السبت، 23 يوليو 2016

الإصلاحات التربوية القوة والضعف والاقتراحات

الإصلاحات التربوية القوة والضعف والاقتراحات


الإصلاحات التربوية القوة والضعف والاقتراحات

     مكامن القوة في الإصلاحات التربوية:
     لا تخلو خطوة إصلاح من إيجابيات، إذ أن مسمى الإصلاح معناه البحث عن كل ما هو صالح وتستحسنه المدرسة الجزائرية بالمفهوم الخاص، أو المنظومة التربوية الجزائرية بالمعنى العام.
     ومن أهم أيجابيات الإصلاح التربوي في الجزائر ما يلي:
1-             إعطاء فرص الإعادة للمتعلمين الراسبين حتى وصول سن 16، بل يحق له الإعادة في كل سنة حتى وإن جاوز السن السابق. وهذا يعني إعطاء المتعلم مزيدا من الحظ في استكمال مشواره الدراسي.
2-             بغية القضاء على بعض الجرائم المنتشرة بين الشباب، وذلك بحشر المتعلم في بوتقة المؤسسة حتى يكون بعيدا عن تلك الجرائم فيخارج محيطه.
3-             تكثيف البرامج الدراسية بغية إفادة التلميذ بكم هائل من المعلومات، حتى إذا أدرك مرحلة الشباب يجد نفسه ملما بكثير من العلوم والمعارف.
4-             فتح مؤسسات وهيئات تعليمية لاستقبال المتعلمين على مختلف أطوارهم، لاستقطاب أكبر عدد من شرائح المتعلمين (ابتدائي، متوسط، ثانوي).
5-             توفير مناصب الشغل تزامنا مع زيادة فتح المؤسسات التعليمية (مناصب المعلمين، الأستاذة، الإداريين، العمال).
6-             إدخال مناهج تدريس حديثة، مثلا منهجية التدريس (المقاربة بالكفاءات).
     مكامن الضعف في الإصلاحات التربوية:
1- ارتفاع نسبة النجاح في البكالوريا من غير مؤهل علمي.
2- كثافة البرامج الدراسية.
3- كثافة الحجم الساعي الدراسي (من 08 صباحا إلى 05 مساء)؟
4- اعتماد المقاربة بالكفاءات التي تصلح لبعض التلاميذ دون أغلبهم.
5- التّشخيص الجزئي الميداني لاحتياجات المؤسسات التربوية نتج عنه العلاج الناقص.
6- الاكتظاظ في الأقسام مع تعدد الأقسام المسندة لكل أستاذ.
7- غلق المتاقن التي كانت تخرج عددا هاما من شرائح المتعلمين الذين يجدون ضالتهم وبغيتهم في الجامعات، بل يساعدهم التخصص الذي يختارونه ويتمون مشوارهم من الثانوي إلى الجامعي.
     إن نسبة النجاح المتعالية في البكالوريا التي تعلن عنها وزارة التربية كل عام وسط ضجة إعلامية كبيرة، وهذا منذ الشروع في إصلاح المنظومة ، لا يمكن أن تكون نتيجة معقولة في أغلب الأحيان.  فالمدرسة الجزائرية لا تسير قدما، بل إنها تتخبط في مشاكل كبيرة. فإلى ماذا يعود فشل إصلاحات المنظومة؟ فيما يلي بعض الإجابات على هذا السؤال.
     أولا، قبل الشروع في أي تغييرات في قطاع حساس مثل التعليم، كان ينبغي أن يفتح نقاشا وطنيا عاما  لتحسيس المجتمع وإعداده لأي تغيير مستقبلي. الشيء الذي لم يقام به أبدا حسب علمنا، لا على مستوى وسائل الإعلام الثقيلة المؤثرة و لا على مستوى الصحافة، باستثناء بعض مقالات متفرقة نشرت في بعض صحف مستقلة. وثانيا، كان ينبغي أن تتفحص الأمور المرتبطة بالمدرسة بطريقة شاملة و على أساس بعثات ميدانية لإلقاء النظرة عن كثب على الظروف التي ستطبق فيها التوجهات الجديدة، و لمقابلة و محاورة العاملين بهذه التوجهات.  الشيء الذي يبدو أنه قد تم جزئيا، أي بالاقتصار على المناطق الحضرية فقط. وعلاوة على ذلك، فحتى في المرحلة التجريبية، لم تفتح أقسام تجريبية إلا في بعض المؤسسات التربوية الواقعة في المدن الكبرى.
إذن ، بسبب إهمال بعض جوانب من هذه المرحلة المهمة جدا في عملية الإصلاح التربوي، لم يكن بإمكان الطاقم الإداري المكلف بإصلاح المنظومة أن يكوّن سوى فكرة غامضة عن مشاكل واحتياجات المدرسة الجزائرية و قدرتها على التكيف مع النظام الجديد. وبعبارة أخرى، فبما أن التشخيص الميداني كان جزئيا، لم يكن للعلاج إلا أن يكون ناقصا.
     نقص المرافق المدرسية:
     يمكن لدراسة بسيطة على نطاق دائرة من دوائر المناطق الداخلية للبلاد أن تكشف لنا على أن هناك بالفعل نقص كبير جدا في عدد المؤسسات في الأطوار الثلاثة. و إذا ألقينا نظرة خاطفة داخل المؤسسات المتوفرة، سنكتشف بأنه بسبب نقص المدارس، فإن الأقسام أصبحت مكتظة (40 تلميذ / فوج في بعض المؤسسات). أضف إلى ذلك أن الوسائل التربوية والمرافق (مكتبات مدرسية ، مخابر العلوم / اللغات ، قاعات المعلوماتية، الإنترانت / الإنترنت ، الخ.) تكاد أن تكون منعدمة فيها. و زيادة على ذلك كله، فإن المعلم لم يكن أبدا مهيئا بكل جدية للتعليم بالطريقة الجديدة، أي تلك التي تفرضها المقاربة بالكفاءات. بالتأكيد لقد سبق و أن نظمت دورات تربصية لهذا الغرض، و لكن ماذا يمكن للمعلم أن يتعلمه من مؤطر يستوي معه في المستوى التعليمي و قد يتجاوزه في الأقدمية؟ فحتى المحاضرات و الأيام الدراسية و التربصات التي تنظم من حين لأخر تحت إشراف مفتشي المواد فهي في نهاية المطاف غير مجدية، وذلك لأن الواقع كما وصفناه أعلاه يجعل توجيهاتهم، التي تستند فقط على النظري، غير قابلة للتطبيق على أرض الواقع.
     الاعتماد الخاطئ لمنهجية المقاربة بالكفاءات:
     فالمقاربة بالكفاءات تستند على فكرة أن الطالب يمتلك معارف قبلية و خبرات مكتسبة من خلال ممارساته اليومية و يكفي أن يوظفها، مع مساعدة من المعلم إن استلزم ذلك، حتى يحقق مختلف الكفاءات في مختلف الوضعيات. قد يكون هذا صحيحا، و رغم ذلك إلى حد ما، إذا كان الطالب يعيش في مجتمع منفتح و مثقف وسط مرافق مجهزة بالتكنولوجيا الحديثة. لأنه، في هذه الحالة، باحتكاكه بالمثقفين و بممارسته لنشاطات متنوعة فيها الكثير من التحديات، يكون قد اكتسب بالفعل بعض المهارات الأساسية التي يمكن للمعلم تنميتها و تفعيلها في القسم من خلال وضع الطالب في ظروف مماثلة لتلك التي يعيش فيها يوميا. و عليه، فإن المواضيع المقترحة في الكتب المدرسية الجديدة ترتبط كلها بواقع الحياة اليومية للمتمدرس، و المعلم مطلوب بإنهاء كل وحدة تربوية بمشروع يقوم به التلاميذ على أساس معلومات حقيقية يتم جمعها في الميدان مستعينا بالتقنيات والمعدات المستعملة في الحياة الحديثة. من الواضح أن كلا من المدرس و التلميذ اللذان حالفهما الحظ في العيش في محيط حضري لا يمكن إلا أن يكونا راضيان عن عملهما بهذه الطريقة الجديدة. و لكن ماذا عن التلميذ والمدرس اللذان يعيشان في المناطق النائية، كما هو الحال في بعض مناطق القبائل أو في الجنوب الجزائري حيث الظروف تضاهي “الصحراء الثقافية” ؟  بافتقارها إلى العدد الكافي من المدارس، وجدت بعض مناطق البلاد نفسها مرغمة على تكديس 40 أو حتى 50 تلميذ في كل قسم. و الأسوأ من ذلك أن المؤسسات تعمل بوسائل بدائية، أي فقط بالسبورة وقطعة من الطباشير. في ظل هذه الظروف، لا يمكن للمعلم، و حتى إن كان يمتلك كفاءات عالية، أن يحس بالرضا و هو ينفذ ما في البرامج الجديدة بالمنهجية الجديدة. و ذلك لأن اكتظاظ الأقسام يجعله مثلا يعجز عن تكوين أفواج عمل على النحو المطلوب في النظام الجديد. وإذا أضفنا عدم توافر الوسائل التعليمية الحديثة مثل الإنترنت داخل المؤسسات، أو صعوبة الوصول إليها بالخارج بالنسبة للبنات (و هن يشكلن أكثر من نصف القسم) لاعتبارات ثقافية، لا يمكننا إلا أن نتفق على حتمية الفشل الذي يتربص كل يوم في القسم بالمعلم والمتعلم. و بطبيعة الحال، سوف يقوم المدرس كعادته بمحاولة للحد من الضرر باستخدام الطريقة القديمة التي تعتمد على إلقاء الدروس بصورة آلية ثم حل التمارين، و لكن ذلك يكون بالمخاطرة بمساره، لأن توجيهات المفتشين تصر على عدم نقل المعرفة للطالب بتلك الطريقة، لأن هدف هذا الأخير في التعلم أصبح الآن ليس كسب المعارف و إنما تنمية الكفاءات الذاتية !
     اكتظاظ الأقسام وتعدد الأقسام المسندة:
     ومع تعدد الأقسام المسندة لكل معلم، يعتبر الاكتظاظ عقبة أخرى تحول دون القيام بتقويم مستمر جاد. فلمراقبة النشاطات المتنوعة لكل تلميذ، ينبغي على المعلم أن يفتح ملفا يحتوي على شبكات تقويم فردية. ولكن كيف سيتم ذلك و المعلم مكلف أحيانا بتدريس سبعة أقسام، و كل واحد يزيد بكثير عن الثلاثين عنصرا ؟ ليس إذن من المستغرب أن العديد من المعلمين، لملء الخانة المخصصة لعلامة التقويم المستمر في الكشوف، لا يستعملون في الواقع سوى علامة واحدة؛ أي تلك التي لها علاقة بجانب واحد سهل للملاحظة عند التلميذ في القسم: السلوك.
     كثافة الحجم الساعي الدراسي:
     و كما لو كان كل هذا غير كاف، يقيد التلاميذ في المؤسسة بجدول زمني مغلق بإحكام من الساعة 8 صباحا إلى الـ5 مساءا. فباستثناء يومين من عطلة نهاية الأسبوع اللذين ينبغي أن يخصصوا جزءا منهما للاسترخاء و جزءا أخر للمراجعة، فإن التلاميذ لا يملكون تقريبا أي وقت فراغ خلال الأسبوع للبحث عن المعلومات تحضيرا للمشاريع التي تسند لهم في كل مادة. مرة أخرى، ليس من المدهش أن يستلم المعلم بحوثا تفتقر إلى أدنى معايير الجدية، بل كثيرا ما تكون تلك البحوث مجرد نسخ طبق الأصل لعمل وحيد قام به تلميذ يملك إمكانيات أو حتى صاحب مقهى انترنيت ! وبالتالي يستحيل على المعلم تقويمه ومنحه أية ملاحظة جادة.
الإشكالات الأساسية في منظومتنا التربوية:
في الحقيقة الأمر من خلال تتبعنا لوضعية منظومتنا التربوية بحكم أننا من إنتاجها و بحكم قربنا اليومي منها فإنه يمكننا إجمال الإشكالات التي تعاني منها في العناصر التالية:
‌أ)    إشكالية التسرب المدرسي: حيث يلاحظ تفشي لهذه الظاهرة على جميع المستويات التعليمية خاصة بالنسبة للذكور و ذلك لجملة من الأسباب على رأسها أن التعليم في وقتنا هذا لا يؤدي إلى نتيجة مرضية من الناحية المادية فأكبر نسبة للبطالة توجد بيم خريجي الجامعات كما ان فتح مجالات مهنية لا تستدعي تكوينا علميا عاليا أدى بالشباب إلى ترك التعليم والتوجه للانخراط في هذه المجالات و التي على رأسها الشرطة و الجيش.
 ‌ب)    إشكالية العنف المدرسي: فالملاحظ أن جرائم الضرب و الجرح و القذف و حتى القتل أصبحت من الظواهر المتفشية في مؤسساتنا التربوية و هذا ليس من قبيل الصدف و إنما هو نتاج تفاعلات اجتماعية و سياسية و اقتصادية أدت إلى استفحال هذه الظاهرة التي لا يمكن معالجتها قضائيا أو إداريا و إنما من خلال معالجة أسبابها.
‌ج)    إشكالية تأطير: تعتبر إشكالية التأطير إشكالية الإشكاليات فأغلب المؤطرين ليس لديهم مستوى تعليمي عالي الأمر الذي حد من أدائهم التعليمي ناهيك عن التربوي هذا من جهة، من جهة ثانية تعاني المؤسسات التربوية من نقص التأطير و في سبيل تغطية العجز تلجأ إلى سياسية الاستخلاف التي تجعل من عطاء المؤطر محدود لعدم ارتباطه بمنصب عمل دائم لكونه في حالة بحث عن عمل الأمر الذي يجعل علاقته بمنصبه علاقة ميكانيكية وليست علاقة عضوية تفاعلية. المسألة الأخرى التي يمكن إدراجها تحت هذا العنصر هي الظروف المهنية و الاجتماعية التي يحياها المؤطرون والتي لا تسمح لهم بإعطاء اهتمام أكبر لعملهم والمتمثل في التأطير والتكوين.
‌د)    إشكالية فراغ: و هي من الإشكالات العامة، حيث أن مسألة تأطير التلاميذ خاصة خارج أوقات التعليم الرسمية تبقى عملية فردية و غير جماعية أو مؤسساتية. و ذلك رغم إقامة النوادي و المراكز الثقافية إلا أنها غير جاذبة سواء للتلاميذ و حتى للشباب نتيجة التسيير البيروقراطي الطاغي عليها، مما جعل الملاذ الأهم والأمن لهم هو الشوارع والأحياء الشعبية والسكنية.
هذه مجمل الإشكالات و التي يمكننا أن نضيف لها أمور أخرى مثل غياب دور الأسرة وقلة الاهتمام بالتلاميذ و دراسة مواهبهم و شخصياتهم و قياس ذكائهم بهدف التوجيه و الإرشاد كما أن عقلية التصغير و الاستخفاف و التحقير حدت من انطلاقهم في طريق العلم و النجاح و هذا يلاحظ عند الذكور أكثر من الإناث اللواتي يرين مستقبلهن في تعلمهن.
     الاقتراحات النهائية:
يجب أن يكون الإصلاح بإشراك جميع المعنيين ، أي المعلمين و أولياء التلاميذ و النقابات. في بلادنا، انعدام التشاور والحوار هما اللذان أديا إلى الفشل الكامل لجميع الإصلاحات التربوية.
1- تخفيف البرامج التعليمية.
2- تخفيف الحجم الساعي الدراسي.
3- الرجوع إلى طريقة التدريس بالأهداف بدل المقاربة بالكفاءات.
4- بناء هياكل تعليمية جديدة لرفع الضغط والاكتظاظ من الأقسام، لأن ذلك يحول دون استيعاب كثير من المتعلمين.
     ختاما ، نستطيع القول بأن إدخال النظام القائم على المقاربة بالكفاءات في المنظومة التربوية الجزائرية يعتبر عملا جبارا، و عليه كان ينبغي أن يشرك فيه المعلمين ومسؤولين من الوزارات و خبراء أجانب. و كان ينبغي أن يكون العمل بالتنسيق مع مصلحة ما في مجال البحث والابتكار التكنولوجي و التربوي بوزارة التربية؛ المصلحة التي كان سينبغي أن تستفيد من مساعدة من المؤسسات الأجنبية التي لها خبرة واسعة في تنفيذ هذه المناهج. ولكن بما أن لا شيء من هذا القبيل قد تم القيام به، و بما أن الأرضية لم تهيأ، فإن الطريقة الجديدة في التعليم و التعلم، و التي أقحمت على عجل من دون علم و لا استشارة الجهات المعنية، لا يسعها إلا أن تفشل مهددة مستقبل جيل كامل من المتعلمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق