التحصيل الدراسي عند التلاميذ وإشكالية النجاح
بقلم: نهاري امبارك، مفتش في التوجيه التربوي، مكناس.
تصدر حاليا عدة مواضيع ترتبط بالمجال التعليمي، تتناول على الخصوص تدني النتائج المدرسية بشكل عام، وذلك بهدف إثارة اهتمام جميع الفرقاء والفاعلين التربويين بالوضعية التي آلت إليها منظومة التربية والتكوين، ونحن مقبلون على إصلاحات كبرى في ظل جهود متضافرة، يبذلها جميع أطراف العملية التربوية.
واسمحوا لي أن أعرض، بالمناسبة، هذا الموضوع المتواضع لنقاش وتحليل بعض العوامل التي أدت بالنتائج المدرسية إلى ما هي عليه، والتي ترتبت عنها قرارات السماح للتلاميذ بالانتقال من مستوى إلى آخر بمعدلات هزيلة. فانطلاقا من واقعنا الاجتماعي والمدرسي المعيش وحياتنا اليومية فإن مقالتي هاته المتواضعة سوف أقدمها حسب المحاور التالية:
I. على مستوى الأسر بشكل عام وآباء وأولياء التلاميذ بشكل خاص؛
II. على مستوى التعليم الأولي؛
III. على مستوى التعليم الابتدائي والثانوي؛
IV. ملاحظات وتساؤلات.
وفي ما يلي التوسع وتحليل هذه المحاور قدر المستطاع، راجيا من القارئ الكريم الإدلاء بملاحظاته، مشكورا، التي سوف تغني هذا الموضوع وتنير مضامينه أكثر.
I. فعلى مستوى الأسر وآباء وأولياء التلاميذ، نلمس عدة عوامل تؤثر سلبا في التمدرس، تتجلى في معاناة أغلب آباء وأمهات التلاميذ من:
1) الفقر والعوز وضيق ذات اليد؛
2) الأمية وعدم معرفة القراءة والكتابة؛
3) عدم الوعي بأهمية التعليم في الحياة الاجتماعية؛
4) البطالة المتفشية التي نالت من أغلب أفراد كل أسرة ؛
5) غلاء المعيشة وضعف القوة الشرائية وفقر التغذية واللباس؛
6) ارتفاع تكلفة الكتب والأدوات المدرسية؛
7) هيمنة المشاكل العائلية والنزاعات بين الأبوين وانتشار ظاهرة الطلاق؛
8) كثرة الأطفال المتخلى عنهم وأطفال الشوارع الذين يعانون أزمات نفسية سواء بالمدرسة أو بالمؤسسات الخيرية أو لدى المتبنين؛
9) عدم الاستفادة من الخدمات الاجتماعية والتطبيب وصندوق الضمان الاجتماعي والتقاعد؛
1) ضعف خدمات التعليم الأولي المقدم إلى الأطفال سواء في الكتاب أو المسيد أو الجامع، في بيوت تنعدم فيها، إلى حد ما، الشروط الصحية والتربوية والمدرسية؛
2) ضعف تكوين القائمين على التعليم الأولي وعدم إخضاعهم لدورات تكوينية في مجال التواصل والتلقين وتربية الأطفال صغار السن؛
3) عدم تعميم خدمات التعليم الأولي والإشراف عليها قانونيا وإداريا ومراقبة أنشطتها وفضاءاتها التربوية والتعليمية…
III. أما على مستوى التعليم الابتدائي والثانوي، فمعايشتنا الواقع التعليمي بالمدرسة الابتدائية والثانوية، مكنتنا من معاينة، بشكل عام، العوامل التالية:
1) ضعف خدمات التعليم الابتدائي والثانوي، إلى حد ما، سواء بالوسط الحضري أو القروي، لعدة أسباب منها:
§ عدم إخضاع المدرسين لدورات تدريبية منتظمة للتأقلم مع البرامج الجديدة والتمكن من المناهج التعليمية الموصى بها ضمن التشريعات والتوجيهات الرسمية؛
§ برامج ومقررات تعليمية غير محفزة كونها لا تتفاعل مع الواقع المعيش للتلميذ ولا ترتبط بحياته الاجتماعية ولا تؤهله مهنيا للحياة العملية؛
§ مناهج مستعصى تطبيقها من طرف المدرس غير المتدرب عليها، من جهة، ولعدم توفر الظروف الملائمة والوسائل الديداكتيكية الناجعة، من جهة أخرى؛
§ عدم القيام بالتجارب المخبرية خصوصا في مادتي الفيزياء والكيمياء وعلوم الحياة والأرض؛
§ تلقين جميع المواد نظريا ودون استدعاء لواقع التلميذ الاجتماعي والاقتصادي والثقافي؛
§ استفحال ظاهرة العنف في الوسط المدرسي والمشادات الكلامية والألفاظ النابية؛
§ استفحال ظاهرة التغيب غير المبرر في صفوف التلاميذ ذكورا وإناثا؛
§ التهاون ورفض التلاميذ، عموما، إنجاز الواجبات المنزلية ومراجعة الدروس المنجزة؛
2) ويضاف إلى ما تقدم، عند انتقالنا إلى المدرسة الابتدائية والثانوية بالوسط القروي، العوامل التالية:
§ بعد المدرسة الابتدائية، بشكل عام، عن محل سكنى التلاميذ وهم صغار السن؛
§ بعد المدرسة الثانوية مسافات طوال عن سكنى أغلب التلاميذ، الشيء الذي ينهكهم ويؤثر سلبا على مراجعة الدروس وإنجاز البحوث والواجبات المنزلية؛
§ عدم توفر المدرسة الثانوية، خصوصا الإعدادية، على داخلية تأوي جميع التلاميذ وتقربهم من الدراسة والتحصيل وتحفزهم على البذل والعطاء؛
§ محدودية الطاقة الاستيعابية لدور الطالب/الطالبة وضعف خدماتها الاجتماعية والتربوية؛
§ وعورة الطرق والمسالك المؤدية إلى المدرسة وسط الغبار صيفا والأوحال شتاء؛
§ تغيب التلاميذ عن الدراسة بسبب فيضان الأودية وقطع الطرق؛
§ عدم بناء قناطر ومد جسور تربط المداشر والدواوير والقرى في ما بينها؛
§ ضعف خدمات المطاعم المدرسية وعدم استفادة أغلب التلاميذ منها؛
§ معاناة المدرس مع وسائل النقل سواء المنظم أو السري وتأخره غالبا وتغيبه أحيانا؛
§ افتقار المدارس لدورة المياه الشيء الذي يضر بصحة التلاميذ، خصوصا الإناث منهم؛
§ عدم وجود سقيفة أمام المدرسة تحمي التلاميذ من الحر صيفا ومن الأمطار شتاء؛
3) ويضاف إلى ما تقدم في الفقرة الأولى –l- وارتباطا بالوسط القروي ما يلي:
§ الهجرة القروية نتيجة الجفاف والسنوات العجاف؛
§ عدم امتلاك أغلب القرويين قطعا أرضية يشرفون على استغلالها بشكل حر ودون قيود؛
§ أغلب القرويين مياومون وأجراء لدى فلاحين كبار، حيث إن مردودهم اليومي لا يفي بحاجياتهم الضرورية من غذاء ولباس، فهيهات أن يرتاد أبناؤهم المدرسة ويتعلموا القراءة والكتابة والحساب؛
IV. ملاحظات وتساؤلات:
في ظل هذه الأوضاع المتأزمة اجتماعيا وثقافيا ومدرسيا وتربويا، أي نتائج ننتظر من التلاميذ؟
إلا أنه، وعند وقوفنا على واقع آخر، فادعاء مدرسي المدرسة الثانوية التأهيلية أن التلاميذ يفدون عليها بمستوى معرفي هزيل، وادعاء مدرسي المدرسة الثانوية الإعدادية أن التلاميذ يفدون عليها بمستوى معرفي هزيل، وادعاء مدرسي المدرسة الابتدائية أن التلاميذ يفدون عليها بمستوى معرفي هزيل، ادعاءات تثير الاستغراب وتستلزم أكثر من وفقه تأمل، ألا يمكن رغم كل الوضعيات والصعوبات المشار إليها أعلاه وغيرها تزويد التلميذ في كل مستوى أو سلك تعليمي بالحد الأدنى من المعارف والتحصيل الضروري؟ ومن جهة أخرى ونظرا للنمو الديموغرافي المتزايد وارتفاع عدد التلاميذ المتمدرسين، وفي ظل الظروف الراهنة، والبنيات التحتية المتوفرة، فهل يسمح فقط لنسبة ضئيلة من التلاميذ، أولائك المستحقين، بالانتقال إلى المستوى الأعلى؟ وما هي المعايير الحقيقية للاستحقاق؟ وما هي ظروف ممارسة العملية التربوية التي تؤدي إلى ذلك؟ وما هي وسائل التقييم التربوي الناجعة التي تمكن من قياس دقيق وموضوعي لمكتسبات التلاميذ؟
أما الادعاء بوفود التلاميذ من مستوى أو سلك تعليمي على مستوى أو سلك تعليمي أعلى دون تحصيل معرفي، فيستدعي عدة تساؤلات: هل تنجز عمليتا التقييم التربوي التشخيصي والتنبؤي عند بداية السنة الدراسية للوقوف على ثغرات التحصيل الدراسي وإصدار أحكام قيمية حولها؟
إن المتأمل للحكم التالي ‘’ تلميذ وافد على القسم بدون مستوى تحصيلي ‘’ لابد وأن يقف عند عدة محطات ويتساءل: هل لا يتوفر هذا التلميذ حتى على الحد الأدنى من المعارف المقررة؟ ألا يمكن تخصيص حصة للمراجعة والتثبيت قبل انطلاق الدرس الجديد؟ فماذا يعني ادعاء مدرس القسم الأول الابتدائي أن التلميذ وفد على هذا القسم دون مستوى معرفي؟
وأخيرا وليس آخرا، إن المسؤوليات أكيدا مشتركة، فعلى كل طرف تحمل مسؤوليته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق