الثلاثاء، 16 يناير 2018

سورة (ص) من البداية الى الاية 44 ۩ للشيخ عبدالولي الاركاني - رمضان 1436هـ




سورة (ص) من البداية الى الاية 44 ۩ للشيخ عبدالولي الاركاني - رمضان 1436هـ



سورة ص - سورة 38 - عدد آياتها 88
بسم الله الرحمن الرحيم
  1. ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ
  2. بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ
  3. كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ
  4. وَعَجِبُوا أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ
  5. أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ
  6. وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ
  7. مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاقٌ
  8. أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ
  9. أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ
  10. أَمْ لَهُم مُّلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الأَسْبَابِ
  11. جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ الأَحْزَابِ
  12. كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الأَوْتَادِ
  13. وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ أُوْلَئِكَ الأَحْزَابُ
  14. إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ
  15. وَمَا يَنظُرُ هَؤُلاء إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ
  16. وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ
  17. اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ
  18. إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ
  19. وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ
  20. وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ
  21. وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ
  22. إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاء الصِّرَاطِ
  23. إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ
  24. قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ
  25. فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ
  26. يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ
  27. وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ
  28. أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ
  29. كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ
  30. وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ
  31. إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ
  32. فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ
  33. رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ
  34. وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ
  35. قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ
  36. فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ
  37. وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ
  38. وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ
  39. هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ
  40. وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ
  41. وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ
  42. ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ
  43. وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الأَلْبَابِ
  44. وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ
  45. وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ
  46. إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ
  47. وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ
  48. وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِّنْ الأَخْيَارِ
  49. هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ
  50. جَنَّاتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الأَبْوَابُ
  51. مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ
  52. وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ
  53. هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ
  54. إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ
  55. هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ
  56. جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ
  57. هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ
  58. وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ
  59. هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ
  60. قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ
  61. قَالُوا رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ
  62. وَقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الأَشْرَارِ
  63. أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ
  64. إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ
  65. قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ
  66. رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ
  67. قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ
  68. أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ
  69. مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ
  70. إِن يُوحَى إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ
  71. إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ
  72. فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ
  73. فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ
  74. إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ
  75. قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ
  76. قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ
  77. قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ
  78. وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ
  79. قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ
  80. قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ
  81. إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ
  82. قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ
  83. إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ
  84. قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ
  85. لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ
  86. قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ
  87. إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ
  88. وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ
التفسير
سورة ص
ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ( 1 ) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ ( 2 )
( ص ) سبق الكلام على الحروف المقطَّعة في أول سورة البقرة.
يقسم الله سبحانه بالقرآن المشتمل على تذكير الناس بما هم عنه غافلون. ولكن الكافرين متكبرون على الحق مخالفون له.
كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ ( 3 )
كثيرًا من الأمم أهلكناها قبل هؤلاء المشركين، فاستغاثوا حين جاءهم العذاب ونادوا بالتوبة, وليس الوقت وقت قَبول توبة, ولا وقت فرار وخلاص مما أصابهم.
وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ( 4 ) أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ( 5 )
وعجِب هؤلاء الكفار مِن بعث الله إليهم بشرا منهم؛ ليدعوهم إلى الله ويخوَّفهم عذابه, وقالوا: إنه ليس رسولا بل هو كاذب في قوله, ساحر لقومه، كيف يصيِّر الآلهة الكثيرة إلهًا واحدًا؟ إنَّ هذا الذي جاء به ودعا إليه لَشيء عجيب.
وَانْطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ ( 6 ) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلا اخْتِلاقٌ ( 7 )
وانطلق رؤساء القوم وكبراؤهم يحرِّضون قومهم على الاستمرار على الشرك والصبر على تعدد الآلهة, ويقولون إن ما جاء به هذا الرسول شيء مدبَّر يقصد منه الرئاسة والسيادة, ما سمعنا بما يدعو إليه في دين آبائنا من قريش، ولا في النصرانية، ما هذا إلا كذب وافتراء.
أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ ( 8 )
أخُص محمد بنزول القرآن عليه من دوننا؟ بل هم في ريب من وحيي إليك - أيها الرسول- وإرسالي لك، بل قالوا ذلك؛ لأنهم لم يذوقوا عذاب الله، فلو ذاقوا عذابه لما تجرؤوا على ما قالوا.
أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ ( 9 )
أم هم يملكون خزائن فضل ربك العزيز في سلطانه, الوهاب ما يشاء من رزقه وفضله لمن يشاء من خلقه؟
أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الأَسْبَابِ ( 10 )
أم لهؤلاء المشركين مُلْك السموات والأرض وما بينهما، فيُعْطوا ويَمْنعوا؟ فليأخذوا بالأسباب الموصلة لهم إلى السماء, حتى يحكموا بما يريدون من عطاء ومنع.
جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الأَحْزَابِ ( 11 ) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الأَوْتَادِ ( 12 ) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ أُولَئِكَ الأَحْزَابُ ( 13 ) إِنْ كُلٌّ إِلا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ ( 14 )
هؤلاء الجند المكذِّبون جند مهزومون، كما هُزم غيرهم من الأحزاب قبلهم، كذَّبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون صاحب القوة العظيمة, وثمود وقوم لوط وأصحاب الأشجار والبساتين وهم قوم شعيب. أولئك الأمم الذين تحزَّبوا على الكفر والتكذيب واجتمعوا عليه. إنْ كلٌّ مِن هؤلاء إلا كذَّب الرسل, فاستحقوا عذاب الله, وحلَّ بهم عقابه.
وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ ( 15 )
وما ينتظر هؤلاء المشركون لحلول العذاب عليهم إن بقوا على شركهم, إلا نفخة واحدة ما لها من رجوع.
وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ ( 16 )
وقالوا: ربنا عجِّل لنا نصيبنا من العذاب في الدينا قبل يوم القيامة, وكان هذا استهزاءً منهم.
اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ ( 17 )
اصبر - أيها الرسول- على ما يقولونه مما تكره، واذكر عبدنا داود صاحب القوة على أعداء الله والصبر على طاعته, إنه توَّاب كثير الرجوع إلى ما يرضي الله. ( وفي هذا تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم ) .
إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ ( 18 ) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ ( 19 )
إنا سخَّرنا الجبال مع داود يسبِّحن بتسبيحه أول النهار وآخره، وسخرنا الطير معه مجموعة تسبِّح، وتطيع تبعًا له.
وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ( 20 )
وقوَّينا له ملكه بالهيبة والقوة والنصر, وآتيناه النبوة, والفصل في الكلام والحكم.
وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ ( 21 ) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ ( 22 )
وهل جاءك - أيها الرسول- خبر المتخاصِمَين اللذَين تسوَّرا على داود في مكان عبادته, فارتاع من دخولهما عليه؟ قالوا له: لا تَخَفْ، فنحن خصمان ظلم أحدنا الآخر، فاقض بيننا بالعدل، ولا تَجُرْ علينا في الحكم, وأرشِدنا إلى سواء السبيل.
إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ( 23 )
قال أحدهما: إن هذا أخي له تسع وتسعون من النعاج, وليس عندي إلا نعجة واحدة, فطمع فيها، وقال: أعطنيها, وغلبني بحجته.
قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ( 24 )
قال داود: لقد ظلمك أخوك بسؤاله ضم نعجتك إلى نعاجه, وإن كثيرًا من الشركاء ليعتدي بعضهم على بعض، ويظلمه بأخذ حقه وعدم إنصافه مِن نفسه إلا المؤمنين الصالحين, فلا يبغي بعضهم على بعض، وهم قليل. وأيقن داود أننا فتنَّاه بهذه الخصومة, فاستغفر ربه, وسجد تقربًا لله، ورجع إليه وتاب.
فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ ( 25 )
فغفرنا له ذلك، وجعلناه من المقرَّبين عندنا, وأعددنا له حسن المصير في الآخرة.
يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ( 26 )
يا داود إنا استخلفناك في الأرض وملَّكناك فيها, فاحكم بين الناس بالعدل والإنصاف، ولا تتبع الهوى في الأحكام، فيُضلك ذلك عن دين الله وشرعه, إن الذين يَضِلُّون عن سبيل الله لهم عذاب أليم في النار ؛ بغفلتهم عن يوم الجزاء والحساب. وفي هذا توصية لولاة الأمر أن يحكموا بالحق المنزل من الله، تبارك وتعالى, ولا يعدلوا عنه، فيضلوا عن سبيله.
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ( 27 )
وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما عبثًا ولهوًا، ذلك ظنُّ الذين كفروا، فويل لهم من النار يوم القيامة؛ لظنهم الباطل, وكفرهم بالله.
أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ( 28 )
أنجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض, أم نجعل أهل التقوى المؤمنين كأصحاب الفجور الكافرين؟ هذه التسوية غير لائقة بحكمة الله وحُكْمه, فلا يستوون عند الله، بل يثيب الله المؤمنين الأتقياء، ويعاقب المفسدين الأشقياء.
كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ ( 29 )
هذا الموحى به إليك - أيها الرسول- كتاب أنزلناه إليك مبارك؛ ليتفكروا في آياته, ويعملوا بهداياته ودلالاته, وليتذكر أصحاب العقول السليمة ما كلفهم الله به.
وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ( 30 )
ووهبنا لداود ابنه سليمان, فأنعمنا به عليه, وأقررنا به عينه, نِعْم العبد سليمان, إنه كان كثير الرجوع إلى الله والإنابة إليه.
إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ ( 31 )
اذكر حين عُرِضت عليه عصرًا الخيول الأصيلة السريعة، تقف على ثلاث قوائم وترفع الرابعة؛ لنجابتها وخفتها, فما زالت تُعرض عليه حتى غابت الشمس.
فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ ( 32 ) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ ( 33 )
فقال: إنني آثرت حب المال عن ذكر ربي حتى غابت الشمس عن عينيه, رُدُّوا عليَّ الخيل التي عُرضت من قبل، فشرع يمسح سوقها وأعناقها.
وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ ( 34 ) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35 ) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ( 36 )
ولقد ابتلينا سليمان وألقينا على كرسيه شق وَلَد, وُلِد له حين أقسم ليطوفنَّ على نسائه, وكلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله, ولم يقل: إن شاء الله، فطاف عليهن جميعًا، فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق ولد, ثم رجع سليمان إلى ربه وتاب، قال: رب اغفر لي ذنبي, وأعطني ملكًا عظيمًا خاصًا لا يكون مثله لأحد من البشر بعدي، إنك- سبحانك- كثير الجود والعطاء. فاستجبنا له, وذللنا الريح تجري بأمره طيِّعة مع قوتها وشدتها حيث أراد.
وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ ( 37 ) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ ( 38 ) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ( 39 )
وسخَّرنا له الشياطين يستعملهم في أعماله: فمنهم البناؤون والغوَّاصون في البحار، وآخرون, وهم مردة الشياطين, موثوقون في الأغلال. هذا المُلْك العظيم والتسخير الخاص عطاؤنا لك يا سليمان, فأعط مَن شئت وامنع مَن شئت, لا حساب عليك.
وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ ( 40 )
وإن لسليمان عندنا في الدار الآخرة لَقربةً وحسن مرجع.
وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ( 41 )
واذكر - أيها الرسول- عبدنا أيوب، حين دعا ربه أن الشيطان تسبب لي بتعب ومشقة، وألم في جسدي ومالي وأهلي.
ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ( 42 )
فقلنا له: اضرب برجلك الأرض ينبع لك منها ماء بارد، فاشرب منه, واغتسِلْ فيذهب عنك الضر والأذى.
وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لأُولِي الأَلْبَابِ ( 43 )
فكشفنا عنه ضره وأكرمناه ووهبنا له أهله من زوجة وولد, وزدناه مثلهم بنين وحفدة, كل ذلك رحمة منَّا به وإكرامًا له على صبره، وعبرة وذكرى لأصحاب العقول السليمة؛ ليعلموا أن عاقبة الصبر الفرج وكشف الضر.
وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ( 44 )
وقلنا له: خذ بيدك حُزمة شماريخ، فاضرب بها زوجك إبرارًا بيمينك، فلا تحنث؛ إذ أقسم ليضربنَّها مائة جلدة إذا شفاه الله، لـمَّا غضب عليها من أمر يسير أثناء مرضه، وكانت امرأة صالحة، فرحمها الله ورحمه بهذه الفتوى. إنا وجدنا أيوب صابرًا على البلاء، نِعم العبد هو، إنه رجَّاع إلى طاعة الله.
وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ ( 45 )
واذكر - أيها الرسول- عبادنا وأنبياءنا: إبراهيم وإسحاق ويعقوب؛ فإنهم أصحاب قوة في طاعة الله, وبصيرة في دينه.
إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ ( 46 ) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ ( 47 )
إنا خصصناهم بخاصة عظيمة, حيث جعلنا ذكرى الدار الآخرة في قلوبهم، فعملوا لها بطاعتنا, ودعوا الناس إليها, وذكَّروهم بها. وإنهم عندنا لمن الذين اخترناهم لطاعتنا, واصطفيناهم لرسالتنا.
وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الأَخْيَارِ ( 48 )
واذكر - أيها الرسول- عبادنا: إسماعيل, واليسع، وذا الكفل، بأحسن الذكر; إن كلا منهم من الأخيار الذين اختارهم الله من الخلق, واختار لهم أكمل الأحوال والصفات.
هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ ( 49 ) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ ( 50 ) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ ( 51 )
هذا القرآن ذِكْر وشرف لك - أيها الرسول- ولقومك. وإن لأهل تقوى الله وطاعته لَحسنَ مصير عندنا في جنات إقامة، مفتَّحة لهم أبوابها, متكئين فيها على الأرائك المزيَّنات, يطلبون ما يشتهون من أنواع الفواكه الكثيرة والشراب، من كل ما تشتهيه نفوسهم, وتلذه أعينهم.
وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ ( 52 )
وعندهم نساء قاصرات أبصارهن على أزواجهن متساويات في السن.
هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ ( 53 ) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ ( 54 )
هذا النعيم هو ما توعدون به- أيها المتقون- يوم القيامة, إنه لَرزقنا لكم، ليس له فناء ولا انقطاع.
هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ ( 55 ) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ ( 56 )
هذا الذي سبق وصفه للمتقين. وأما المتجاوزون الحدَّ في الكفر والمعاصي، فلهم شر مرجع ومصير, وهو النار يُعذَّبون فيها, تغمرهم من جميع جوانبهم, فبئس الفراش فراشهم.
هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ ( 57 ) وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ( 58 )
هذا العذاب ماء شديد الحرارة, وصديد سائل من أجساد أهل النار فليشربوه, ولهم عذاب آخر من هذا القبيل أصناف وألوان.
هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ ( 59 )
وعند توارد الطاغين على النار يَشْتم بعضهم بعضًا, ويقول بعضهم لبعض: هذه جماعة من أهل النار داخلة معكم, فيجيبون: لا مرحبًا بهم، ولا اتسعت منازلهم في النار, إنهم مقاسون حرَّ النار كما قاسيناها.
قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ ( 60 )
قال فوج الأتباع للطاغين: بل أنتم لا مرحبًا بكم؛ لأنكم قدَّمتم لنا سكنى النار لإضلالكم لنا في الدنيا, فبئس دار الاستقرار جهنم.
قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ ( 61 )
قال فوج الأتباع: ربنا مَن أضلَّنا في الدنيا عن الهدى فضاعِف عذابه في النار.
وَقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأَشْرَارِ ( 62 ) أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الأَبْصَارُ ( 63 )
وقال الطاغون: ما بالنا لا نرى معنا في النار رجالا كنا نعدهم في الدنيا من الأشرار الأشقياء؟ هل تحقيرنا لهم واستهزاؤنا بهم خطأ, أو أنهم معنا في النار, لكن لم تقع عليهم الأبصار؟
إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ( 64 )
إن ذلك من جدال أهل النار وخصامهم حق واقع لا مرية فيه.
قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ( 65 )
قل - أيها الرسول- لقومك: إنما أنا منذر لكم من عذاب الله أن يحل بكم; بسبب كفركم به, ليس هناك إله مستحق للعبادة إلا الله وحده, فهو المتفردُ بعظمته وأسمائه وصفاته وأفعاله, القهَّارُ الذي قهر كل شيء وغلبه.
رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ ( 66 )
مالك السموات والأرض وما بينهما العزيز في انتقامه, الغفار لذنوب مَن تاب وأناب إلى مرضاته.
قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ ( 67 ) أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ ( 68 )
قل - أيها الرسول- لقومك: إن هذا القرآن خبر عظيم النفع. أنتم عنه غافلون منصرفون, لا تعملون به.
مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلإِ الأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ ( 69 )
ليس لي علم باختصام ملائكة السماء في شأن خلق آدم, لولا تعليم الله إياي، وإيحاؤه إليَّ.
إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ( 70 )
ما يوحي الله إليَّ مِن عِلْم ما لا علم لي به إلا لأني نذير لكم من عذابه، مبيِّن لكم شرعه.
إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ ( 71 ) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ( 72 )
اذكر لهم - أيها الرسول- : حين قال ربك للملائكة: إني خالق بشرًا من طين. فإذا سوَّيت جسده وخلقه ونفخت فيه الروح، فدبت فيه الحياة, فاسجدوا له سجود تحية وإكرام, لا سجود عبادة وتعظيم؛ فالعبادة لا تكون إلا لله وحده. وقد حرَّم الله في شريعة الإسلام السجود للتحية.
فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ( 73 ) إِلا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ( 74 )
فسجد الملائكة كلهم أجمعون طاعة وامتثالا غير إبليس; فإنه لم يسجد أنَفَةً وتكبرًا، وكان من الكافرين في علم الله تعالى.
قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ ( 75 )
قال الله لإبليس: ما الذي منعك من السجود لمن أكرمتُه فخلقتُه بيديَّ؟ أستكبرت على آدم، أم كنت من المتكبرين على ربك؟ وفي الآية إثبات صفة اليدين لله تبارك وتعالى, على الوجه اللائق به سبحانه.
قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ( 76 )
قال إبليس معارضًا لربه: لم أسجد له؛ لأنني أفضل منه, حيث خلقتني من نارٍ، وخلقته من طين. ( والنار خير من الطين ) .
قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ ( 77 ) وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ( 78 )
قال الله له: فاخرج من الجنة فإنك مرجوم بالقول، مدحور ملعون, وإن عليك طردي وإبعادي إلى يوم القيامة.
قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ( 79 )
قال إبليس: ربِّ فأخِّر أجلي، ولا تهلكني إلى حين تَبعث الخلق من قبورهم.
قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ( 80 ) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ( 81 )
قال الله له: فإنك من المؤخَّرين إلى يوم الوقت المعلوم, وهو يوم النفخة الأولى عندما تموت الخلائق.
قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ( 82 ) إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ( 83 )
قال إبليس: فبعزتك- يا رب- وعظمتك لأضلنَّ بني آدم أجمعين, إلا مَن أخلصتَه منهم لعبادتك، وعصمتَه من إضلالي, فلم تجعل لي عليهم سبيلا.
قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ ( 84 ) لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ( 85 )
قال الله: فالحقُّ مني، ولا أقول إلا الحق, لأملان جهنم منك ومن ذريتك وممن تبعك من بني آدم أجمعين.
قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ( 86 )
قل - أيها الرسول- لهؤلاء المشركين من قومك: لا أطلب منكم أجرًا أو جزاءً على دعوتكم وهدايتكم, ولا أدَّعي أمرًا ليس لي, بل أتبع ما يوحى إليَّ، ولا أتكلف تخرُّصًا وافتراءً.
إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ( 87 )
ما هذا القرآن إلا تذكير للعالمين من الجن والإنس، يتذكرون به ما ينفعهم من مصالح دينهم ودنياهم.
وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ( 88 )
ولتعلمن- أيها المشركون- خبر هذا القرآن وصدقه، حين يَغْلب الإسلام، ويدخل الناس فيه أفواجًا, وكذلك حين يقع عليكم العذاب, وتنقطع عنكم الأسباب.

ديوان أبي القاسم الشابي ; كتاب + فديو

ديوان أبي القاسم الشابي ; كتاب + فديو





----------------------------------------------------
  •  عنوان الكتاب: ديوان أبي القاسم الشابي
  •  المؤلف: أبو القاسم الشابي
  •  المحقق: أحمد حسن بسج
  •  حالة الفهرسة: غير مفهرس
  •  الناشر: دار الكتب العلمية
  •  سنة النشر: 1426 - 2005
  •  عدد المجلدات: 1
  •  رقم الطبعة: 4
  •  عدد الصفحات: 184
  •  الحجم (بالميجا): 3
  •  تاريخ إضافته: 23 / 10 / 2009
  •  شوهد: 17330 مرة
  •  رابط التحميل من موقع Archive
  •  التحميل المباشر:
    الكتاب





برنامج الترجمة الآلية للغات

برنامج الترجمة الآلية للغات



التّرجمة الآليّة  هي فرع من فروع الصّناعات اللّغويّة الحاسوبيّة .وهي تتجسّد  في ترجمة نصوص أو جمل أو ألفاظ من لغة إلى لغة أخرى بوساطة برمجيات حاسوبيّة. وتصنّف الترجمة الآليّة ثلاثة أصناف حسب نسبة التدخّل البشريّ في العمليّة. فإمّا أن تكون آليّة مباشرة (Machine translation [MT])، أو آليّة بمساعدة بشريّة (Machine-aided translation [MAT])، أو بشريّة بمساعدة الحاسوب (Machine-aided human translation [MAHT]) .وتسمّى أيضا ترجمة  آليّة تفاعليّة (Interactive machine translation [IMT]).

2-   2  تاريخ الترجمة الآليّة:  من الفكرة إلى الإنجاز ومراحل التطوّر:
نظريّا، تعود فكرة التّرجمة الآليّة إلى القرن الثّامن عشر .لكنّ تاريخ التّرجمة الآليّة يبدأ فعليّا في الخمسينات،  بعد الحرب العالميّة الثّانية التّي تحقّق فيها تطوّر ملحوظ في المعالجة الآليّة للّغة نتيجة الجهود المبذولة لحلّ شفرات التّواصل بين جيوش المحور. وقبل  خوض تجارب فاشلة متتالية، كان يسود التّفاؤل .فتدفّقت التّمويلات على الباحثين، إذ جرّب أوّل برنامج على بضع جمل تُرجِمت من الرّوسيّة إلى الإنجليزيّة بنجاح نسبيّ . فقد لوحظت بعض مشكلات وعد الباحثون بحلّها في غضون بضع سنوات. وكانت هذه التّجربة تعرف بالتّرجمة الآليّة المباشرة لأنّ عمليّة التّرجمة تهمّ لغتين اثنتين محدّدتين مسبقا ولا يكون النّقل إلاّ في اتّجاه واحد (في هذه الحالة من الرّوسية إلى الإنجليزيّة). وقد تطوّر البرنامج بالفعل واستبدلت التّرجمة المباشرة بالترّجمة القائمة على تحليل قواعد النّحو في اللّغة المصدر وإعادة تشكيلها في اللّغة الهدف، إذ أصبحت برامج التّرجمة الآليّة تعتمد تحليلا مسبقا للغة المصدر على مختلف المستويات اللّسانيّة (محلّل صرفيّ وتركيبيّ ودلاليّ وتواصليّ). لكنّ التّقرير («تقرير عن حالة التّرجمة الآليّة في الولايات المتّحدة وبريطانيا العظمى») الذي قدّمه عالم اللّغة بار هلال أمام لجنة (ALPAC) سنة 1966 ثبّط العزائم: فقد خلص إلى أنّ التّرجمة الآليّة لا مستقبل لها ولا آفاق. وهكذا ظلّ المشروع  عقدا من الزّمن في شبه سبات ودونما تمويل. وتعرف مرحلة النّشأة والتّفاؤل ثمّ الإحباط  هذه بمرحلة برامج الجيل الأوّل.
وظُنّ بعد تقرير بار هلال ووقف تمويل الأبحاث أنّ  التّرجمة الآليّة قبرت نهائيّا. لكنّ العمل تواصل ولو ببطء في كثير من مخابر البحث ،  كما أنّ بذور هذا المشروع الذي نشأ في الولايات المتّحدة نبتت في أماكن أخرى منافسة كالاتّحاد السّوفييتيّ أو متحالفة كاليابان وكوريا الجنوبيّة وبخاصّة فرنسا التّي اشتهر فيها برنامج Ariane في السّنوات الثّمانين التّي ظهر فيها الجيل الثّاني من برامج التّرجمة الآليّة ذلك الذي أضأف إلى برامج الجيل الأوّل طبقة ثانية تعرف بذاكرة التّرجمة (Translation memory) هي عبارة عن تخزين مدوّنات ضخمة من النّصوص المُرَقْمنة  والمعاجم المزدوجة اللّغة وكلّ تجارب التّرجمة المتاحة قصد استحضارها عند ترجمة نصوص مشابهة أو نصوص تتناول موضوعا واحدا . ولذلك كان يطلق على هذه التّرجمة المستعانة بالأمثلة وبالذّاكرة المخزّنة ترجمة آليّة بالمثال (Example-based machine translation).
وفي منتصف التّسعينات، راجعت معظم مخابر البحث إستراتيجياتها البحثيّة .فرسمت أهدافا  أقلّ طموحا .وحدّدت مستخدمين أشدّ تخصّصا. وعرفت هذه البرامج التّرجمية ببرامج الجيل الثّالث.
يمكن أن نلخّص المراجعة التّي أجرتها مخابر البحث على برامج الجيل الثّاني لتركيز الاهتمام  على برامج الجيل الثّالث كالآتي:
    - التّخلّي نهائيّا عن فكرة ترجمة النّصوص الأدبيّة أو الفلسفيّة ذات الكثافة العالية والاقتصار على النّصوص التّداوليّة (النّصوص العلميّة والتّقنية الشفّافة التّي لا يكون موضوعها اللّغة والتي تقدّم المرجع على المعنى)، إذ اتضح أنّ  مردوديّة برامج التّرجمة الآليّة تكون فيها مرتفعة بسبب أحاديّة المعنى لقلّة البدائل المتاحة عند ترجمة جملة من الجمل.
    - الدّمج بين التّرجمة الآليّة والتّرجمة بمساعدة بشريّة من جهة والتّرجمة بالمثال من جهة ثانية لتغطية أوسع مجال ممكن.
    - توسيع ذخائر ذاكرة التّرجمة وإغناؤها  بالمدوّنات النّصّيّة الضّخمة وبالمعاجم المزدوجة اللّغة أو المتعدّدة اللّغات، وبمعاجم الأمثال والعبارات المسكوكة والتّراكيب الخاصّة.
    - جعل بنوك المعلومات مفتوحة . وهو ما يتيح للمستعمل إغناء المعاجم وذاكرة التّرجمة حسب حاجته وتوجيهها الوجهة التّي يريد.
    - الاقتصار على مجال تقنيّ أو علميّ محدّد دون غيره تكون مصطلحاته مستقرّة (كمجال المعاملات البنكيّة أو الرّصد الجوّي أو الطّيران أو صنع السّيّارات أو الهواتف المحمولة وغيرها). وبذلك يصبح كلّ برنامج ترجمة آليّة برنامجا متخصّصا في مجال محدّد مسبقا. ويسمّى هذا الصّنف من البرامج برنامجا عموديّا مقابل البرامج الأفقيّة التّي تصلح لكلّ الميادين.
   ورغم نقائص التّرجمة الآليّة ، ما فتئ   الطلب عليها من الجيل الثّالث يتزايد.  ولم يكن ذلك ليكون لولا السّياق الملائم من جهة ولولا إيجابياتها من جهة أخرى. أمّا  فيما يخصّ السّياق المساعد فإنّ تحويل وثائق المؤسّسات إلى محتوى رقميّ وشيوع المدوّنات المرقمنة  والتّوجّه نحو استخدام ملفّات قياسيّة مثل RTF وHTML التي يسهل على الآلة معالجتها قد أسهمت إلى حدّ بعيد في نجاح التّرجمة الآليّة. وأمّا إيجابياتها، فإنّها متى تقّيدت بمجال متخصّص استطاعت أن توفّر على المستعملين كثيرا من الوقت وكثيرا من المال لضعف التّكلفة الماليّة لهذه البرامج التّي أصبح بعضها مجانيّا (كمحرّك غوغل، مثلا) وكذلك بسبب حاجة الذّكاء الاقتصاديّ المتزايدة إلى المعلومات وإلى تخفيض تكاليفها.
أمّا نجاحاتها، فيكفي أن نستشهد بترجمة صفحات الإنترنات التّي تمرّ من الصّينيّة إلى العربيّة وأغلب لغات أوروبا في طرفة عين وتحافظ على تنسيق الصفحة ومحتواها.

3-   3  الترجمة الآليّة واللّغة العربيّة :    
عرفت بعض أقطار الوطن العربي التّرجمة الآليّة متأخّرا نسبيّا. وأقيمت فيها مشروعات  من هذا القبيل في كلّ من مصر والأردن وتونس والمغرب والكويت والسّعوديّة. ولا بدّ من ذكر الجهود التّي بذلتها مؤسّسة صخر الإعلاميّة وريادتها في هذا المجال خاصّة وفي مجال الصّناعات اللّغويّة عامّة. فقد وفّرت أوّل برنامج يترجم العربيّة آليّا.
لكنّ برامج التّرجمة الآليّة في الوطن العربيّ  ظلّت  عند حدود الجيل الثّاني («النّاقل العربيّ» و«المترجم العربيّ» وبرنامج «عجيب» الذي أصبح محرّك صخر، أنموذجا) ولم تواكب متطلّبات الجيل الثّالث لاختلاف السّياقات الاقتصاديّة بين الدّول العربيّة والدول الأوروبيّة.
ولم يحسن استعمالها في مجالات مختصّة لعدم الحاجة إليها اقتصاديّا (باعتبار قيمة الوقت عندنا ورغبتنا في خلق مواطن الشّغل عوض التّقليل منها) .فكانت لهذا السّبب محلّ سخرية. وأصبح النّاس يتفكّهون بضعف أدائها في ترجمة النّصوص الأدبيّة الكثيفة التّي لم توضع لها أصلا .فجمعت نوادرها في مقالات ومواقع تبيّن كيف ترجم  الحاسوب العبارة: «الكواكب السيّارة والنّجوم الطيّارة» آليّا إلى «The planets the car and the stars the plane»، مثلا. وأُعدّت  أطروحات ومذكّرات بحث تتناول نقائص التّرجمة الآليّة دون تقديم بدائل تحسّن من مردودها. فكانت تقدّم جداول يظهر فيها النصّ في لغته الأصلية مقابل ما تقترحه برامج التّرجمة الحاسوبيّة  لمقابلته بالتّرجمة البشريّة:

   
ترجمة «عجيب»

ترجمة «غوغل»

ترجمة «الناقل العربي»

ترجمة «المترجم العربي»

النص الأنجليزي
الكومبيوترات، بالطبع، غير ذكية بالدرجة، يحتاجون لأن يخبروا بالضبط ما هي أشياء، كيف هم مربوطون وكيف يتعامل معهم.

أجهزة الكمبيوتر، وبطبيعة الحال ليست بهذه الذكية، فإنها تحتاج إلى أن يقال بالضبط ما هي الأشياء، وكيف ترتبط وكيفية التعامل معهم.

كومبوتيرس، طبعا، لم يكن أنيقا إلى هذا الحد بالضبط، يحتاجون أن يبلغوا ما حاجات، كيف يرون وكيف التعامل معهم.

حاسبات بالطبع، ليست تلك الذكية؛ هم من الضروري أن يخبروا بالضبط ما أشياء، كيف هم يتعلقون وكيف يتعاملون معهم.

Computers, of course are not that smart, they need to be told exactly what things are, how are related and how to deal with them.

ترجمة بشريّة :

أمّا الحواسيب فليست على تلك الدرجة من الذكاء بالطبع وهي لا تحتاج إلى أن تحدد لها ماهية الأشياء بدقّة ولا كيف تترابط ولا كيف نتعامل معها.









وإذا كانت لهذه الأعمال من قيمة فإنّها تنحصر في مقارنة برامج التّرجمة الآليّة وتشخيص نقاط الضّعف فيها. أمّا تقصيرها ونقائصها فلم يعد من يعتقد جادّا أنّ بإمكان البرامج الإعلاميّة أخذ مكان المترجم البشريّ في يوم من الأيام، في حين يمكن استغلال مثل هذه المقارنات في ضبط مواقع الانزياح بين التّرجمة البشريّة والتّراجم الآليّة مجتمعة.
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------