الاثنين، 13 يونيو 2016

الخبر وأضربه وأغراضه

الخبر وأضربه وأغراضه





الخبر وأضربه وأغراضه

الخـبر والإنشـاء
ينقسم كلام العرب إلى قسمين – خبر وإنشاء أولاً: - الخبر ، وتعريفه : هو الكلام الذي يحتمل الصدق أو الكذب لذاته0
مثال ذلك :
- ( قائد حطين هو صلاح الدين ).
- للمؤمنين الجنة ، وللكافرين النار0
ويظهر من الأمثلة السابقة أن القائل صادق ، لذا فكلامه موصوف بالصدق، وبهذا فهو خبر، ولو قلنا : ( المطر نازل )، فخرجنا فلم نجد شيئاً، فيكون الخبر كاذباً، وبهذا نعلم أن هذه الأمثلة كلها من باب الخبر لا الإنشاء0
أما قولنا : (لذاته) فحتى ينصرف التكذيب أو التصديق لذات الخبر بغض النظر عن المخبر، وبذا تخرج الأخبار الصادقة قطعاً كالقرآن وصحيح السنة، والأخبار المكذوبة قطعاً كقرآن مسيلمة وأحاديث الوضاعين ، لكن لو قلتَ لصاحب أو زميل : يا محمدُ اشترِ لي قلماً أو بعتك السيارة ، فهنا لا نستطيع أن نقول: صدقت أو كذبت، فدل هذا على أن الكلام المذكور ليس خبراً بل هو إنشاء ، وهو مالا يحتمل الصدق أو الكذب لذاته ، وهو يشمل مايأتي : الأمر، والنهي ، والاستفهام ، والتمني ، والنداء0
وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله 0

أولا : الخبر.
نحتاج في موضوع الخبر أن نعرف مايأتي: أغراض الخبر، أضرب الخبر، مؤكدات الخبر.
أغراض الخبر :
لأي خبر نخبر به غرضان رئيسان هما: فائدة الخبر ، ولازم الفائدة.
أولاً: فائدة الخبر.
ويكون ذلك إذا كان المخاطب يجهل مضمون ذلك الخبر ، فإذا قلت لزميلك مبشرا : ظهرت نتائج الامتحان ،أو قلت له:انتصر المسلمون على عدوهم ، فيكون الغرض من حديثك هذا هو إيصال مضمون الخبر لجهله بالخبر كله.
ثانياً: لازم الفائدة، وذلك عندما يكون المخاطب عالماً بمضمون الخبر، فلا يضيف له ذلك الخبر معلومة جديدة، بل أحيانا يكون المخاطب أكثر معرفة بمضمون الخبر من المتكلم، كقولك لصاحبك على سبيل الإخبار لا السؤال: اسمك محمد، أو قولك : أنت قدمت من السفر أمس ، أو: قولك (أنت تدرس في جامعة تبوك) ، فكل هذه المعلومات والأخبار لايجهلها المخاطب بل هي معلومة له، فما فائدة الإخبار بها إذاً ؟ وماهدف المتكلم منها ؟
يكتشفها المخاطب من طريقة حديثك ، والحال التي تحيط بالمقال ، فقد يراد منها أحيانا التهديد ، وأحياناً يراد التعريف والقرب كقولك لرجل ترغب في التعرف عليه: أنت فلان ابن فلان، وأحيانا يراد جَرّ المتهم إلى الاعتراف كما هو حاصل في التحقيق مع المجرمين.
هذان هما الغرضان الرئيسان ، أما الأغراض الفرعية فهي كثيرة ، وتتبين من خلال السياق ومنها :
1- إظهار التحسركقول أم مريم: (( رب إني وضعتها أنثى ))، فمن المقرر أن مريم لم ترد مضمون الخبر؛ وهو إخبار الله سبحانه بأنها وضعت أنثى؛ لأن المخاطب وهو الله عز وجل عالم بذلك، ولم تقصد أيضاً لازم الفائدة ؛ لأن الله عز وجل يعلم أنها عالمة ، ولكن فائدة كلامها هو إظهار التحسر والتأسف على أنها كانت تريده ذكراً لا أنثى حتى يخدم بيت المقدس كما نذرت ، فلما جاءت أنثى أصابها الحزن ؛ لأنها لن تستطيع أن تقوم بمايقوم به الذكر، ومرد ذلك كله حرصها على الخير.
ومن هذا القبيل قول لبيد:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خَلْف كجلدِ الأجربِ
فهو يتحسر على زمان مضى بسبب مايرى من فساد في زمانه .
2- إظهار الضعف ، ومنه ماجاء على لسان موسى عليه السلام :(( رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ))، وذلك بعدما ظهرت قوته في قضائه على الرجل بوكزه له ، وبرفعه غطاء البئر، بعد هذا كله قال ذلك اعترافاً بضعفه، وإظهارا لحاجته إلى ربه .
وقول زكريا عليه السلام: (( رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً ))، قال ذلك بعدما تقدم به السن وأيس من الولد لكن الرجاء في الله عظيم، فما زال يدعو ربه، ويظهر ضعفه، بمثل هذه الآية حتى استجاب له سبحانه، فزكريا عليه السلام لا يخبر ربه هنا لأجل فائدة الخبر؛ لأنه العليم الخبير سبحانه، لكنها شكوى العبد الضعيف إلى مولاه، ليرحمه ويعطيه سؤله.
3-الوعظ والإرشاد : ومنه قوله تعالى : (( كل نفس ذائقة الموت )) فهنا لايستفيد المستمع مضمون الخبر، لأنه لاينكر وقوع الموت أحد، فدل هذا على أن الخبر له غرض آخر وهو الوعظ ، لذا كان مراد مَنْ يذكر هذه الآية في خطبة أو موعظة هو ترقيق القلوب ، والتذكير بالمصير المعروف ليتعظ الناس .
وهناك أغراض أخرى كثيرة للأخبار التي نخبر بها تفهم من السياق مثل: المدح، والفخر، والعتب، والاعتذار، وغيرها.
أضْرُب الخبر
الضرب هو: النوع ، والأضرب : الأنواع0
الكلام المتلقى لابد أن يكون ملائماً للغرض مناسباً للحال ، فليس من البلاغة أن تأتي إلى رجل خالي الذهن من الخبر عن( نجاح أخيه) وهو أيضاً غير شاك في قدرة أخيه على النجاح، ثم تقول له من أول لحظة : والله إن أخاك لناجح ،لاشك أنك إن فعلت ذلك معه سيستغرب هذا النمط من الكلام، وبدل أن تؤكد له الخبر سببت له شكا فيه ؛ لأنك حلفت وأكدت في غير موطن التأكيد والحلف ، بل إنه ربما سألك عن سبب هذا الحلف ، وليس من البلاغة أيضاً أن تصادف رجلا مُسْلِماً ولو بالاسم ثم هو لا يصلي، وينكر –علناً- فرضية الصلاة وعدم وجوبها وأنه لا دليل عليها ، ليس من البلاغة هنا أن تخاطبه بقولك : الصلاة واجبة ، بل الصحيح أن تقول للأول (الخالي الذهن ): ( أخوك ناجح ) بلا تأكيد، وتقول للثاني وهو المنكر:( والله إن الصلاة واجبة ) ، وبهذا نعلم أن نوع الكلام يتغير بتغير حالة المخاطب؛ ولهذا كان الخبر بحسب حال المخاطب على ثلاثة أنواع هي :
( أولاً )الابتدائي : وهو الخبر الموجه لمخاطب خالي الذهن ، فهنا يوجه الكلام إليه خالياً من كل مؤكد تناسبا مع خلو ذهنه من الخبر.
( ثانياً ) الطلبي : وهو الخبر الموجه لمخاطب شاك أو متردد، فهنا يستحسن تأكيد الكلام له بمؤكد واحد، لإزالة تردده وشكه.
( ثالثاً ) الإنكاري : وهو الخبر الموجه لمخاطب منكر أو مكذب ، فهنا لابد من توكيد الكلام له بأكثر من مؤكد ، بحسب قوة الإنكار والتكذيب ، وبهذا نعلم أن أضرب الخبر ثلاثة وهي:
1- ابتدائي لخالي الذهن 2-طلبي للشاك والمتردد 3-إنكاري للمنكر والمكذب
ولتوضيح ذلك نضرب هذا المثال: لو فرضنا أنك تريد إخبار أحد زملائك عن الإعلان عن الاختبارات النهائية ، فتقول له في الأحوال العادية : أعلنت الكلية عن الجدول النهائي للاختبارات، فإن رأيت منه ترددا ، أو شكاً ، بسبب خبر آخر وصله أو غير ذلك فمن البلاغة أن تنتقل معه إلى النوع الثاني وهو الطلبي فتقول : إن الكلية أعلنت عن الجدول النهائي للاختبارات، فتؤكد له الكلام بـ(إنّ)، فإن وجدت منه تكذيباً لكلامك بأن يقول لك : معلوماتك غير صحيحة ، وأنا أعلم أنك واهم فيما تقول، فهنا لابد من النوع الثالث : الإنكاري فتقول : إن الكلية قد أعلنت عن الجدول النهائي للاختبارات، فتؤكد له بـ(إنّ وقد)، فإن زاد في الإنكار ، زدت معه في المؤكدات فيمكن أن تقول له : والله لقد أعلنت الكلية عن الاختبار، فتؤكد له بـ(إنّ وقد والقسم).
وهذا التنوع في الخبر -بحسب- المخاطب واضح في الأسلوب القرآن، ولعل ذلك يتضح من خلال هذا الشاهد القرآني، قال الله تعالى: {واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون * إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما * فعززنا بثالث* فقالوا إنا إليكم مرسلون* قالوا ماأنتم إلا بشر مثلنا * وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون * قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون }0
سنقف مع هذه الآيات لننظر في أنواع الخبر الواردة فيها، وكيف ترقى التوكيد مرة بعد مرة، بحسب درجة الإنكار، فنجد الخبر الأول وهو: ((إنا إليكم مرسلون )) قد جاء ملائما لرد القوم الذين كذبوا الرسَل بدليل قوله تعالى : ((فكذبوهما )) وهو دليل على إنكارهم ، فقال الرسل :((إنا إليكم مرسلون )) فأكدوا كلامهم بـ(إن واسمية الجملة ، إذ هي تدل على الثبوت، وبالتقديم للجار والمجرور (إليكم) أي: إليكم خصوصاً)، ثم رد الأقوام على الرسل بتكذيب أشد وإنكار أعنف حيث قالوا لهم: ((ما أنتم إلابشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون )) ، فوصفوهم بعدم الأهلية للرسالة فماهم إلا بشر، وقد شددوا في ذلك كما يدل عليه الحصر بطريق النفي والاستثناء، وأيضاً فقد أنكروا أنهم نُزِّل عليهم من الرحمن شيء ، وأمعنوا في ذلك كما يدل عليه دخول الجار(من) على كلمة (شيء ) أي جزء من الشيء ، ثم نسبوهم إلى الكذب صراحة : فهذه خمسة مظاهر من مظاهر التكذيب جابهوا بها الرسل وردوا بها كلامهم.
وكما نرى هنا فالإنكار قد تنامى وزاد ،هذا يحتاج إلى رد مناسب لزيادة هذا الإنكار ، فكان أن قالوا : (( ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون )) فحشدوا ستة مؤكدات في كلامهم : الأول : إنّ ، الثاني: اسمية الجملة ، الثالث : التقديم(إليكم) ، وهذه قد سبقت من قبل ، الرابع : التأكيد بنسبة العلم إلى الله ، الخامس : القسم ( ربنا ) ، السادس : اللام في (لمرسلون) 0
وهكذا يتبين كيف تغير الكلام بتغير حال المخاطب ، وكيف زادت المؤكدات بزيادة نسبة التكذيب والإنكار ، وهكذا ينبغي أن يكون كلامنا0

المؤكدات في كلام العرب
لابد لدارس البلاغة أن يعرف المؤكدات التي يمكن أن يستخدمها لرد الإنكار أو إزالة الشك والتردد ومن أهم تلك المؤكدات ما يأتي :
1- إنّ وأنّ 0
2- لام الابتداء ، كقوله تعالى :(( لأَنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ))
3- القسـم ،كقوله تعالى: (( وتا الله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولو مدبرين ))
4- ضمير الفصل ، كقوله تعالى : (( وأولئك هم المفلحون ))
5- قـد وخصوصا إذا دخلت على الماضي، كقوله تعالى: ((قد أفلح المؤمنون ))
6- اسمية الجملة 0
7- نونا التوكيد ، كقوله تعالى: (وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّنَ الصَّاغِرِينَ ) يوسف32
8- أحرف التنبيه ( ألا ، أما ) كقوله تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }يونس62، وقوله صلى الله عليه وسلم: (يا بني سلمة ألا تحتسبون آثاركم)، قولهr : (ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم يشتمون مذمما ويلعنون مذمما وأنا محمد)
9- الحروف الزائدة للتوكيد مثل: ( مِنْ ) ( من شئ ) ، الباء ( وما ربك بظلام للعبيد ).
10- أسلوب القصر، لأنه توكيد فوق توكيد مثل:( وما من إله إلا الله)، (وما محمد إلا رسول).

تدريبات
بين نوع الخبر فيما يأتي ، وبين سبب التوكيد وسره ، وعين أدوات التوكيد فيه :
أ- قال تعالى: (( وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولو مدبرين )) ( 57 الأنبياء)
ب- قال تعالى: (( لئن لم ينته لنسفعن بالناصية )) (15 العلق )
ج- قال تعالى : (( ألاإنهم هم السفهاء ولكن لايعلمون )) ( 13 البقرة )
د- قال تعالى: (( إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله * والله يعلم إنك لرسوله * والله يشهد إن المنافقين لكاذبون )) ( 1 المنافقون )

خـروج الكـلام عن مقتضى الظـاهر
فيما يتعلق بتوكيد الكلام من عدمه
الأصل أن خالي الذهن لا يؤكد له الكلام والشاك والمتردد يستحسن أن يؤكد له الكلام بتوكيد واحد والمنكر يؤكد له بأكثر من مؤكد حتى يزول الإنكار وقد عرفنا هذا من قبل، لكننا قد نجد كلاماً يخرج عن هذا الأصل ، فينـزل غير المنكر منـزلة المنكر، أي يعامل معاملته، كما يظهر ذلك في قوله تعالى: ((ثم إنكم بعد ذلك لميتون )) فنحن نعلم أن الموت لاينكره أحد ولا يشك فيه فكيف إذاً يؤكد الكلام بـ(إن و اللام واسمية الجملة)؟0
الجواب عن ذلك في هذه أن المخاطب (غير المنكر) نُزِّل في هذه الآية (منزلة المنكر) فعومل معاملته فأكد له الكلام، والسؤال هنا: لماذا كان ذلك؟ الجواب: لأن المراد هو إيقاظ الناس من غفلتهم ؛ لأنهم وإن كانوا لاينكرون الموت بأقوالهم إلا أن حالهم وتعاملهم وطول أملهم وفشو الظلم بينهم يدل على أنهم لا يتذكرون الموت، ولا يشعرون به ، فكأنهم بهذا ينكرون وقوعه، لذا حَسُن أن يكون الكلام الموجه إليهم مؤكداً بمؤكدات عدة.
وهناك صورة أخرى وهي: أن ينـزل المخاطب خالي الذهن منـزلة المتردد والشاك، وذلك إذا تقدم في الكلام مايستدعي التساؤل والاستفهام من المخاطب، كالنهي والأمر، والخبر الغريب، حينها يحسن توكيد الكلام بما يزيل هذا التردد والشك المتوقع عند المخاطب.
قال تعالى في شأن نوح عليه السلام: (( ولاتخاطبني في الذين ظلموا، إنهم مغرقون )) ، فنجد التوكيد في الخبر : ( إنهم مغرقون ) مع أن نوح عليه السلام خالي الذهن من الكلام الخاص بعقوبة الظالمين، لأن أمر العقوبة إلى الله، لكن لما نهاه الله سبحانه عن المخاطبة في شأنهم ، تطلعت نفسه إلى معرفة ماسيؤول إليه أمرهم، فحتى يرتفع ما بنفسه من تساؤل أُكد له الكلام.
ومثل هذا قوله تعالى : (( ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا. إنهم لا يعجزون ))، حيث كان الكلام السابق للخبر(إنهم لا يعجزون)، محركا لسؤال، مفاده: كيف أو لماذا ، جاء الخبر مجيبا عن هذا التساؤل فأُكد بمؤكد واحد.
وهناك صورة ثالثة وهي بعكس ماسبق بمعنى: أن ينـزل المخاطب المنكر منـزلة غير المنكر فيوجه الكلام إليه دون توكيد ، وذلك إذا كان الخبر مما يُعلم ولايُجهل مثله، ولايصلح أن يجادل فيه أحد لظهور علاماته وكثرة دلالاته ، مثل قوله تعالى مخاطباً المشركين : (( وإلهكم إله واحد )) بدون توكيد، مع أن الكفار ينكرون وحدانية الله، لكن لما كانت كل الدلائل تشير إلى ذلك وأنه سبحانه واحد كان عدم التوكيد هنا أولى، للتدليل بأن ما تنكرونه أظهر من أن يؤكد له الكلام، فقام تضافر الأدلة عليه، وظهورها مقام التوكيد. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق