لقد تطوّرت تكنولوجيا الإعلام بشكل سريع وجذري منذ تسعينات القرن العشرين، وكان لانتشار الأقمار الصناعيّة من ناحية ولنمو تكنولوجيا الإعلاميّة تأثيرهما الواسع على مختلف مجالات الحياة بما في ذلك على الحياة المدرسيّة، كما أنّ الأنترنات أصبح يمثل وسيلة إعلاميّة متكاملة تجمع بين الصورة والصوت والنصّ المكتوب وتكتسح مختلف الفضاءات وتهتمّ بمختلف حقول المعرفة.
ونتيجة لهذه التحوّلات التكنولوجية الهامة، تحوّل موقف المؤسسة التربويّة بمختلف مستوياتها إزاء تكنولوجيا الإعلام. وبعد أن كان استعمال وسائل الإعلام منحصرا في بعض التجارب المتفرّقة لبعض المربّين المجدّدين، أصبح اقتناء أجهزة الكمبيوتر مطمحا لأغلب المسيّرين للمؤسسات التربويّة، وأصبح الارتباط بشبكة الانترنات من الأهداف التربويّة الاستراتيجيّة. وبعد أن كانت المؤسسة التربويّة تنظر الى وسائل الإعلام نظرة يطغى عليها النفور، تحوّلت هذه النظرة ليصبح استعمال هذه الوسائل مرادفا لمواكبة العصر. وعلى المستوى الوطني، أصبحت عديد الدول تضع ضمن خططها برامج لتعميم الإعلامية وتكنولوجيا المعلومات في مختلف المؤسسات التربويّة العموميّة. وبذلك تتميّز أصبحت المرحلة الراهنة بانبهار خاص إزاء التكنولوجيا الجديدة.
وأصبح استعمال هذه التكنولوجيا في صلب العمليّة التربويّة، إذ أصبح المربي يستغلّ وسائل الإعلام في مختلف العمليات البيداغوجية للبحث عن المعلومات وتجميعها وتكوين الملفات الدراسيّة ولتنمية ملكة التحرير ولتنمية الاتصال والتعارف داخل المدرسة وبين مختلف المدارس كما أصبح المربي يستعمل وسائل الإعلام بصفة شخصية لإعداد دروسه ولتوسيع قاعدة معلوماته.
ونتيجة لهذه التحوّلات التكنولوجية، تطوّر دور التلميذ في العمليّة التربويّة ليصبح أكثر فاعليّة. فإلى جانب المعلومات التي يتمّ تلقينها له داخل المؤسسة التربوية، أصبح بإمكان هذا الأخير أن يتعلّم في بيته من خلال الأشرطة السمعيّة والبصريّة أو الاسطوانات وأقراص الليزر وغيرها من الوسائل التكنولوجية العصريّة.
وبالتوازي تطوّر دور المربي، بل إنّ حضوره كطرف مباشر في العملية التربويّة لم يعد ضروريّا. وإذا ما ظهرت في الماضي بعض التجارب للدراسة عن بعد، بالانتساب
بواسطة دروس ترسل بالبريد، فقد عوضت المواصلات اللاسلكيّة مراكز البريد وظهر مفهوم جديد هو التربية الإلكترونيّة يقوم على استخدام الكمبيوتر الشخصي وأجهزة الاتصال عن بعد وأصبح التعليم عن بعد متعدّد المظاهر يمكن أن يتمّ عبر الجامعات الافتراضيّة والمواقع التعليميّة في شبكة الانترنات بفضل الأقمار الصناعيّة من خلال عديد القنوات التلفزيّة التعليميّة وبذلك أصبح التواصل بين المربّي وطلبته ممكنا حتى وإن كانوا في مواقع متباعدة.
إنّ مختلف هذه التحوّلات تطرح إشكاليات من نوع جديد، كما أنّ العلاقة التي تتعزّز تدريجيّا بين المؤسسة التربويّة وتكنولوجيا الإعلام تتطلب المزيد من الدراسة والتعمّق. وتجاوزا لمرحلة الانبهار يتعيّن التساؤل عن الجدوى الحقيقيّة لاستعمال تكنولوجيا الإعلام لأغراض تربويّة: ما هي الأهداف التي تطمح المؤسسة التربويّة إلى تحقيقها من خلال استعمال هذه التكنولوجيا؟ وما هي المهارات التي يمكن اكتسابها؟ وما هي البرامج الدراسية الأنسب لهذا الاستعمال؟ وما هي شرائح المتعلّمين الأكبر استفادة من هذه التكنولوجيا؟
ولتحديد الجدوى الفعليّة لوسائل الإعلام في العمليّة التربويّة، يمكن الاعتماد على المنهج المقارن بين مختلف النظم التعليميّة: فهل أن الطلاب الدارسين في الجامعات النظامية العاديّة يفوقون في معلوماتهم أو مهاراتهم الطلاب الدارسين عبر التلفزيون التعليمي الفضائي؟ وهل أنّ الصنف الأوّل من الطلاب أكثر استفادة من التعليم بالمقارنة مع الطلاب المتعلّمين عن بعد؟
وإلى جانب المردود العلمي والمعرفي، هل يختلف المردود الاجتماعي لنظاميْ التعليم. وهل يمكن القول إنّ التعليم عن بعد يشجّع الطالب على العزلة والانزواء؟
لا يمكن تحديد الجدوى من استعمال تكنولوجيا الإعلام في المنظومة التربويّة من دون تحليل لأبعاد الاقتصاديّة لهذا الاستعمال: فما هي كلفة هذه التكنولوجيا بالمقارنة مع كلفة نظام التعليم التقليدي وما هي مميزات سوق المنتوجات التربويّة التكنولوجيّة؟ هل أنّنا نساهم في إنتاج هذه المادة التربويّة أم أنّنا مجرّد مستهلكين لها؟ وإذا كان هذا الإنتاج أجنبيّا بالأساس، فما هي انعكاساته الثقافيّة على جمهور الدارسين؟ وهل تساهم التكنولوجيا في تجذير الطالب في محيطه الثقافي أم أنّها تمثل تهديدا لهويّتنا العربيّة الإسلاميّة؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق