سرقات دون عقاب تسيء إلى البحث العلمي في الجزائر
أصبحت السرقات العلمية، ظاهرة تتكرّر في الجامعات الجزائرية، وهي تُخِلّ بنزاهة الطلبة والأساتذة الذين يرتكبون هذا الجُرم الذي بدوره يُخلّ بقيمة البحث العلمي، الذي أصبح فاقدا بسبب ذلك للنزاهة والمصداقية والمهنية العلمية. فالسرقات المتكرّرة للبحوث العلميّة تدُل على أن الظاهرة تستفحل يوما بعد آخر في جسد الجامعة الجزائرية وفي حرمها الذي أنهكته وانتهكته لصوصيّة من نوع آخر أنكى وأمر، لصوصيّة لم تحترم الأمانة العلمية وتطاولت على مجهود الآخرين من بحوث ودراسات ورسائل تخرج، وسطت عليه بغير حق. سرقات تورط فيها أساتذة وطلاب ومدراء معاهد وكُليات، شملت مذكرات تخرّج وبحوث ورسائل مستنسخة أو بلغات أجنبية يترجمونها إلى العربية، ثم ينسبونها إلى أنفسهم وينالون عنها أعلى الدرجات والشهادات، وحتى بعض الجوائز والتكريمات.
فما الذي ساهم في انتشار «الظاهرة»؟، ولماذا لا يخجل الطالب أو الأستاذ من سرقة جهد غيره ثم ينسبه لنفسه دون أدنى حرج؟. وما هي الحلول التي يمكن أن تحدّ من ظاهرة هذه اللصوصيّة التي تطال البحوث والدراسات العلمية الجامعية؟. فرغم إدراج وزارة التعليم العالي، «السرقات العلمية» ضمن بنود أخلاقيات الجامعة التي تُصنف السرقات العلمية في خانة الأخطاء الجسيمة التي تؤدي بصاحبها إلى الطرد والمتابعة القضائية، إلا أن السرقات متواصلة، والوزارة تستقبل سنويا العديد من الشكاوى والمراسلات المتعلقة بسرقات علمية مختلفة. حول «السرقات العلمية»، المتفشية في الأوساط الجامعية والجامعات الجزائرية، كان هذا الملف في عدد اليوم من «كراس الثقافة»، مع مجموعة من الأساتذة والدكاترة الأكاديميين، الذين تناولوا الظاهرة من جوانب مختلفة، في محاولة لمناقشتها وتحليلها وطرح بعض الحلول لها.
استطلاع/ نوّارة لحـــرش
فما الذي ساهم في انتشار «الظاهرة»؟، ولماذا لا يخجل الطالب أو الأستاذ من سرقة جهد غيره ثم ينسبه لنفسه دون أدنى حرج؟. وما هي الحلول التي يمكن أن تحدّ من ظاهرة هذه اللصوصيّة التي تطال البحوث والدراسات العلمية الجامعية؟. فرغم إدراج وزارة التعليم العالي، «السرقات العلمية» ضمن بنود أخلاقيات الجامعة التي تُصنف السرقات العلمية في خانة الأخطاء الجسيمة التي تؤدي بصاحبها إلى الطرد والمتابعة القضائية، إلا أن السرقات متواصلة، والوزارة تستقبل سنويا العديد من الشكاوى والمراسلات المتعلقة بسرقات علمية مختلفة. حول «السرقات العلمية»، المتفشية في الأوساط الجامعية والجامعات الجزائرية، كان هذا الملف في عدد اليوم من «كراس الثقافة»، مع مجموعة من الأساتذة والدكاترة الأكاديميين، الذين تناولوا الظاهرة من جوانب مختلفة، في محاولة لمناقشتها وتحليلها وطرح بعض الحلول لها.
استطلاع/ نوّارة لحـــرش
محمد جديدي/ أستاذ و باحث في الفلسفة و الترجمة جامعة منتوري بقسنطينة
السرقات تحوّلت على خبر يومي
فيما مضى ما كُنا نسمع إلا نادرا عن سرقة علمية. أما في الآونة، وتحديدا في السنوات الخمس الأخيرة، لم يعد يمضي يوم إلا وتُشنف أسماعنا بفضيحة أو خبر عن سرقة علمية في كل التخصصات تقريبا، لم تعد حكرا على داخلنا بل خرجنا بفضائحنا إلى الخارج. مؤخرا حدث شيء من هذا القبيل بعد أن اكتشف أمر سرقة علمية في شهادة دكتوراه في إحدى جامعات قسنطينة وقبلها مقال مسروق بجامعة خنشلة وفي جامعات أخرى بوهران والعاصمة وعنابة وبسكرة، تكررت الحالات والفعل واحد، تعددت الفضاءات الجامعية والسلوك نفسه، إنه السرقة العلمية Plagiat، وبتنا لا نُصدر عددا بمجلة إلا ونعثر ضمن مقترحات النشر على ثلاث أو أربع أو أكثر من سرقة علمية ثابتة، يتفنن أصحابها في التحايل والغش وتنميق العناوين لأجل التمويه.
ألمْ يسأل نفسه من حصل على جائزة عبر سرقة علمية، فيما تفيده هذه الجائزة بعد أن افتضح أمره على مرأى ومسمع من الجميع. ما قيمة الجائزة وهو يشعر في ذاته بخزي وعار يلازمه طيلة حياته؟، وكيف تشعر أيها الجامعي بعد أن ترد عليك هيئة ما بأن مقالك أو بحثك منقوص من النزاهة؟ ألم تسائل نفسك: هل أنا جدير بما سآخذه بغير وجه حق وبتعب وعمل غيري؟ ما قيمة شهادة أو وظيفة تنالها من وراء سرقة جهد الآخرين؟.
ظاهرة السرقة العلمية هي مظهر من مظاهر الفساد الذي تفشى في مجتمعنا، والكارثة أنه مسّ بقطاع حساس كالتعليم والتكوين، فكيف يكون حال هذا المجتمع بعد أن يصبح الطبيب فيه والقاضي والأستاذ الباحث، قد مروا عبر قناة مظلمة، ملوثة ومشينة، ثم صاروا يتباهون بالأستاذية الفاخرة وبمناصب إدارية عليا وبمسؤوليات ورُتب، مكنتهم من أن يضاعفوا حجم الكارثة، لأنهم هم أنفسهم نِتاج هذه السلبيات، بعدما تراخت الصرامة والموضوعية وفشلت الجامعة في تسيير القطاع بأسلوب علمي صارم، بحيث تُرك الأمر للشكليات الإدارية واستعجال تقديم البحوث وإنجازها ولو على حساب النوعية والمستوى، ناهيك عن اللجوء إلى الأساليب اللاأخلاقية كالغش والتحايل وعدم الحضور للدروس وتبرير ذلك بشهادات مزورة - والكل يعلم بذلك- وانتهاء بالسرقة العلمية التي هي نتيجة حتمية لعوامل صارت معروفة لدى الجميع.
إنني لا أتحدث عن الوسائل التكنولوجية والأدوات الحديثة والتقنيات المتطورة، التي ساعدت بشكل مُذهل في انتشار ظاهرة السرقة العلمية والغش فقط، ذلك أن الظاهرة قديمة بل أكاد أجزم أنها باتت تربية وتنشئة ومفخرة أسرية وجزءا في منظومتنا التربوية، فمن ينشأ على الغش في مراحل التعليم ما قبل الجامعي، لا تطلب منه أن يتقيد بولوجه الجامعة بميثاق أخلاقي يظّل حبرا على ورق مع موت الضمير المهني وغياب الرقابة العلمية والأخطر التشجيع المباشر وغير المباشر على الانخراط في مسالك الغش والسرقة بداعي الجهوية تارة وبداعي انتهاء «زمن العلم الجميل» تارة أخرى. فالمهم في كل هذا الشهادة و»الدال» دال الدكتور، التي صارت تسبق صاحبها في كل وثيقة وكل كلمة حتى قبل نيل الشهادة. ألا تبا لدكتوراه منبتها السرقة واللا أخلاق!.
لقد ظهر جيل جديد من الذين باتوا يلجأون إلى السرقة في غياب الردع والعقوبة إلا فيما ندر، صاروا لا يستحون من فعلهم بل تجدهم يتباهون بما قدمت أيديهم، لأنهم يعلمون أن من مسؤولي الجامعات اليوم وأساتذتها سرقوا وغشوا فنالوا ما نالوا! إذن، لما لا يحذوا حذوهم، متناسين أن الفعل –فعل السرقة العلمية- في ذاته غير أخلاقي.
لذا من الضروري اليوم قبل الغد، تفعيل الميثاق الأخلاقي وتشديد الرقابة العلمية وذلك بدعوة المشرفين والمؤطرين إلى الصرامة وصحوة الضمير المهني واستحداث برامج حاسوبية بالعربية للكشف عن السرقة والغش خاصة من مصدر الإنترنت ووضع بطاقية وطنية للبحوث والمواضيع المدروسة في مختلف التخصصات والعمل على نشرها في إطار شبكات جامعية داخلية وكذا تشديد العقوبة بالفصل النهائي من الجامعة والمتابعة القضائية بل والاستعانة بوسائل الإعلام لفضح وتشنيع هكذا ممارسات في من تثبت عنهم سرقات علمية.
من الصحيح اليوم أن ظاهرة السرقة العلمية في الجامعة استشرت بشكل مخيف إلى حد أنها تنذر بمستقبل مشؤوم إن لم تسارع الوصاية بجد وحزم إلى احتوائها والقضاء عليها، ليس بتشديد الرقابة ووضع إجراءات صارمة وتشريعات ردعية فحسب، إنّما كذلك بالتربية والتوعية داخل الوسط الجامعي وخارجه بالاستناد إلى الأساس الأخلاقي الذي هو على الدوام صمام فعّال ضد كل آفة.
السرقات تحوّلت على خبر يومي
فيما مضى ما كُنا نسمع إلا نادرا عن سرقة علمية. أما في الآونة، وتحديدا في السنوات الخمس الأخيرة، لم يعد يمضي يوم إلا وتُشنف أسماعنا بفضيحة أو خبر عن سرقة علمية في كل التخصصات تقريبا، لم تعد حكرا على داخلنا بل خرجنا بفضائحنا إلى الخارج. مؤخرا حدث شيء من هذا القبيل بعد أن اكتشف أمر سرقة علمية في شهادة دكتوراه في إحدى جامعات قسنطينة وقبلها مقال مسروق بجامعة خنشلة وفي جامعات أخرى بوهران والعاصمة وعنابة وبسكرة، تكررت الحالات والفعل واحد، تعددت الفضاءات الجامعية والسلوك نفسه، إنه السرقة العلمية Plagiat، وبتنا لا نُصدر عددا بمجلة إلا ونعثر ضمن مقترحات النشر على ثلاث أو أربع أو أكثر من سرقة علمية ثابتة، يتفنن أصحابها في التحايل والغش وتنميق العناوين لأجل التمويه.
ألمْ يسأل نفسه من حصل على جائزة عبر سرقة علمية، فيما تفيده هذه الجائزة بعد أن افتضح أمره على مرأى ومسمع من الجميع. ما قيمة الجائزة وهو يشعر في ذاته بخزي وعار يلازمه طيلة حياته؟، وكيف تشعر أيها الجامعي بعد أن ترد عليك هيئة ما بأن مقالك أو بحثك منقوص من النزاهة؟ ألم تسائل نفسك: هل أنا جدير بما سآخذه بغير وجه حق وبتعب وعمل غيري؟ ما قيمة شهادة أو وظيفة تنالها من وراء سرقة جهد الآخرين؟.
ظاهرة السرقة العلمية هي مظهر من مظاهر الفساد الذي تفشى في مجتمعنا، والكارثة أنه مسّ بقطاع حساس كالتعليم والتكوين، فكيف يكون حال هذا المجتمع بعد أن يصبح الطبيب فيه والقاضي والأستاذ الباحث، قد مروا عبر قناة مظلمة، ملوثة ومشينة، ثم صاروا يتباهون بالأستاذية الفاخرة وبمناصب إدارية عليا وبمسؤوليات ورُتب، مكنتهم من أن يضاعفوا حجم الكارثة، لأنهم هم أنفسهم نِتاج هذه السلبيات، بعدما تراخت الصرامة والموضوعية وفشلت الجامعة في تسيير القطاع بأسلوب علمي صارم، بحيث تُرك الأمر للشكليات الإدارية واستعجال تقديم البحوث وإنجازها ولو على حساب النوعية والمستوى، ناهيك عن اللجوء إلى الأساليب اللاأخلاقية كالغش والتحايل وعدم الحضور للدروس وتبرير ذلك بشهادات مزورة - والكل يعلم بذلك- وانتهاء بالسرقة العلمية التي هي نتيجة حتمية لعوامل صارت معروفة لدى الجميع.
إنني لا أتحدث عن الوسائل التكنولوجية والأدوات الحديثة والتقنيات المتطورة، التي ساعدت بشكل مُذهل في انتشار ظاهرة السرقة العلمية والغش فقط، ذلك أن الظاهرة قديمة بل أكاد أجزم أنها باتت تربية وتنشئة ومفخرة أسرية وجزءا في منظومتنا التربوية، فمن ينشأ على الغش في مراحل التعليم ما قبل الجامعي، لا تطلب منه أن يتقيد بولوجه الجامعة بميثاق أخلاقي يظّل حبرا على ورق مع موت الضمير المهني وغياب الرقابة العلمية والأخطر التشجيع المباشر وغير المباشر على الانخراط في مسالك الغش والسرقة بداعي الجهوية تارة وبداعي انتهاء «زمن العلم الجميل» تارة أخرى. فالمهم في كل هذا الشهادة و»الدال» دال الدكتور، التي صارت تسبق صاحبها في كل وثيقة وكل كلمة حتى قبل نيل الشهادة. ألا تبا لدكتوراه منبتها السرقة واللا أخلاق!.
لقد ظهر جيل جديد من الذين باتوا يلجأون إلى السرقة في غياب الردع والعقوبة إلا فيما ندر، صاروا لا يستحون من فعلهم بل تجدهم يتباهون بما قدمت أيديهم، لأنهم يعلمون أن من مسؤولي الجامعات اليوم وأساتذتها سرقوا وغشوا فنالوا ما نالوا! إذن، لما لا يحذوا حذوهم، متناسين أن الفعل –فعل السرقة العلمية- في ذاته غير أخلاقي.
لذا من الضروري اليوم قبل الغد، تفعيل الميثاق الأخلاقي وتشديد الرقابة العلمية وذلك بدعوة المشرفين والمؤطرين إلى الصرامة وصحوة الضمير المهني واستحداث برامج حاسوبية بالعربية للكشف عن السرقة والغش خاصة من مصدر الإنترنت ووضع بطاقية وطنية للبحوث والمواضيع المدروسة في مختلف التخصصات والعمل على نشرها في إطار شبكات جامعية داخلية وكذا تشديد العقوبة بالفصل النهائي من الجامعة والمتابعة القضائية بل والاستعانة بوسائل الإعلام لفضح وتشنيع هكذا ممارسات في من تثبت عنهم سرقات علمية.
من الصحيح اليوم أن ظاهرة السرقة العلمية في الجامعة استشرت بشكل مخيف إلى حد أنها تنذر بمستقبل مشؤوم إن لم تسارع الوصاية بجد وحزم إلى احتوائها والقضاء عليها، ليس بتشديد الرقابة ووضع إجراءات صارمة وتشريعات ردعية فحسب، إنّما كذلك بالتربية والتوعية داخل الوسط الجامعي وخارجه بالاستناد إلى الأساس الأخلاقي الذي هو على الدوام صمام فعّال ضد كل آفة.
فارح مسرحي/ أستاذ و باحث أكاديمي - جامعة باتنة 1
انتشارها يهدد مصداقية كل الأطراف: الباحثين و البحث العلمي و المؤسسة العلمية
يطرح موضوع السرقات العلمية التي تزداد يوما بعد يوم مكتسحة مختلف المجالات العلمية إشكاليات عميقة وخطيرة تتعلق بجودة مناهج التكوين العلمي والتربوي المعتمدة في السياقات التي تنتشر فيها هذه الظاهرة السيئة للغاية، كما تتعلق بمستوى الوعي لدى الباحث عموما، إذ يفترض أن هذا الأخير لا يكتسب صفة الباحث بمجرد تسلقه لمختلف المستويات العلمية وحصوله على الشهادات أو الدرجات التي تسمح له بالمرور من مرحلة لأخرى، فالباحث لا يكون كذلك إلا بحيازته على جملة مبادئ وخصال، وهو ما اصطلح عليه الفلاسفة بالروح العلمية، وحدد الكثير منهم هذه الخصال أو المقومات، من أفلاطون إلى باشلار مرورا بابن الهيثم وابن خلدون وغيرهم كثير، باختصار وتحويرا للبيت الشعري الشهير: «إنما الأمم الأخلاق...»، بإمكاننا القول: «إنّما العلماء الأخلاق ما بقيت... فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا».
والسؤال الذي ينبغي الانطلاق منه في الحديث عن هذه الظاهرة هو: كيف وصلنا إلى هذه الحالة من غياب أدنى مقومات الروح العلمية، إلى درجة أصبحت فيها السرقة العلمية الانتحال وسلخ بحوث الآخرين تبدو مسألة عادية يمكن تبريرها من قبل القائمين بها بالعبارة المتداولة في كثير من المواقف «واش فيها» أو «ما فيها والو»؟.
لعل الإجابات تتعدد وتختلف في التفاصيل حول هذا السؤال غير أن المؤكد أنها لن تختلف في الإقرار بفساد ما أصاب المنظومة التعليمية والتربوية جعلها عاجزة عن غرس خصائص الروح العلمية والجدية في البحث لدى المنتسبين إليها، أعلم أن هناك عوامل أخرى، فهذا النوع من الظواهر لا يفسر بعامل واحد فقط، ولكني أعتقد أن التساهل المُسجل منذ عشريتين تقريبا في التكوين والامتحان والتقييم والانتقاء والترقية وكذا اعتماد معايير غير معيار الكفاءة سواء تعلق الأمر بالمعلم والأستاذ أو المتعلم، هو السبب المباشر لهذا النكوص والتردي الذي آل إليه البحث العلمي لدينا.
حدثت معي واقعة طريفة تتعلق بموضوع السرقات العلمية، حيث عمد أحد المنتسبين للبحث العلمي إلى سلخ فصل من كِتاب لي ونشره بتعديلات طفيفة في موقع لمؤسسة بحثية، فاطلع عليه أحد الأصدقاء فأرسله لي علني أستفيد منه لأنه يعرف أن هذا الموضوع له علاقة باهتماماتي الفكرية، وهكذا رُدت إلي بضاعتي!!.
أوردت هذه الحادثة لأشير إلى مسألة مهمة وهي تبعات هذه السرقات العلمية التي يمكن وصفها بـــ: «بخس الناس أشياءهم»، فالكثير من الباحثين والأكاديميين الجادين فعلا أنجزوا بحوثا أصيلة ومتميزة، وهي منشورة متوفرة في المواقع الالكترونية للمؤسسات التي ينتسبون لها ومُتاحة عبر الأنترنيت للجميع ومجانا، لا الباحث يستفيد ولا الجامعة تستفيد، وهي معروضة للسرقة من قِبل أي كان وبالحجم الذي يريد، دون حتى الإشارة لصاحب العمل حتى في الهامش!!.
أعتقد أن انتشار السرقات العلمية يهدد مصداقية كل الأطراف: الباحثين والبحث العلمي والمؤسسة العلمية، لذا لابد من التعجيل في اتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من تفشي هذه الظاهرة/الآفة، من خلال حملات توعية وتحسيس للباحثين حول عواقب هذه الظاهرة، وكذا إصدار القوانين التي تُجرم الظاهرة، ومعاقبة المتورطين فيها والتشهير بهم، كنوع من الردع الضروري للحفاظ على ما أمكن، وإعادة بعث الروح العلمية لدى الطلبة والباحثين، كما ينبغي على الجامعات والمؤسسات العلمية إعادة النظر في مسألة نشر البحوث والأطروحات وإتاحة الحصول عليها للجميع دون مقابل لأن في ذلك تسهيل للسرقات العلمية، لعل هذه الآليات تكون مفيدة بعض الشيء، إلا أنه يبقى الوعي والضمير والشعور بالمسؤولية والإقرار بفضل الآخرين وعدم بخس الناس أشياءهم من قِبل الباحثين والأساتذة يمثل حجر الزاوية في الحد من الظاهرة، لأن الذي لا يستحي يفعل ما يشاء.
انتشارها يهدد مصداقية كل الأطراف: الباحثين و البحث العلمي و المؤسسة العلمية
يطرح موضوع السرقات العلمية التي تزداد يوما بعد يوم مكتسحة مختلف المجالات العلمية إشكاليات عميقة وخطيرة تتعلق بجودة مناهج التكوين العلمي والتربوي المعتمدة في السياقات التي تنتشر فيها هذه الظاهرة السيئة للغاية، كما تتعلق بمستوى الوعي لدى الباحث عموما، إذ يفترض أن هذا الأخير لا يكتسب صفة الباحث بمجرد تسلقه لمختلف المستويات العلمية وحصوله على الشهادات أو الدرجات التي تسمح له بالمرور من مرحلة لأخرى، فالباحث لا يكون كذلك إلا بحيازته على جملة مبادئ وخصال، وهو ما اصطلح عليه الفلاسفة بالروح العلمية، وحدد الكثير منهم هذه الخصال أو المقومات، من أفلاطون إلى باشلار مرورا بابن الهيثم وابن خلدون وغيرهم كثير، باختصار وتحويرا للبيت الشعري الشهير: «إنما الأمم الأخلاق...»، بإمكاننا القول: «إنّما العلماء الأخلاق ما بقيت... فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا».
والسؤال الذي ينبغي الانطلاق منه في الحديث عن هذه الظاهرة هو: كيف وصلنا إلى هذه الحالة من غياب أدنى مقومات الروح العلمية، إلى درجة أصبحت فيها السرقة العلمية الانتحال وسلخ بحوث الآخرين تبدو مسألة عادية يمكن تبريرها من قبل القائمين بها بالعبارة المتداولة في كثير من المواقف «واش فيها» أو «ما فيها والو»؟.
لعل الإجابات تتعدد وتختلف في التفاصيل حول هذا السؤال غير أن المؤكد أنها لن تختلف في الإقرار بفساد ما أصاب المنظومة التعليمية والتربوية جعلها عاجزة عن غرس خصائص الروح العلمية والجدية في البحث لدى المنتسبين إليها، أعلم أن هناك عوامل أخرى، فهذا النوع من الظواهر لا يفسر بعامل واحد فقط، ولكني أعتقد أن التساهل المُسجل منذ عشريتين تقريبا في التكوين والامتحان والتقييم والانتقاء والترقية وكذا اعتماد معايير غير معيار الكفاءة سواء تعلق الأمر بالمعلم والأستاذ أو المتعلم، هو السبب المباشر لهذا النكوص والتردي الذي آل إليه البحث العلمي لدينا.
حدثت معي واقعة طريفة تتعلق بموضوع السرقات العلمية، حيث عمد أحد المنتسبين للبحث العلمي إلى سلخ فصل من كِتاب لي ونشره بتعديلات طفيفة في موقع لمؤسسة بحثية، فاطلع عليه أحد الأصدقاء فأرسله لي علني أستفيد منه لأنه يعرف أن هذا الموضوع له علاقة باهتماماتي الفكرية، وهكذا رُدت إلي بضاعتي!!.
أوردت هذه الحادثة لأشير إلى مسألة مهمة وهي تبعات هذه السرقات العلمية التي يمكن وصفها بـــ: «بخس الناس أشياءهم»، فالكثير من الباحثين والأكاديميين الجادين فعلا أنجزوا بحوثا أصيلة ومتميزة، وهي منشورة متوفرة في المواقع الالكترونية للمؤسسات التي ينتسبون لها ومُتاحة عبر الأنترنيت للجميع ومجانا، لا الباحث يستفيد ولا الجامعة تستفيد، وهي معروضة للسرقة من قِبل أي كان وبالحجم الذي يريد، دون حتى الإشارة لصاحب العمل حتى في الهامش!!.
أعتقد أن انتشار السرقات العلمية يهدد مصداقية كل الأطراف: الباحثين والبحث العلمي والمؤسسة العلمية، لذا لابد من التعجيل في اتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من تفشي هذه الظاهرة/الآفة، من خلال حملات توعية وتحسيس للباحثين حول عواقب هذه الظاهرة، وكذا إصدار القوانين التي تُجرم الظاهرة، ومعاقبة المتورطين فيها والتشهير بهم، كنوع من الردع الضروري للحفاظ على ما أمكن، وإعادة بعث الروح العلمية لدى الطلبة والباحثين، كما ينبغي على الجامعات والمؤسسات العلمية إعادة النظر في مسألة نشر البحوث والأطروحات وإتاحة الحصول عليها للجميع دون مقابل لأن في ذلك تسهيل للسرقات العلمية، لعل هذه الآليات تكون مفيدة بعض الشيء، إلا أنه يبقى الوعي والضمير والشعور بالمسؤولية والإقرار بفضل الآخرين وعدم بخس الناس أشياءهم من قِبل الباحثين والأساتذة يمثل حجر الزاوية في الحد من الظاهرة، لأن الذي لا يستحي يفعل ما يشاء.
محمد شوقي الزين/ مفكر و باحث أكاديمي و أستاذ الفلسفة بجامعة تلمسان
لا بد من ردع قضائي يعيد للمعرفة حقها في التداول السليم
السرقات العلمية فضيحة على أكثر من صعيد: أولا: فضيحة أكاديمية، لأن السطو على جهود الآخرين هو عنوان خمول وفشل السارق. يقول المثل الإنجليزي بنبرة جميلة: «القُراء لا يسرقون واللصوص لا يقرأون». السرقة العلمية لها دافع واحد هو أن الباحث الذي يتعمَّد السرقة لا يقرأ، لا يجتهد، لا يبذل الجهد الشخصي في الحصول على المعلومة، وفي طريقة توظيف المعلومة وتطويرها. يصبح تصرُّفه «استهلاكي» بشكل ما، كالشخص الذي يذهب إلى السوق ليقتني معلّبات جاهزة، وليس عملاً تركيبياً وصنائعياً يقتضي استعمال الجهد العقلي لتوقيع منتوج خاص من وحي الذات.
ثانيا: هي فضيحة أخلاقية، لأن السطو على جهود الآخرين هو خرق فاضح لآداب المعرفة والتعامُل مع الآخر. لا يوجد أيُّ فرق بين سرقة نص وسرقة سيارة، لأن ما ينطبق على عالم الأشياء ينطبق أيضاً على عالم الأفكار.
ثالثا: هي فضيحة قانونية، لأن السطو على جهود الآخرين في حد ذاته مخالفة لقوانين تحمي الملكية الفكرية وتحمي الكاتب من الضرر المادي والنفسي، المشكلة أن محاسبة السرقات العلمية نادرة، وكأننا نلمس نوع من التواطؤ المعمَّم.
ما العمل؟ كيف يمكن إنقاذ المعرفة من الأيادي العابثة؟ لقد وصلت هذه الظاهرة عندنا إلى مستويات مرعبة مسَّت سُمعة الجامعات ومراكز البحث. فهي إجرام في حق المعرفة. المشكلة مع المنتحلين أنهم يقلّصون المسافات للظفر بالشهادات والمناصب بأقل تكلفة ممكنة. لكن المعرفة لها آداب، بل ولها قداسة. إنها ظاهرة تراكمية، تجديدية. فهي ظاهرة حضارية، تساهم في تشكيل ثقافة وتنويع مدنية وتطوير دولة وتشريف أمة. من ليست له السِمات المنوطة في الاضطلاع بالمعرفة، لماذا يغامر في بترها وتشويهها؟ من لا يُجسّد في نفسه علامات الباحث والمجتهد، لماذا يتطاول على المعرفة بتمريغها في عفنه الذاتي؟ لمعالجة هذه المعضلات، لا يكفي فائض الأخلاقيات الثرثارة. يتطلب الأمر معالجة قضائية أولاً كعامل ردعي يعيد للمعرفة حقها في التداول السليم، ويُنصف الكاتب الذي تعرَّض للقرنصة، ومعالجة فكرية ثانياً كعامل حضاري في تثمين العمل والاجتهاد، وتبيان أن تقدُّم دولة في اقتصادها واجتماعها، من أجل حاضرها ومستقبلها، يتوقَّف على إنتاج معرفة سليمة هي حصيلة جُهد فكري وبحث حثيث وإبداع واختراع، ومعالجة اقتصادية ثالثاً وأخيراً بتوفير الإمكانيات المادية للباحث (مسكن، مرتَّب نوعي) من شأنها أن تعفيه من أطماع اللصوصية، فتكون له الإمكانيات الملائمة لشراء الكُتب والمجلات والسفر نحو أماكن البحث داخل الوطن أو خارجه، وتكون المعلومة متوفّرة لديه، ويستطيع الإنتاج في بيئة هادئة ومُحفّزة.
أتحدث بالطبع عن إغراءات في اللصوصيّة هي نتيجة أوضاع مادية صعبة، أما اللصوصيّة كمرض كامن في نفسية الباحث، فهذا منتهاه عند المحلل النفسي.
لا بد من ردع قضائي يعيد للمعرفة حقها في التداول السليم
السرقات العلمية فضيحة على أكثر من صعيد: أولا: فضيحة أكاديمية، لأن السطو على جهود الآخرين هو عنوان خمول وفشل السارق. يقول المثل الإنجليزي بنبرة جميلة: «القُراء لا يسرقون واللصوص لا يقرأون». السرقة العلمية لها دافع واحد هو أن الباحث الذي يتعمَّد السرقة لا يقرأ، لا يجتهد، لا يبذل الجهد الشخصي في الحصول على المعلومة، وفي طريقة توظيف المعلومة وتطويرها. يصبح تصرُّفه «استهلاكي» بشكل ما، كالشخص الذي يذهب إلى السوق ليقتني معلّبات جاهزة، وليس عملاً تركيبياً وصنائعياً يقتضي استعمال الجهد العقلي لتوقيع منتوج خاص من وحي الذات.
ثانيا: هي فضيحة أخلاقية، لأن السطو على جهود الآخرين هو خرق فاضح لآداب المعرفة والتعامُل مع الآخر. لا يوجد أيُّ فرق بين سرقة نص وسرقة سيارة، لأن ما ينطبق على عالم الأشياء ينطبق أيضاً على عالم الأفكار.
ثالثا: هي فضيحة قانونية، لأن السطو على جهود الآخرين في حد ذاته مخالفة لقوانين تحمي الملكية الفكرية وتحمي الكاتب من الضرر المادي والنفسي، المشكلة أن محاسبة السرقات العلمية نادرة، وكأننا نلمس نوع من التواطؤ المعمَّم.
ما العمل؟ كيف يمكن إنقاذ المعرفة من الأيادي العابثة؟ لقد وصلت هذه الظاهرة عندنا إلى مستويات مرعبة مسَّت سُمعة الجامعات ومراكز البحث. فهي إجرام في حق المعرفة. المشكلة مع المنتحلين أنهم يقلّصون المسافات للظفر بالشهادات والمناصب بأقل تكلفة ممكنة. لكن المعرفة لها آداب، بل ولها قداسة. إنها ظاهرة تراكمية، تجديدية. فهي ظاهرة حضارية، تساهم في تشكيل ثقافة وتنويع مدنية وتطوير دولة وتشريف أمة. من ليست له السِمات المنوطة في الاضطلاع بالمعرفة، لماذا يغامر في بترها وتشويهها؟ من لا يُجسّد في نفسه علامات الباحث والمجتهد، لماذا يتطاول على المعرفة بتمريغها في عفنه الذاتي؟ لمعالجة هذه المعضلات، لا يكفي فائض الأخلاقيات الثرثارة. يتطلب الأمر معالجة قضائية أولاً كعامل ردعي يعيد للمعرفة حقها في التداول السليم، ويُنصف الكاتب الذي تعرَّض للقرنصة، ومعالجة فكرية ثانياً كعامل حضاري في تثمين العمل والاجتهاد، وتبيان أن تقدُّم دولة في اقتصادها واجتماعها، من أجل حاضرها ومستقبلها، يتوقَّف على إنتاج معرفة سليمة هي حصيلة جُهد فكري وبحث حثيث وإبداع واختراع، ومعالجة اقتصادية ثالثاً وأخيراً بتوفير الإمكانيات المادية للباحث (مسكن، مرتَّب نوعي) من شأنها أن تعفيه من أطماع اللصوصية، فتكون له الإمكانيات الملائمة لشراء الكُتب والمجلات والسفر نحو أماكن البحث داخل الوطن أو خارجه، وتكون المعلومة متوفّرة لديه، ويستطيع الإنتاج في بيئة هادئة ومُحفّزة.
أتحدث بالطبع عن إغراءات في اللصوصيّة هي نتيجة أوضاع مادية صعبة، أما اللصوصيّة كمرض كامن في نفسية الباحث، فهذا منتهاه عند المحلل النفسي.
مومني بوزيد/ أستاذ و ناقد و باحث أكاديمي - جامعة جيجل
على المؤسسات العلمية أن تسعى بكل السُبل لمجابهتها
إنّ السرقات العلمية ظاهرة قديمة قِدم العلوم، حيث ألف العديد من العلماء القدامى مؤلفات في سرقات الشعراء والكُتاب منذ عصر التدوين. وحفلت المؤلفات الأولى عن طبقات الشعراء والنقد الأدبي القديم، بالكثير من السجال حول هذا الموضوع الذي أُطلقت حوله الكثير من المفاهيم النقدية مثل السرقة والاقتباس والتوارد والتضمين والتناص وغيرها.
إلاّ أنّه بظهور وسائل التواصل الحديثة وشبكة الإنترنت أصبح الأمر أكثر سهولة سواء من حيث الوصول إلى البحوث والكُتب، أو من حيث اكتشاف السرقات عن طريق محركات البحث الإلكترونية.
وقد استفحلت هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة بشكل رهيب حتى طالت الباحثين والأساتذة ومن لهم باع كبير في مجالي العلم والمعرفة، والسبب يعود –حسب رأيي– إلى غياب الوازع الديني والأخلاقي، فالذي ينجح بالغش أو بالمحاباة أو أشياء أخرى سيجد نفسه حتما يستعمل مثل هاته الأمور اللاأخلاقية والتي هي نوع من أنواع اللصوصية، والطفل الذي يسرق شيئا ليس له ولا يجد تأنيبا أو عزرا في صغره، سوف يُمارس هذه العملية كلما سنحت له الفرصة بذلك في كبره.
صحيح أن الأفكار مطروحة في الطريق وصحيح أنّ أيّ كاتب -مهما كان مجال تخصصه- يعتمد أثناء العملية الإبداعية على أفكار أنتجها آخرون، ويرتكز -لا محالة- على الموروث الثقافي المتراكم والمتطور عبر حركة التاريخ الإنساني. وتتطلب الأبحاث العلمية الأكاديمية المتخصصة في جزء كبير منها الاعتماد على ما أنجزه السابقون، لكن الإشكالية في كيفية المحافظة على حقوق الآخرين كمالكين أوائل للأفكار شريطة أن تكون جديدة ومتميّزة، فلا يجوز أن نتهمهم بسرقة تعريفات عامة أو معلومات سطحية يحفظها عامة النّاس عن ظهر قلب.
إن السرقة العلمية هي استخدام غير معترف به لأفكار وأعمال الآخرين، فهي تمثل انتهاكاً أكاديمياً خطيراً، لذا يجب أن تسعى المؤسسات العلمية بكل السُبل لمجابهتها، وتقتضي هذه المجابهة تفعيل التمسك بمجموعة سلوكيات بحثية في أثناء العمل، فعلى سبيل المثال عند اقتباس كلمات الآخرين يجب وضعها بين علامتي تنصيص، وتسجيل كافة بيانات المصدر في ذات الصفحة، أو في نهاية البحث حسب ما يقتضيه منهج الباحث، وتسجيل المصدر بكامل بياناته ضمن ثبت المصادر والمراجع، والتوثيق الدقيق. هذا ليس وقفاً على الكلمات، بل ضرورة حتمية عند اقتباس أفكار الآخرين، حتى ولو تم إعادة صياغتها في أسلوب جديد.
والطامة الكُبرى تحدث في جامعاتنا الجزائرية والسبب بسيط جدا يشترك فيه الأستاذ والطالب معا، حيث أنّ الطالب قد تعوّد -قبل الجامعة أو أثناءها- على البحوث الجاهزة من الإنترنيت مقابل مبلغ مالي زهيد أو ربما دون مقابل، ويأخذ علامة جيّدة يفتخر بها على زميله الذي اجتهد وبحث وتعب بين رفوف المكتبات وأوراق الكُتب، دون أن يتدخل الأستاذ ليحكم بالعدل بينهما، وكأنّه أصبح عونا إداريا يتقيّد بعدد أوراق البحث وجمالية تصفيفها وطريقة مسكها، فماذا ننتظر من الطالبين المختلفين مستقبلا؟
على المؤسسات العلمية أن تسعى بكل السُبل لمجابهتها
إنّ السرقات العلمية ظاهرة قديمة قِدم العلوم، حيث ألف العديد من العلماء القدامى مؤلفات في سرقات الشعراء والكُتاب منذ عصر التدوين. وحفلت المؤلفات الأولى عن طبقات الشعراء والنقد الأدبي القديم، بالكثير من السجال حول هذا الموضوع الذي أُطلقت حوله الكثير من المفاهيم النقدية مثل السرقة والاقتباس والتوارد والتضمين والتناص وغيرها.
إلاّ أنّه بظهور وسائل التواصل الحديثة وشبكة الإنترنت أصبح الأمر أكثر سهولة سواء من حيث الوصول إلى البحوث والكُتب، أو من حيث اكتشاف السرقات عن طريق محركات البحث الإلكترونية.
وقد استفحلت هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة بشكل رهيب حتى طالت الباحثين والأساتذة ومن لهم باع كبير في مجالي العلم والمعرفة، والسبب يعود –حسب رأيي– إلى غياب الوازع الديني والأخلاقي، فالذي ينجح بالغش أو بالمحاباة أو أشياء أخرى سيجد نفسه حتما يستعمل مثل هاته الأمور اللاأخلاقية والتي هي نوع من أنواع اللصوصية، والطفل الذي يسرق شيئا ليس له ولا يجد تأنيبا أو عزرا في صغره، سوف يُمارس هذه العملية كلما سنحت له الفرصة بذلك في كبره.
صحيح أن الأفكار مطروحة في الطريق وصحيح أنّ أيّ كاتب -مهما كان مجال تخصصه- يعتمد أثناء العملية الإبداعية على أفكار أنتجها آخرون، ويرتكز -لا محالة- على الموروث الثقافي المتراكم والمتطور عبر حركة التاريخ الإنساني. وتتطلب الأبحاث العلمية الأكاديمية المتخصصة في جزء كبير منها الاعتماد على ما أنجزه السابقون، لكن الإشكالية في كيفية المحافظة على حقوق الآخرين كمالكين أوائل للأفكار شريطة أن تكون جديدة ومتميّزة، فلا يجوز أن نتهمهم بسرقة تعريفات عامة أو معلومات سطحية يحفظها عامة النّاس عن ظهر قلب.
إن السرقة العلمية هي استخدام غير معترف به لأفكار وأعمال الآخرين، فهي تمثل انتهاكاً أكاديمياً خطيراً، لذا يجب أن تسعى المؤسسات العلمية بكل السُبل لمجابهتها، وتقتضي هذه المجابهة تفعيل التمسك بمجموعة سلوكيات بحثية في أثناء العمل، فعلى سبيل المثال عند اقتباس كلمات الآخرين يجب وضعها بين علامتي تنصيص، وتسجيل كافة بيانات المصدر في ذات الصفحة، أو في نهاية البحث حسب ما يقتضيه منهج الباحث، وتسجيل المصدر بكامل بياناته ضمن ثبت المصادر والمراجع، والتوثيق الدقيق. هذا ليس وقفاً على الكلمات، بل ضرورة حتمية عند اقتباس أفكار الآخرين، حتى ولو تم إعادة صياغتها في أسلوب جديد.
والطامة الكُبرى تحدث في جامعاتنا الجزائرية والسبب بسيط جدا يشترك فيه الأستاذ والطالب معا، حيث أنّ الطالب قد تعوّد -قبل الجامعة أو أثناءها- على البحوث الجاهزة من الإنترنيت مقابل مبلغ مالي زهيد أو ربما دون مقابل، ويأخذ علامة جيّدة يفتخر بها على زميله الذي اجتهد وبحث وتعب بين رفوف المكتبات وأوراق الكُتب، دون أن يتدخل الأستاذ ليحكم بالعدل بينهما، وكأنّه أصبح عونا إداريا يتقيّد بعدد أوراق البحث وجمالية تصفيفها وطريقة مسكها، فماذا ننتظر من الطالبين المختلفين مستقبلا؟
محمد كعوان/ ناقد و أكاديمي المدرسة العليا للأساتذة/ قسنطينة
المتسترون على السرقات شركاء في الجريمة
تعد ظاهرة السرقات العلمية في الوسط الجامعي في المرحلة الراهنة من بين أكبر المعوقات التي تقف حائلا أمام التقدم العلمي للجامعات الجزائرية، فهي النقطة السوداء التي بدأت تتسع وكأنها ثقب الأوزون، وقد تعددت أسباب ذلك واتسعت، حيث أصبح من العسير حصر مظاهرها.
وربما يتحمل المسؤولية كل من الطالب الباحث والأستاذ المشرف عليه ولجنة المناقشة المُشكلة من الخبراء، لأن الأمر يتعدى كونه سرقة علمية من طرف واحد، إلى المشاركة في هذا الجرم والتستر عليه، فإذا كان المشرف لا يقرأ لطلبته، ولا يتتبع مشاريعهم البحثية في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، حيث يوافق على ما يُقدم إليه دون قراءته والتأكد من أصالته، فإنه مساهم بشكل كبير في تلك السرقات التي تحصل هنا وهناك، وهو مسؤول أيضا على تردي مستوى البحث العلمي في الجامعات الجزائرية، وإذا كانت اللجنة المُناقشة لكثير من الأطاريح الجامعية لا تقرأ ما يُقدم لها قراءة فاحصة فإنها تتحمل المسؤولية أيضا باعتبارها مشاركة في إجازة ما هو مسروق، وقد شهدنا عشرات المرات، وفي كثير من المناقشات بعض الخبراء سامحهم الله لم يطلعوا على تلك الرسائل التي هم بصدد مناقشتها، حيث يكتفي الواحد منهم بتدوين بعض الملحوظات التي يسوقها في جملة أو جملتين ليبين للحاضرين أنه مستوعب لما يقوله.
وربّما تجاوزت كل هذه الأمور المشرف، حيث يكتشف في المناقشة أن طالبه الذي يشرف على بحثه ليس أمينا، ورغم ذلك يستميت في الدفاع عنه، وهو الذي اختار لمناقشته بعض أصدقائه ممن يغضون الطرف عن زلات الطالب المُمتحن، وممن يجاملون المشرف شاكرين صنيعه وتوجيهه السديد، رغم أنه لم يقرأ، ولم يوجه، ولم يصحح، ولم...
إن البحوث الجيدة هي تلك التي تنضج على نار هادئة، فتؤتي أكلها بأمر ربها، أما تلك التي تُكتب في المطارات والطائرات، ويؤخذ معظمها من الشبكة الالكترونية فهي كأصحابها تماما، ممن لم يستكملوا تسعة أشهر في بطون أمهاتهم، حيث تنتابهم الأسقام والعلل طول حياتهم. فلو فعّل المجلس الوطني لأخلاقيات المهنة الجامعية وضرب بيد من حديد كل الأسماء التي ثبت امتهانها للسرقات العلمية، حيث يجردها من الشهادات العلمية لما وصل الأمر إلى هذا الحد، فعلى الوسط الجامعي أن يضحي بكثير من الأسماء التي تعودت الوصول إلى القمم على أكتاف الآخرين، والتبجح باسم العلم والعلماء.
ويمكننا القول أيضا إن النظام الجديد الذي طُبق في التعليم العالي له يد طولى في استفحال هذه الظاهرة، فهذا الجيل المتسرع والذي اختزلت له المسافات والطرق لا يستطيع أن يقدم عملا علميا من إنجازه، فجل مذكرات الماستير مسروقة منهوبة، كغيرها من مذكرات الليسانس التي كان الطلبة يقدمونها في النظام القديم. وهل يستطيع الأستاذ المشرف على أكثر من عشرين مذكرة ماستير أن يقرأها ويُصححها؟ وهل يستطيع صديقه الذي اختاره ليناقش له طلبته أن يكشف تلك السرقات؟ وهو نفسه سيكون ملازمه في قراءة مذكرات طلبته. كل هذه الأسباب التي ذكرناها هي محفزات للسرقات العلمية في الجامعات الجزائرية. وستظل في تزايد مستمر ما دام الأمر على حاله، إلى أن تتغير طريقة تشكيل لِجان المناقشات، وتعود إلى سريتها كما كانت قديما، ويعود البحث إلى نصابه الحقيق به، وتتخلص الجامعات الجزائرية من كثير من المنتسبين إليها ظلما وعدوانا.
المتسترون على السرقات شركاء في الجريمة
تعد ظاهرة السرقات العلمية في الوسط الجامعي في المرحلة الراهنة من بين أكبر المعوقات التي تقف حائلا أمام التقدم العلمي للجامعات الجزائرية، فهي النقطة السوداء التي بدأت تتسع وكأنها ثقب الأوزون، وقد تعددت أسباب ذلك واتسعت، حيث أصبح من العسير حصر مظاهرها.
وربما يتحمل المسؤولية كل من الطالب الباحث والأستاذ المشرف عليه ولجنة المناقشة المُشكلة من الخبراء، لأن الأمر يتعدى كونه سرقة علمية من طرف واحد، إلى المشاركة في هذا الجرم والتستر عليه، فإذا كان المشرف لا يقرأ لطلبته، ولا يتتبع مشاريعهم البحثية في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، حيث يوافق على ما يُقدم إليه دون قراءته والتأكد من أصالته، فإنه مساهم بشكل كبير في تلك السرقات التي تحصل هنا وهناك، وهو مسؤول أيضا على تردي مستوى البحث العلمي في الجامعات الجزائرية، وإذا كانت اللجنة المُناقشة لكثير من الأطاريح الجامعية لا تقرأ ما يُقدم لها قراءة فاحصة فإنها تتحمل المسؤولية أيضا باعتبارها مشاركة في إجازة ما هو مسروق، وقد شهدنا عشرات المرات، وفي كثير من المناقشات بعض الخبراء سامحهم الله لم يطلعوا على تلك الرسائل التي هم بصدد مناقشتها، حيث يكتفي الواحد منهم بتدوين بعض الملحوظات التي يسوقها في جملة أو جملتين ليبين للحاضرين أنه مستوعب لما يقوله.
وربّما تجاوزت كل هذه الأمور المشرف، حيث يكتشف في المناقشة أن طالبه الذي يشرف على بحثه ليس أمينا، ورغم ذلك يستميت في الدفاع عنه، وهو الذي اختار لمناقشته بعض أصدقائه ممن يغضون الطرف عن زلات الطالب المُمتحن، وممن يجاملون المشرف شاكرين صنيعه وتوجيهه السديد، رغم أنه لم يقرأ، ولم يوجه، ولم يصحح، ولم...
إن البحوث الجيدة هي تلك التي تنضج على نار هادئة، فتؤتي أكلها بأمر ربها، أما تلك التي تُكتب في المطارات والطائرات، ويؤخذ معظمها من الشبكة الالكترونية فهي كأصحابها تماما، ممن لم يستكملوا تسعة أشهر في بطون أمهاتهم، حيث تنتابهم الأسقام والعلل طول حياتهم. فلو فعّل المجلس الوطني لأخلاقيات المهنة الجامعية وضرب بيد من حديد كل الأسماء التي ثبت امتهانها للسرقات العلمية، حيث يجردها من الشهادات العلمية لما وصل الأمر إلى هذا الحد، فعلى الوسط الجامعي أن يضحي بكثير من الأسماء التي تعودت الوصول إلى القمم على أكتاف الآخرين، والتبجح باسم العلم والعلماء.
ويمكننا القول أيضا إن النظام الجديد الذي طُبق في التعليم العالي له يد طولى في استفحال هذه الظاهرة، فهذا الجيل المتسرع والذي اختزلت له المسافات والطرق لا يستطيع أن يقدم عملا علميا من إنجازه، فجل مذكرات الماستير مسروقة منهوبة، كغيرها من مذكرات الليسانس التي كان الطلبة يقدمونها في النظام القديم. وهل يستطيع الأستاذ المشرف على أكثر من عشرين مذكرة ماستير أن يقرأها ويُصححها؟ وهل يستطيع صديقه الذي اختاره ليناقش له طلبته أن يكشف تلك السرقات؟ وهو نفسه سيكون ملازمه في قراءة مذكرات طلبته. كل هذه الأسباب التي ذكرناها هي محفزات للسرقات العلمية في الجامعات الجزائرية. وستظل في تزايد مستمر ما دام الأمر على حاله، إلى أن تتغير طريقة تشكيل لِجان المناقشات، وتعود إلى سريتها كما كانت قديما، ويعود البحث إلى نصابه الحقيق به، وتتخلص الجامعات الجزائرية من كثير من المنتسبين إليها ظلما وعدوانا.
ناصر سطمبول/ ناقد و باحث أكاديمي-جامعة وهران1
الظاهرة أربكت مسار البحث العلمي
مثل هذه الظاهرة أربكت مسار البحث العلمي الواعد إلى حدّ التفاقم المرُيع، مما نتج عنها تلك الحيرة التي يتوجس منها ضمير الباحث المكين، كونها طالت الكثير من الجامعات الجزائرية عبر شواهد تتابعت وتشجرت، مما لا نجد مأخذا لوصفها أو نعتها، لأن الرقمنة كونها فضاء شائكا مكّن البحث العلمي إلى انعطاف مدنس لدى الباحث المتلصص إلى وظيفة غير لائقة عبر طمس محدّدات التقفي ومن ثم تحولت الظاهرة إلى مدارة كوبرنيكية إذ ليس الأمر حكرا على الجامعات الجزائرية إذ تعدى الأمر إلى العالمية، مما أضحت إجرائية أساليب الحيازة اللامشروعة لمدونات الآخر العلمية مكسبا سهل المنال مما جعلها لدى الغير نمطا من الغواية تُمارس دوما افتراع روابط المدونات الإلكترونية ونصوصيات الرقمنة، حيث الباحث المتلصص ينقاد عبر آليات التجاور كي يمارس فاعليات التفكيك النصي كي يؤدي من خلفها استراتيجيات الإحلال والإزاحة كي تتلف مشروعية العقل المُنتج أو المبدع أو إتلاف تلك الجاهزية من المعرفة الجادة والكادّة، إنها مهارات جسورة كان من المفروض أن تكرس صوب المجدي الذي يُشيد صرح البحث العلمي المأمول.
طبعا أمر استفحال الظاهرة، يعود أساسا إلى غياب ما يسمى برقمنة الأرشفة الجامعة لمجموع الرسائل بين المجالس العلمية للجامعات الجزائرية، إضافة إلى انعدام المتصفح الإلكتروني السريع لمصنفات الرسائل الجامعية عبر مستوياتها العلمية، كما أن التساهل والمرونة المائعة في الإشراف والمتابعة الدقيقة، إذ المشرف أضحى آلة كسولة -من غير تعميم-، كما أن الحوافز التي كرستها الوزارة لتشجيع الأداء انحرفت لدى البعض صوب حيازة الرّيع من محصلة الإشراف اللامعروف عددا والمجهول كيفا، كما أن تواتر فاعليات فتح المشاريع المتعاقب كل سنة جامعية أفرز مثل هذا الانفلات من السرقات، وعليه فالأستاذ المؤطّر إذا لم يتحرك بمنطق الفرق العلمية فإنه لا يفلح بمنطق المهيمن على الكلّ ومن ثم فالمتابعة الرصينة قصد تقفّي بحوث طلبة الماستر أو الدكتوراه لا تقتضي سوى إشراك الغير المتقاطع معه في التخصص، كما أن سياسة إدارة البحوث العلمية دعت الوزارة كي توصي في ندوتها الأخيرة إشراك مختبرات البحوث العلمية المتخصصة قصد الخلوص إلى الأداء المكين، ولعل ردع هذه الظاهرة المشينة يستوجب إحداث جهاز علمي ضمن كل جامعة كي يترصد لمثل هذا الطاعون، إضافة إلى ترسيخ مقروئية رصينة لدى لِجان المناقشة، حيث فاعلية التسريع بمنجز التقارير الإيجابية أمر يجب تلافيه وفي المقابل إحداث ما يسمى بلجان الخبرة والخبرة المضادة، والأخذ بما تنتهجه الجامعات الغربية في إحداث مقياس لدى طلبة الدراسات العليا موسوم بـــ»حقوق المؤلف» قصد ترسيخ أخلاقيات الحقوق المعرفية للغير، وكذا ما يترتب إثر كل تجاوز من مسالك قانونية في نحو ما وقع في جامعة «فارساي» (سان كونتان) سنة 2009/2010 حيث عُوقب 23 طالب ما بين توبيخ وتوقيف وطرد.
التطاول على مجهود الغير من بحوث ودراسات ورسائل تخرّج، يُصنف في خانة اللصوصيّة، وهذه اللصوصية إذ دخلت في المسهو عنه أو المسكوت عليه وهي قريبة من القناع التنكّري، إذ لا تنكشف مثل هذه الخيبات إلا بعد فوات الأوان. إذ إن فضاء الرقمنة أفرز ما يُسمى بالنص الفائق أو المتفاعل المُنتج لمضرات التشكل النسقي بعكس النص الورقي كونه جامدا غير متوثب، فالمتلصّص يستدعي من رقمنة النص إجرائيات التوليد لتكوثر متجاور عبر مقروئيته للشبكة النصية ومجمل هذا الجَرف يُشيد لدى الباحث المتلصص ذلك القناع التنكري عبر مرتكزي الاختيار والتوثب الحرّ ومجمل هذا يمارس من خلاله قتل أبوة المؤلف الباحث، إنها الوظيفة الانفعالية لأداء التلصص وعليه فالتكرار وتفشي الظاهرة أفرز نمطا من السجال والتباري في إنتاج مثل المظهر الخادع، إذ تُجلي الكثير من البحوث لدى أصحابها من علماء الجوف في نحو طرح ت.س إليوت أقنعة بارقة بيضاء لمحتوى أسود. كما أن المُشرف الرديء بمثابة المحامي المورّط لموكّله في نحو ما يطرحه مالك بن نبي رحمه الله.
الظاهرة أربكت مسار البحث العلمي
مثل هذه الظاهرة أربكت مسار البحث العلمي الواعد إلى حدّ التفاقم المرُيع، مما نتج عنها تلك الحيرة التي يتوجس منها ضمير الباحث المكين، كونها طالت الكثير من الجامعات الجزائرية عبر شواهد تتابعت وتشجرت، مما لا نجد مأخذا لوصفها أو نعتها، لأن الرقمنة كونها فضاء شائكا مكّن البحث العلمي إلى انعطاف مدنس لدى الباحث المتلصص إلى وظيفة غير لائقة عبر طمس محدّدات التقفي ومن ثم تحولت الظاهرة إلى مدارة كوبرنيكية إذ ليس الأمر حكرا على الجامعات الجزائرية إذ تعدى الأمر إلى العالمية، مما أضحت إجرائية أساليب الحيازة اللامشروعة لمدونات الآخر العلمية مكسبا سهل المنال مما جعلها لدى الغير نمطا من الغواية تُمارس دوما افتراع روابط المدونات الإلكترونية ونصوصيات الرقمنة، حيث الباحث المتلصص ينقاد عبر آليات التجاور كي يمارس فاعليات التفكيك النصي كي يؤدي من خلفها استراتيجيات الإحلال والإزاحة كي تتلف مشروعية العقل المُنتج أو المبدع أو إتلاف تلك الجاهزية من المعرفة الجادة والكادّة، إنها مهارات جسورة كان من المفروض أن تكرس صوب المجدي الذي يُشيد صرح البحث العلمي المأمول.
طبعا أمر استفحال الظاهرة، يعود أساسا إلى غياب ما يسمى برقمنة الأرشفة الجامعة لمجموع الرسائل بين المجالس العلمية للجامعات الجزائرية، إضافة إلى انعدام المتصفح الإلكتروني السريع لمصنفات الرسائل الجامعية عبر مستوياتها العلمية، كما أن التساهل والمرونة المائعة في الإشراف والمتابعة الدقيقة، إذ المشرف أضحى آلة كسولة -من غير تعميم-، كما أن الحوافز التي كرستها الوزارة لتشجيع الأداء انحرفت لدى البعض صوب حيازة الرّيع من محصلة الإشراف اللامعروف عددا والمجهول كيفا، كما أن تواتر فاعليات فتح المشاريع المتعاقب كل سنة جامعية أفرز مثل هذا الانفلات من السرقات، وعليه فالأستاذ المؤطّر إذا لم يتحرك بمنطق الفرق العلمية فإنه لا يفلح بمنطق المهيمن على الكلّ ومن ثم فالمتابعة الرصينة قصد تقفّي بحوث طلبة الماستر أو الدكتوراه لا تقتضي سوى إشراك الغير المتقاطع معه في التخصص، كما أن سياسة إدارة البحوث العلمية دعت الوزارة كي توصي في ندوتها الأخيرة إشراك مختبرات البحوث العلمية المتخصصة قصد الخلوص إلى الأداء المكين، ولعل ردع هذه الظاهرة المشينة يستوجب إحداث جهاز علمي ضمن كل جامعة كي يترصد لمثل هذا الطاعون، إضافة إلى ترسيخ مقروئية رصينة لدى لِجان المناقشة، حيث فاعلية التسريع بمنجز التقارير الإيجابية أمر يجب تلافيه وفي المقابل إحداث ما يسمى بلجان الخبرة والخبرة المضادة، والأخذ بما تنتهجه الجامعات الغربية في إحداث مقياس لدى طلبة الدراسات العليا موسوم بـــ»حقوق المؤلف» قصد ترسيخ أخلاقيات الحقوق المعرفية للغير، وكذا ما يترتب إثر كل تجاوز من مسالك قانونية في نحو ما وقع في جامعة «فارساي» (سان كونتان) سنة 2009/2010 حيث عُوقب 23 طالب ما بين توبيخ وتوقيف وطرد.
التطاول على مجهود الغير من بحوث ودراسات ورسائل تخرّج، يُصنف في خانة اللصوصيّة، وهذه اللصوصية إذ دخلت في المسهو عنه أو المسكوت عليه وهي قريبة من القناع التنكّري، إذ لا تنكشف مثل هذه الخيبات إلا بعد فوات الأوان. إذ إن فضاء الرقمنة أفرز ما يُسمى بالنص الفائق أو المتفاعل المُنتج لمضرات التشكل النسقي بعكس النص الورقي كونه جامدا غير متوثب، فالمتلصّص يستدعي من رقمنة النص إجرائيات التوليد لتكوثر متجاور عبر مقروئيته للشبكة النصية ومجمل هذا الجَرف يُشيد لدى الباحث المتلصص ذلك القناع التنكري عبر مرتكزي الاختيار والتوثب الحرّ ومجمل هذا يمارس من خلاله قتل أبوة المؤلف الباحث، إنها الوظيفة الانفعالية لأداء التلصص وعليه فالتكرار وتفشي الظاهرة أفرز نمطا من السجال والتباري في إنتاج مثل المظهر الخادع، إذ تُجلي الكثير من البحوث لدى أصحابها من علماء الجوف في نحو طرح ت.س إليوت أقنعة بارقة بيضاء لمحتوى أسود. كما أن المُشرف الرديء بمثابة المحامي المورّط لموكّله في نحو ما يطرحه مالك بن نبي رحمه الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق