوب المغربي / مواهب الفتاح ( ضمن شروح التلخيص ) ج 1 ص 231
[13] الكشاف 1ج ص37
[14]مواهب الفتاح ( ضمن شروح التلخيص ) ج1 ص 231
[15]نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز ص 172
[16] ابن يعقوب المغربي / مواهب الفتاح ج 1 ص 231.
[17] التبيان في علم البيان ص 106.
[18] عروس الأفراح (ضمن الشروح) ج 1 ص 230 ـ 231.
ترتع ما غفلت حتى إذا ادكرت فإنـــــــما هي إقبال وإدبار
المصادر والمراجع
* القرآن الكريم.
* الأصفهاني : ( أبو الفرج علي بن الحسين ) /كتاب الأغاني ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الرابعة 1422هـ .
* الألوسي : ( محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي) / روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، طبعة دار إحياء التراث العربي، بيروت، بدون تاريخ.
* بدوى :( د. بدوى أحمد طبانة ). / البيان العربي، الأنجلو المصرية، الطبعة الأولى 1956.
* البهاء السبكي : ( أبو حامد بهاء الدين أحمد بن على بن عبد الكافي )./ عروس الأفراح (ضمن شروح تلخيص المفتاح)، تحقيق فرج الله ذكى، مطبعة السعادة بمصر، الطبعة الثانية 1343 هـ .
* التفتازاني : ( سعد الدين بن مسعود بن عمر) / المختصر في تلخيص المفتاح (ضمن الشروح)، تحقيق فرج الله ذكى، مطبعة السعادة بمصر، الطبعة الثانية 1343هـ.
* الجرجاني : ( عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني).
أسرار البلاغة، تحقيق د. محمد عبد المنعم خفاجة، ود. عبد العزيز شرف، دار الجيل، بيروت 1991.
دلائل الإعجاز، تحقيق محمود محمد شاكر، مكتبة الخانجي بالقاهرة، الطبعة الثانية 1989.
* ابن جني : (أبو الفتح عثمان بن جني ). / الخصائص، تحقيق محمد على النجار، دار الكتب المصرية 1952.
* ابن حيان : (محمد بن يوسف بن على بن يوسف بن حيان) / البحر المحيط، مكتبة النصر الحديثة، الرياض، بدون تاريخ.
* الخطيب القزويني ( جلال الدين أبو المعالي محمد بن عبد الرحمن)/ الإيضاح في علوم البلاغة، تحقيق د. محمد عبد المنعم خفاجي، دار الكتاب اللبناني، بيروت، الطبعة الخامسة 1983.
* الرازي : ( فخر الدين أبو عبد الله محمد بن عمر ) / نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز، تحقيق د. بكرى شيخ أمين، دار العلم للملايين، بيروت ، بدون تاريخ.
* الزمخشري : ( أبو القاسم محمود بن عمر)/ الكشاف عن حقائق التنزيل، دار المعرفة، بيروت بدون تاريخ.
* ابن الزملكاني :(كمال الدين أبو المكارم عبد الواحد بن عبد الكريم) / التبيان في علم البيان، تحقيق د. أحمد مطلوب ود. خديجة الحديثي، بغداد، الطبعة الأولى 1964.
* أبو السعود : ( محمد بن محمد بن مصطفى العمادي) / إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم، دار الفكر، 1347هـ.
* سيبويه : ( أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر) / الكتاب، المطبعة الأميرية، بولاق، طبعة 1316 هـ.
* سيد قطب: في ظلال القرآن، الطبعة الخامسة 1966./ التصوير الفني في القرآن، دار الشروق، الطبعة الثالثة عشرة 1993.
* الشريف الرضي : (أبو الحسن محمد بن الحسين بن موسى) / تلخيص البيان في مجازات القرآن، تحقيق محمد عبد الغنى حسن، دار إحياء الكتب العربية، الطبعة الأولى 1955.
* الطبري : ( أبو جعفر محمد بن جرير) / جامع البيان عن تأويل آي القرآن، الحلبي، الطبعة الثانية 1954.
تاريخ الأمم والملوك، مطبعة الاستقامة 1939.
* طه : ( د. طه حسين ) / مقدمة نقد النثر المنسوب لقدامة بن جعفر، تحقيق عبد الحميد العبادي، مطبعة مصر 1939.
* أبو عبيدة : ( أبو عبيدة معمر بن المثنى ) / مجاز القرآن، تحقيق د. محمد فؤاد سزكين، الطبعة الأولى بمصر 1955.
نقائض جرير والفرزدق ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الأولى 1998
* العز بن عبد السلام ( أبو محمد عز الدين بن عبد العزيز بن عبد السلام) / الإشارة إلى الإيجاز في بعض أنواع المجاز، دار الحديث، القاهرة بدون تاريخ.
* ابن عطية : ( عبد الحق بن غالب بن عطية المحا ربى) / المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق السيد عبد العال السيد إبراهيم، طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، قطر 1984 ـ 1991.
* العلوي : ( يحيى بن حمزة بن على الحسيني ) / الطراز المتضمن لأسرار البلاغة، مطبعة المقتطف، مصر 1914.
*ابن فارس : ( أحمد بن فارس بن زكريا) / الصاحبي في فقه اللغة، تحقيق السيد أحمد صقر، طبعة الحلبي 1977.
* الفراء : ( يحيى بن زياد بن عبد الله ) / معاني القرآن، تحقيق محمد على النجار، الدار المصرية، الطبعة الأولى، بدون تاريخ.
* القرطبي : ( أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبى بكر) / جامع الأحكام، دار الكتب، 1950.
* المبرد : ( أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر) / الكامل في اللغة والأدب، مكتبة المعارف، بيروت، بدون تاريخ.
* محمد : ( د. محمد أبو موسى ) / البلاغة القرآنية في تفسير الزمخشري، دار الفكر ،بدون تاريخ.
* المراغي :( أحمد مصطفى المراغي ) / تفسير المراغي، الحلبي، الطبعة الخامسة عشرة 1962.
* المرزوقي: ( أبو علي أحمد بن محمد ) / شرح ديوان الحماسة لأبي تمام ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الأولى 1424هـ .
* ياقوت الحموي ( أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله ) / معجم الأدباء ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الأولى 1991
ابن يعقوب المغربي : ( أبو العباس أحمد بن محمد) / مواهب الفتاح (ضمن شروح التلخيص)، تحقيق فرج الله ذكى، مطبعة السعادة بمصر، الطبعة الثانية 1343هـ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق