المنهج التجريبي في العلوم الاجتماعية
المنهج التجريبي باعتباره أحد مناهج البحث في العلوم الاجتماعية
مقدمة :
ترجع ترجمة كلمة منهج باللغة الانجليزية إلى " method " وقد كانت عند أفلاطون مرادفة لمعنى البحث أو النظر أو المعرفة , أما عند أرسطو فهي مرادفة لكلمة البحث , وفي عصر النهضة فسرت على أنها طائفة من القواعد العامة الموضوعة من أجل الوصول إلى الحقيقة في العلم (1).
فكلمة منهج تشير إلى الوسيلة أو الطريقة التي يسلكها الباحث أثناء محاولته للكشف عن الحقائق المرتبطة بموضوع معين عند تنفيذه للإجراءات العلمية للبحث (2).
وهناك مناهج متعددة في العلوم الاجتماعية منها المنهج التاريخي , ومنهج المسح الاجتماعي , ومنهج دراسة الحالة , ولكن ما سنتطرق إليه هنا هو المنهج التجريبي .
ينظر للمنهج التجريبي بأنه من أكفأ وأفضل المناهج في اختبار صدق الفروض , والكشف عن العلاقات بين المتغيرات , وذلك لأنه يعتمد على التجربة والتجريب , ويمكن تعريف التجربة بأنها : ملاحظة الظاهرة بعد تعديلها كثيرا أو قليلا عن طريق بعض الظروف المصطنعة من قبل الباحث .(1)
ويعرف التجريب بأنه : قدرة الباحث على توفير كافة الظروف التي بإمكانها إيجاد ظاهرة معينة في الإطار الذي رسمه الباحث
- , (2) ( عبدالمقصود , خليل , أصول البحث الاجتماعي في الخدمة الاجتماعية , 2000)
ومن خلال هذا البحث سوف نتطرق إلى مايلي :
- تاريخ المنهج التجريبي .
- تعريف المنهج التجريبي .
- تعريف البحث التجريبي .
- تعريف الطريقة التجريبية .
- تطبيقات للمنهج التجريبي .
- خطوات المنهج التجريبي .
- أهداف المنهج التجريبي .
- دعائم المنهج التجريبي .
- اعتبارات هامة يجب مراعاتها في البحوث التجريبية .
- طرق التحقق من الفروض التجريبية .
- مصطلحات متعلقة بالعوامل المؤثرة في البحوث التجريبية .
- مصطلحات متعلقة بمجموعة الدراسة في البحوث التجريبية .
- أنواع التجارب .
- التصميمات التجريبية .
- متى وكيف يطبق المنهج التجريبي .
- القواعد المنهجية للتصميم التجريبي .
- مميزات المنهج التجريبي .
- عيوب المنهج التجريبي .
- مدى إمكانية تطبيق المنهج التجريبي في العلوم الاجتماعية .
تاريخ المنهج التجريبي :
المنهج التجريبي قديم قدم الإنسان نفسه فمنذ أن خلق الله الخلق كانوا يقومون بكثير من التجارب لمحاولة معرفه الطبيعة ومعرفة الأرض التي يعيشون فيها وما بها من موارد ليطوعوها لصالحهم ويستفيدوا منها , التجريب ينطلق من موضوعات لها وجود خارجي بالنسبة للعقل، أي إنها لا تنطلق منه بل تفرض نفسها عليه من الخارج ليعمل على تفسيرها وتحليلها. وبمعنى آخر يمكن القول إن موضوع التجريب هو الوقائع الخارجية في حين يكمن موضوع المنهج الاستدلالي في المقولات العقلية. وقد برزت الطريقة التجريبية بتأثير الثورة التي تمت في نطاق العلوم، والانتقال من المنهج الاستدلالي إلى المنهج الاستقرائي في البحث. وتتضح حقيقة المنهج الاستقرائي من خلال موازنته بالمنهج الاستدلالي الذي يقوم أساساً على أشياء من صنع العقل، والاستدلال هو الوصول إلى أشياء جديدة بالرجوع إلى قرائن أخرى لها عناصر في مقولات الفكر وفي مبادئ المنطق.
ورداً على هذا الاتجاه في كشف الظواهر، برز المنهج الاستقرائي وألح الباحثون ضمن هذا الإطار على أن الاستقراء منهج ناجح في الكشف عن الحقائق، وأن بالإمكان اكتشاف وجود عناصر وظواهر طبيعية عن طريق استقراء الحوادث والملاحظة المباشرة ومن خلال التجريب عوضاً عن مقولات الفكر. يستدعي هذا الأمر وجود واسطة بين الأشياء والظاهرة قيد الدراسة تُمَكّن الباحث من الكشف عن موقع الظاهرة. وقد تكون هذه الوساطة الحواس المباشرة أو أدوات أخرى إذا قصرت تلك الحواس عن الملاحظة والمراقبة الدقيقة. أما الواسطة في المنهج الاستدلالي فهي مقولات العقل والفكر وليس ما يبتدعه الإنسان من وسائل مادية ترتبط بالحواس مباشرة.
ورداً على هذا الاتجاه في كشف الظواهر، برز المنهج الاستقرائي وألح الباحثون ضمن هذا الإطار على أن الاستقراء منهج ناجح في الكشف عن الحقائق، وأن بالإمكان اكتشاف وجود عناصر وظواهر طبيعية عن طريق استقراء الحوادث والملاحظة المباشرة ومن خلال التجريب عوضاً عن مقولات الفكر. يستدعي هذا الأمر وجود واسطة بين الأشياء والظاهرة قيد الدراسة تُمَكّن الباحث من الكشف عن موقع الظاهرة. وقد تكون هذه الوساطة الحواس المباشرة أو أدوات أخرى إذا قصرت تلك الحواس عن الملاحظة والمراقبة الدقيقة. أما الواسطة في المنهج الاستدلالي فهي مقولات العقل والفكر وليس ما يبتدعه الإنسان من وسائل مادية ترتبط بالحواس مباشرة.
- اليونانيون والمنهج التجريبي :
ففي اليونان يتضح لنا أن ظهور المنهج التجريبي ومحاولة تثبيت دعائمه لم يكن بالأمر اليسير , فلقد حاول الظهور من عهد سقراط تقريبا , فنجد عند اليونان كثيرا من العلوم نجدها الآن منتمية إلى مجال العلوم التجريبية كالنظريات المتعلقة بالكون ومما يتألف وما هو تركيبه . وكان يشيع استخدام هذا المنهج لدى أصحاب الحرف والصناعات .
- المسلمون والمنهج التجريبي :
عندما ظهر نور الإسلام وجاءت تعاليمه التي تحث الناس على العلم والتفكر والتدبر ظهر الكثير من العلماء المسلمين الذين اعتمدوا التجربة منهجا أساسيا في العلم والمعرفة ومن أبرزهم الحسن بن الهيثم الذي اشتهر بعلم البصريات وله نظرياته في انكسار الضوء .
_ تعريف المنهج التجريبي :
هو المنهج الذي يتمثل فيه معالم الطريقة العلمية بصورة جلية واضحة , فهو يبدأ بملاحظة ويتلوها بوضع الفروض ويتبعها بتحقيق الفرض بواسطة التجربة ثم يصل عن طريق هذه الخطوات إلى معرفة القوانين التي تكشف عن العلاقات القائمة بين الظواهر(1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- (حسن , عبدالباسط ,, 1990 أصول البحث الاجتماعي )
- تعريف البحث التجريبي :
ملاحظة تحت ظروف مضبوطة لإثبات الفروض ومعرفة العلاقة السببية , ويقصد بالظرف المضبوط إدخال المتغير التجريبي إلى الواقع وضبط تأثير المتغيرات الأخرى(1) ( استخدام التجربة لإثبات الفروض , أو إثبات الفروض عن طريق التجريب )(2)
- الطريقة التجريبية:
تعد الطريقة التجريبية واحدة من الطرائق الأساسية المستخدمة في المنهج الاستقرائي، وهي تعتمد على قواعد عامة في التجريب وإعادة حدوث الظاهرة، أو التدخل في شروط ذلك الحدوث، وتصبح الطريقة التجريبية في نطاق المنهج الاستقرائي دلالة على استقراء هذا الحوادث وجمع البيانات حول كثير من الشواهد بما يؤيد صحة افتراض معين بدأ به الباحث بشأن موضوع الدراسة وهذا ما يخالف المنهج الاستدلالي .
_ تطبيقات للمنهج التجريبي :
يكثر استخدام هذا المنهج في علم النفس فمثلا لدينا تجربة واطسون أجرى علماء النفس عدداً من التجارب لمعرفة تأثير معرفة نتيجة الاختبار لدى المختبرين , هل يكون لها تأثير قوي على الشخص عند معرفته بعد إنجازه للاختبار مباشره , أم أثناء تأديته للاختبار , أم بعد مرور فترة على انتهاء الاختبار ؟
فأتى بثلاثة مجموعات من الأفراد حجبوا عيونهم وطلبوا منهم أن يرسموا بعض الخطوط
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1),(2) ( الشيباني , عمر , مناهج البحث الاجتماعي )
المستقيمة طول كل منها ثلاثة سنتمترات وعندا بدا المحاولات تركا أفراد المجموعة الأولى يتخبطون في محاولاتهم دون أن يعلموا نتيجة عملهم أما المجموعة الثانية فقد سمح لهم بمعرفة النتيجة أجمالاً بعد كل محاولة عكس المجموعة الثالثة التي كلما قام أفرادها بحركة صغيرة نضروا إليها ليعرفوا طولها واتجاهها حتى يتفادوا في الحركة التالية أي خطاء وقعوا فيه سابقاً. وقد كانت نتيجة التجربة هي أن أفراد المجموعة الأولي الذين لم يكونوا يعرفون شيء عن عملهم لم يصلوا إلي الصواب في سلوكهم وفشلت كل محاولاتهم لرسم الخط بالطول المطلوب والمجموعة الثانية أصاب أفرادها بعض التحسين لأنهم كانوا دائماً يعرفون النتيجة الإجمالية بمحاولاتهم أما أفراد المجموعة الثالثة التي كانت ترى نتيجة عملها أولاً بأول فقد كان نجاحها و تحسن سلوكها يفوق كثيراً المجموعة السابقة .
خطوات المنهج التجريبي :-
- التعرف على مشكلة البحث وتحديد معالمها .
- صياغة الفروض المتعلقة بمشكلة البحث
- وضع تصميم تجريبي يهدف إلى ضبط متغيرات الموضوع , وأدوات التجربة كاختيار عينة البحث , تصنيف المبحوثين إلى مجموعة متجانسة , أو مجموعتين متكافئتين .
- إجراء التجربة .
- قياس نتائج التجربة .
- الوصول إلى نتائج .
- أهداف البحوث التجريبية :
- التأكد من وجود علاقة بين متغيرين أو أكثر وأسباب وجود هذه العلاقة .
- تحاول الدراسات التي تقوم على المنهج التجريبي التحكم في المتغيرات وذلك لتحديد التأثير المتبادل بين كل متغير من المتغيرات الأساسية والمتغير التابع كل على حده .
- تفسير الظواهر التي تدرس بواسطة المنهج التجريبي وذلك من خلال التحقق من الفروض باعتبارها تفسيرات مبدئية تحتاج إلى تدعيم .
- دعائم المنهج التجريبي :
بما أن المنهج التجريبي محاولة لتحديد العلاقة السببية بين متغيرات محددة , لذلك لابد من وجود دعائم وأسس لموقف التجربة نوجزها فيما يلي :
- أثناء التجربة إذا لم يضع الباحث موقفا تتفاعل فيه المتغيرات فإنه يستحيل عليه أن يعرف أثر هذه المتغيرات ومعرفة نوع التأثير .
- التجربة بحد ذاتها ليست هي الجزء العلمي وليست هي ما يسعى الباحث للوصول إليه على الرغم من أهميتها , ولكن من خلالها نستطيع التحقق من صحة الفروض ومحاولة إثباتها أو نفيها وبالتالي نستطيع صياغة النظريات الاجتماعية على أساس ما نتوصل إليه .
- إن جمع الحقائق عن طريق الملاحظة يبعد الباحث عن البيانات الأقل أهمية ويجعل تركيزه منصبا على البيانات المهمة , وذلك لأن البيانات الأقل أهمية ربما تكون خاطئة , أو تتأثر بتحيز الباحث .
- منهج المجموعة الضابطة باعتباره أحد المناهج التجريبية يقوم على تقسيم عينة البحث إلى مجموعتين متساويتين نخضعهم لظروف متماثلة مع تغيير عنصر واحد لنرى تأثير هذا العنصر ونتوصل للمتغير التابع باعتبار أن التماثل بينهما هو متغير مستقل .
_ اعتبارات هامة في البحوث التجريبية :
يعتبر المنهج التجريبي من أدق أنواع مناهج البحث وذلك لاعتبارات عديدة منها :
- في المنهج التجريبي يمكن التحقق من صدق النتائج وكذلك ثباتها وذلك لأنه هو النهج الذي يسمح بتكرار التجربة تحت شرط واحد عن طريق أكثر من باحث .
- في المنهج التجريبي يمكن للباحث دراسة العلاقة السببية بصورة دقيقة لا يتيحها المنهج التاريخي أو الوصفي وذلك لأن هذا المنهج يسمح للباحث بدراسة أثر متغير تجريبي على متغير آخر , وهو المتغير التابع مع ضبط حميع المستويات الأخرى .
- طرق التحقق من الفروض التجريبية :
- طريقة الاتفاق :
تستخدم هذه الطريقة في المقارنة بين أكبر عدد ممكن من الظواهر أو الظروف التي تحتوي بالضرورة على سبب الظاهرة الأولى , فإذا قلنا أن الظاهرة المراد تفسيرها هي (ص) وأنها تسبق أو تصاحب :
في الحالة الأولى بالظروف س , ك , ب
في الحالة الثانية بالظروف ل , م , س
في الحالة الثالثة بالظروف ط , س , و
فالظرف الوحيد المشترك في هذه الحالة هو (س) ويعد سببا لـ (ص) أو نتيجة لها
- طريقة الاختلاف :
عكس الطريقة السابقة لأنها تنحصر في المقارنة بين حالتين متشابهتين في جميع الظروف ماعدا ظرفا واحدا , بحيث توجد الظاهرة في إحداهما ولا توجد في الأخرى , وحينئذ تكون الظاهرة نتيجة أو سببا لهذا الظرف . وتعتمد هذه الطريقة أيضا على قانون السببية العام , لأن وجود السبب يؤدي إلى وجود النتيجة , واختفاؤه يؤدي إلى عدم وجودها . وقد حدد" مل " هذه الطريقة بقوله " إذا اشتركت الحالتان اللتان توجد الظاهرة في إحداهما ولا توجد في الأخرى , في جميع الظروف ماعدا ظرف واحد لا يوجد إلا في الحالة الأولى وحدها , فإن هذا الظرف الوحيد الذي تختلف فيه الحالتان هو نتيجة الظاهرة أو سببها أو جزء ضروري من هذا السبب "
فإذا قلنا مثلا أن الظاهرة المراد تفسيرها هي " س "
وأنها توجد إذا وجدت الظروف : ك , ل , م , ص
وتختفي إذا وجدت الظروف ك , ل , م
فمن المرجح أن يكون الظرف (ص) هو السبب في وجود الظاهرة (س)
- طريقة التلازم في التغير ( التغير النسبي )
حدد مل هذه الطريقة على النحو التالي ( أن الظاهرة التي تتغير على نحو ما كلما تغيرت ظاهرة أخرى على نحو خاص , تعد سببا أو نتيجة لهذه الظاهرة أو مرتبطة بها بنوع من العلاقة السببية ) (1) وطريقة التغير النسبي تزيد عن ما ذكر " مل " بأنها تنحصر في المقارنة بين عدة حالات تبدو فيها الظاهرة بدرجات متفاوتة .
- طريقة البواقي :
ملخصها أنه إذا أدت مجموعة من المقدمات إلى مجموعة من النتائج وأكن إرجاع جميع النتائج ماعدا نتيجة واحدة إلى جميع المقدمات ماعدا مقدمة واحدة , فإنه من المرجح أن تكون هناك علاقة بين المقدمة والنتيجة الباقيتين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)(2)(الشيباني , عمر مناهج البحث الاجتماعي )
- مصطلحات متعلقة بالعوامل المؤثرة (1):
- المتغير المستقل " التجريبي " : هو المتغير الذي نريد قياس مدى تأثيره على الموقف .
- المتغير التابع " الناتج " : هو النتيجة التي تظهر بعد تأثير المتغير المستقل .
- ضبط العوامل : إبعاد أثر جميع المتغيرات الأخرى ماعدا المتغير المستقل بحيث يمكن الربط بين المتغير التابع والمستقل .
- مصطلحات متعلقة بمجموعة الدراسة(2) :
- المجموعة التجريبية : هي المجموعة التي تتعرض للمتغير المستقل لمعرفة تأثير هذا المتغير عليها .
- المجموعة الضابطة : هي التي لا تتعرض للمتغير المستقل , وتكون تحت ظروف عادية جدا , أي لا يطرأ عليها أي تدخل , وفائدتها : تبين للباحث أن الفرق الذي يحصل بين المجموعتين هو تأثير للمتغير التجريبي .
- ضبط المتغيرات : يتأثر العال التابع بعوامل متعددة غير العامل التجريبي لذلك لا بد من ضبط هذه العوامل بحيث لا تؤدي إلى تأثير سلبي أو إيجابي على النتيجة وإتاحة المجال للمتغير التجريبي وحده بالتأثير على المتغير التابع , وبما أن المتغير التابع يتأثر بخصائص الأفراد الذين تجرى عليهم التجربة فلا بد من أن نأتي بمجموعتين متكافئتين بحيث لا يكون هناك فرق بين المجموعتين .
(1), (2) من الموقع الإلكتروني , http://fares-psy.maktoobblog.com
- عزل المتغيرات : قد يقوم الباحث بدراسة متغير ما على سلوك الإنسان , وهذا السلوك يتأثر بعوامل أخرى , في هذه الحالة لا بد من عزل العوامل الأخرى , وإبعادها عن التجربة .
- تثبيت المتغيرات : إن استخدام المجموعات المتكافئة يعني أن الباحث قام بتثبيت جميع المتغيرات المؤثرة , لأن المجموعة التجريبية تماثل المجموعة الضابطة , وما يؤثر على إحدى المجموعتين يؤثر على الأخرى , فإذا أضاف الباحث المتغير التجريبي فهذا يميز المجموعة التجريبية .
- التحكم في المتغير التجريبي : يستخدم الباحث هذا الأسلوب عن طريق تقديم كمية أو مقدار معين من المتغير التجريبي , ثم يزيد هذا المقدار أو ينقص لمعرفة أثر الزيادة أو النقص على المتغير التابع .
- أنواع التجارب :
- التجربة على مجموعة واحدة : في هذا النوع من التجارب يهدف الباحث إلى اختبار تأثير متغير مستقل (سبب) على متغير تابع (نتيجة).
فعلى سبيل المثال يفترض الباحث أن تطبيق القياس (البرنامج) (أ) يعتبر مقياسا فعالا في تعلم اللغة لدى الطلاب فيختار عينة (مجموعة تجريبية) من الطلاب متجانسة في كل المتغيرات: - المستوى الدراسي. – السن. – الإقامة. – الظروف الاقتصادية والاجتماعية وغيرها من المتغيرات التي يرى الباحث أنها مؤثرة على النتائج .
وقبل تطبيق التجربة يقيس الباحث قدراتهم اللغوية، أي يمتحنهم ويضع لهم علامات تقديرية، وبعد إجراء التجربة (تطبيق البرنامج الدراسي) على المجموعة التجريبية لمدة زمنية معينة (3 أشهر مثلا) يمتحن الطلاب ليقيس مدى نجاحه تطبيق البرنامج، فإذا أثبتت نتائج التجربة التحسن الملحوظ لدى الطلاب في تعلم اللغة، نقول بصحة الفرضية أي أن المقاس المختبر جيد لتعليم اللغة.
- التجارب على مجموعتين متكافئتين : نفترض أننا أردنا أن نختبر مدى نجاح المقياس (س) المتعلم بتعلم اللغة، وذلك بمقارنته بالمقياس (ص) المتعلق بنفس الموضوع، فنقوم باختيار مجموعتين متكافئتين في كل المتغيرات (المستوى الدراسي – السن -...) بما في ذلك متغير اللغة، أي أن يكون لهما نفس المستوى في اللغة. وتسمى المجموعة (س) المجموعة التجريبية: المجموعة التي نريد من خلالها أن نختبر مدى نجاحه مقياس تعلم اللغة (س).أما المجموعة (ب) (المجموعة الضابطة): فنطبق عليها مقياسا آخرا (ص) وذلك لمدة زمنية معينة 3 أشهر مثلا. وبعد هذه المدة نختبر قدرات المجموعتين اللغوية. فإذا أثبتت نتائج التجربة أن المجموعة التجريبية قد تعلمت اللغة بشكل إيجابي مقارنة بالمجموعة الضابطة، أي أن التجربة أثبتت أن هناك فروقا واضحة بين المجموعتين، أي أن المجموعة التي طبق عليها المقياس (س) قد تعلمت اللغة بشكل أفضل فنقول بصحة الفرضية. كما يمكن أن تجرى التجارب على أكثر من مجموعتين بما يعطي للباحث فرصا أكثر للمقارنة والدقة في قياس النتائج .
- التصميمات التجريبية :
- التجارب البعدية فقط :
في هذا النوع من التصميم نستطيع استخدام مجموعة أو مجموعتين أو أكثر وهنا يكون قياسنا للنتائج بعد إدخال المتغير المستقل أو التجريبي .
مثال :
استخدام وسيلة تعليمية لطلاب لتعليمهم اللغة مثلا ونقيس التغيير الذي حصل بمعرفة تحصيل الطلاب بعد استخدام هذه الوسيلة ومن ثم نستخدم وسيلة تعليمية أخرى ونقوم بقياس الأثر ونعرف مدى التغيير الحاصل .
- التجارب القبلية _ البعدية :
مفهوم هذا النوع من التجارب يتضمن أن الباحث يقوم بقياس أو اختبار المجموعة قبل إدخال المتغير التجريبي عليها ومن ثم يدخل المتغير ويختبر النتائج بعدها ليعرف الفرق قبل وبعد .
ومن الأنماط والنماذج الفرعية التي يمكن أن يأخذها المنهج " القبلي _ البعدي " عند النظر إليه في ضوء عدد من المجموعات المشتركة في التجربة النماذج الخمسة التالية :
- " التجربة القبلية _ البعدية " بجماعة واحدة :
يتركز مفهوم هذا النموذج أن التجربة تجرى على جماعة واحده تكون تجريبية وضابطة ويطبق القياس القبلي والقياس البعدي على نفس المجموعة .
مثال :
نقيس اتجاه فصل دراسي نحو التمارين الرياضية ومن ثم نعرض لهم أفلام تحوي تجارب أشخاص يقومون بالتمارين الرياضية لمدة زمنية معينة ون ثم نقيس الاتجاه مرة أخرى فإذا وجدت فروق جوهرية إحصائية فإن المتغير السببي " الأفلام " ستكون هي السبب وراء تغير النتائج .
ب_ التجربة " القبلية _ البعدية " بجماعات ضابطة متبادلة :
نختار جماعتين من المجتمع ونجري على أحدهما قياسا قبليا والأخرى قياسا بعديا ومن ثم نختار أفراد من الجماعتين عشوائيا فإذا تم التكافؤ بينهما فإنه من الممكن الاعتبار الفرق بين القياس القبلي الذي أجري على الجماعة الأولى والقياس البعدي الذي أجري على الجماعة الثانية هو تأثير المتغير المسبب .
مثال :
نريد اختبار تأثير التمارين الرياضية على شباب قرية ما في هذه الحالة نختار جماعتين عشوائيتين (أ) و (ب) من مجتمع القرية ثم نجري عملية القياس القبلي على الجماعة (أ) لنتعرف على اتجاهاتهم نحو التمارين الرياضية ثم نبدأ بتعريض المجتمع كله لأفلام تحث على التمارين الرياضية ومن ثم نجري عملية القياس البعدي للجماعة (ب) والفرق بين المقياسين قد يعتبر أثرا للأفلام التعليمية التي تم عرضها .
ج _ التجربة " القبلية _ البعدية " بجماعة ضابطة واحده :
هنا يمكن إجراء الدراسة على جماعتين بحيث تكون الأولى ضابطة والأخرى تجريبية ونجري عمليات القياس القبلي والبعدي على كلتا الجماعتين .
مثال :
نفترض أن طريقة معينة للقراءة تكون أكثر فعالية في تعليم الأطفال للقراءة , لاختبار هذا الفرض نختار مجموعتين متساويتين من الأطفال ونجري عليها القياس القبلي ومن ثم نخضع مجموعه واحده وهي المجموعة التجريبية للطريقة المراد اختبارها ومن ثم نقوم بالقياس البعدي لكلتا المجموعتين الضابطة والتجريبية , فإذا وجدنا فرقا بين المجموعتين يمكن أن نعتبره ناتجا عن أثر استخدام الطريقة الصحيحة للقراءة .
د_ التجربة " القبلية _ البعدية " مع استخدام جماعتين ضابطتين :
مشابهه للطريقة السابقة ولكن تزيد عليها بإضافة جماعة ضابطة أخرى لا يطبق عليها القياس القبلي فقط تتعرض للمتغير التجريبي .
وبإمكاننا أن نفترض أن القياس القبلي للجماعة الضابطة الثانية مساويا للقياس القبلي للجماعتين التجريبية والضابطة الأولى .
هـ _ التجربة القبلية _ البعدية مع استخدام ثلاث جماعات ضابطة :
لزيادة الاحتياط والتغلب على تأثير العوامل الخارجية على نتائج التجربة , فإنه من الممكن إضافة جماعة ثالثة , ويكون مجموع الجماعات التي تستخدم في التجربة أربع جماعات إحداها تجريبية والثلاث الأخرى ضابطة و وفي هذا النموذج نجري عمليات قياس قبلية للجماعة التجريبية والجماعتين الضابطتين الثانية والثالثة , وتعرض الجماعتان التجريبية والضابطة الثانية فقط للمتغير التجريبي , وتجري عمليات القياس البعدية للأربع جماعات .
متى وكيف يطبق المنهج التجريبي :
إذا كان البحث يهدف إلى التنبؤ بالمستقبل ومعرفة التغيير الذي يمكن أن يحدث على الظاهرة المراد دراستها سواء كان تغير _ علاجي , وقائي _ يتم استخدام المنهج التجريبي
ويختلف خطوات تطبيق المنهج التجريبي باختلاف تصميمه ، ويمكن تصميم البحث عبر عدة خطوات هي :
1. تحديد مجتمع البحث ومن ثم اختيار عينة منه بشكل عشوائي تتفق في المتغيرات الخارجية المراد ضبطها .
2. اختبار عينة البحث اختباراً قبلياً في موضوع البحث .
3. تقسيم عينة البحث تقسيماً عشوائياً ‘إلى مجموعتين .
4. اختيار إحدى المجموعات عشوائياً لتكون المجموعة الضابطة والأخرى المجموعة التجريبية .
5. تطبيق المتغير المستقل على المجموعة التجريبية وحجبه عن المجموعة الضابطة .
6. اختبار عينة البحث في موضوع التجربة اختباراً بعدياً .
7.تحليل المعلومات وذلك بمقارنة نتائج الاختبارين قبل وبعد .
8. تفسير المعلومات في ضوء أسئلة البحث أو فروضه .
9.تلخيص البحث وعرض أهم النتائج التي توصل إليها الباحث وما يوصي به من توصيات
القواعد المنهجية للتصميم التجريبي :
- اختيار عينيتين إحداهما تجريبية , والأخرى ضابطة , استنادا إلى أسس انتقائية بحيث يتماثلان تقريبا بالنسبة لكل العوامل التي يحتمل أن تؤثر في نتائج البحث .
- تعريض الجماعة التجريبية للمتغير المستقل وعدم تعريض الجماعة الضابطة لهذا العامل .
- مشاهدة التغيرات التي حدثت للجماعتين قبل إدخال المتغير المستقل وبعد إدخاله .
- مقارنة التغيرات التي حدثت للجماعتين , بحيث يمكن أن نرجع الفروق بينهما إلى المتغير المستقل .
مميزات التصميمات التجريبية :
- عادة ما تكون نتائج المنهج التجريبي أكثر ثقة من غيرها لأنها تعتمد على التجريب وقياس النتائج قبل وبعد .
- في المنهج التجريبي يتم توفير الفرصة لدراسة التغير بعد التجريب .
- يوصف المنهج التجريبي بأنه دراسة ديناميكية يمكن بواسطتها تحديد التتابع الزمني للمتغيرات , وهو يستند إلى التحكم المنظم في المتغيرات بواسطة المتغير المستقل , وهو يستخدم مجموعة من العينات التجريبية والضابطة ووضع تصميما ليحقق غرضا معينا .
- تعتبر من أفضل البحوث العلمية لتقييم برامج التدخل المهني .
عيوب المنهج التجريبي :
1.يجرى التجريب في العادة على عينة محدودة من الأفراد وبذلك يصعب تعميم نتائج التجربة إلا إذا كانت العينة ممثلة للمجتمع الأصلي تمثيلاً دقيقاً .
2- .التجربة لا تزود الباحث بمعلومات جديدة إنما يثبت بواسطتها معلومات معينة ويتأكد من علاقات معينة .
3. دقة النتائج تعتمد على الأدوات التي يستخدمها الباحث
4. كذلك تتأثر دقة النتائج بمقدار دقة ضبط الباحث للعوامل المؤثرة علماً بصعوبة ضبط العوامل المؤثرة خاصة في مجال الدراسات الإنسانية .
5. تتم التجارب في معظمها في ظروف صناعية بعيدة عن الظروف الطبيعية ولا شك أن الأفراد الذين يشعرون بأنهم يخضعون للتجربة قد يميلون إلى تعديل بعض استجاباتهم لهذه التجربة .
6.يواجه استخدام التجريب في دراسة الظواهر الإنسانية صعوبات أخلاقية وفنية وإدارية متعددة.
7. العوامل والمتغيرات لا تؤثر على الظاهرة على انفراد بل تتفاعل هذه العوامل والمتغيرات وتترابط في علاقات شبكية بحيث يصعب عزل أثر عامل معين على انفراد .
8- لابد أن تراعى الصدق الداخلي بدرجة عالية للتجربة .
مدى إمكانية تطبيق المنهج التجريبي في العلوم والأبحاث الاجتماعية :
في العلوم والظواهر الاجتماعية هناك العديد من الصعوبات والعوائق التي تكون حائلا دون تطبيق هذا المنهج , فالظواهر والمشاكل التي تدرس في العلوم الاجتماعية تعتبر أشد تعقيدا وتشابكا من الظواهر الطبيعية , وأصعب في ضبطها تجريبيا وقياسها قياسا موضوعيا , وذلك لارتباط هذه الظواهر بالإنسان الذي يعتبر من أكثر الكائنات الحية تعقيدا .بالإضافة إلى أن الظواهر الاجتماعية أقل تكرارا في حدوثها من الظواهر الطبيعية , ويصعب دراستها بعيدا عن العواطف والأهواء الشخصية .
(في الدراسات الاجتماعية يلجأ الباحث إلى دراسة الظواهر والنظم ساعياً وراء الأسباب والعوامل التي تؤدي إلى بروزها، ويستخدم ففي ذلك الطريقة التجريبية، إذ يبدأ بملاحظة الظاهرة، ثم يضع الفروض العلمية لتفسيرها. وأخيراً يلجأ إلى التأكد من صحة هذه الفروض وذلك باستخدام المراقبة الدقيقة أحياناً، والتجربة العلمية أحياناً أخرى ,وقد أثار دخول التجريب في ميدان البحث الاجتماعي مسائل كبيرة وكثيرة تداولها الباحثون ولهم فيها مواقف مختلفة، منها القانون الاجتماعي والسببية في العلوم الاجتماعية، ومسألة صعوبات التجريب ومنطقه في هذه العلوم. كما طرحت مسالة العلاقات القانونية بين المتغيرات بحده كبيرة في ميدان العلوم الاجتماعية، وبرزت اتجاهات متعددة حاولت نفي إمكان التجريب في هذه العلوم لعدم ثقتها في تحديد العلاقات القانونية في ميدان الحياة الاجتماعية من جهة وفي مضمار العلوم التطبيقية عامة يحتار الباحثين ضمن إطار الدراسات الاجتماعية في مسألة العلاقات السببية بين العناصر. فمن الصعوبة حصر أي تجربة على المستوى الاجتماعي بين متغيرين وحسب، من دون الأخذ بالحسبان تفاعل الجوانب والمتغيرات الأخرى في الظاهرة المدروسة، إذ لا يمكن التأكيد أن هذا العامل أو ذاك هو المسبب لهذه الظاهرة أو تلك أو نفي ذلك.
إن الظاهرة الاجتماعية أو السلوك الاجتماعي أو النظام الاجتماعي، وكل ما يتسم بصفة اجتماعية محددة، وقائع لايمكن تفسيرها بالرجوع إلى عامل محدد رئيسي أو وحيد لأنها تنجم بصورة عامة عن تفاعل مجموعة تغيرات وعلاقات تؤدي إلى تكوين هذه الوقائع الاجتماعية. لذلك لا يمكن، ضمن مستوى تطور العلم الحالي، تأكيد صحة علاقة سببية بين متغيرين في العلوم الاجتماعية، تهمل دور التفاعل الذي تؤديه متغيرات أخرى مع هذين المتغيرين. ففي العلوم الاجتماعية يبدو التشابك أشد تعقيداً، فمن الصعب تحديد العلاقة بين حدين، أي بين سبب ونتيجة، لأن هذه النتيجة في الواقع الاجتماعي لا تحدث إلا من خلال تفاعل مجموعة أخرى من العوامل مع العامل قيد الدراسة والاختبار والتجريب. وإن ما يدرس هو مدى إسهام هذا المتغير في إحداث التغير مع جملة المتغيرات الأخرى التي تسهم في هذه العملية.
ويعتقد بعض الباحثين أن من شأن التجريب على الظاهرات الاجتماعية التأثير في عفويتها، لما يتضمنه التجريب من تدخل الباحث في السير الطبيعي للظاهرة وجعلها تسير سيراً مصطنعاً، وبهذا لا تعود طبيعية، هذا إن أمكن إجراء بعض العمليات التجريبية. ولذلك فهم يرون أنه ليس من طريق أمام الباحث الاجتماعي سوى إجراء دراسات مقارنة بين الظاهرات الاجتماعية كما تجري في جوها الاجتماعي الطبيعي العفوي. ويقصد بالمقارنة هنا أن يقابل الباحث بين الظاهرات نفسها أو بين عناصر منها. ولهذا يقول دوركايم: "لما كانت الظواهر الاجتماعية لا تسمح بداهة بتدخل الملاحظ في سيرها الطبيعي، فإن الطريقة الوحيدة التي تتناسب مع طبيعة الموضوع الذي يدرسه علم الاجتماع هي طريقة المقارنة" وهذه الفاعلية المحدودة من حيث مدى التأثير في الحوادث تنحصر في موقف الباحث، إذ إنه يلاحظ الظاهرات ثم يقارن بينهما، وهذا التأثير المحدد هو تأثير باحث ملاحظ وتأثير باحث مقارن) (1)
- رأي للكاتب محمد صفوح الأخرس من الموقع الإلكتروني ويكيبديا _ الموسوعة الاجتماعية _
وعلى الرغم من صعوبة تطبيق هذا النهج إلا أنه ليس بالأمر المستحيل لذلك على الباحثين الاجتماعيين بذل قصارى جهدهم للرقي بالأبحاث الاجتماعية ولكي تكون ذات مستوى عالي من الصدق .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق