النموذج المعرفي في العلوم: الثبات والتجاوز

 

مقالة فلسفية مع ذكر المنهجية المتبعة مع امتحان تجريبي لطلاب البكالوريا ;أسئلة وأجوبة : إشكالية النموذج المعرفي في العلوم (بين الثبات والتجاوز).

امتحان تجريبي في مادة الفلسفة لطلاب البكالوريا

الموضوع: إشكالية النموذج المعرفي في العلوم (بين الثبات والتجاوز)

الأسئلة:

السؤال الأول: (6 نقاط)
عرف النموذج المعرفي في العلوم مع ذكر خصائصه الأساسية.

السؤال الثاني: (8 نقاط)
"يمر النموذج المعرفي في تطوره بمرحلتين: مرحلة الثبات ومرحلة التجاوز". حلل هذه العبارة وناقشها.

السؤال الثالث: (6 نقاط)
ما دور الأزمات المعرفية في تجاوز النماذج العلمية السائدة؟ اذكر مثالاً يدعم إجابتك.

---

المقالة الفلسفية

المنهجية المتبعة:

اعتمدت في هذه المقالة على المنهج الجدلي الذي يتتبع تطور الفكرة عبر تاريخ العلم، مع الاستناد إلى أمثلة تاريخية، والموازنة بين وجهات نظر مختلفة، والربط بين الجانب النظري والتطبيقي.

العنوان: النموذج المعرفي في العلوم بين الثبات والتجاوز

مقدمة:
شكلت إشكالية النموذج المعرفي في العلوم محوراً أساسياً في فلسفة العلم المعاصرة، حيث يتعلق الأمر بفهم كيفية تطور المعرفة العلمية وآليات تغيير النظريات والمناهج. فالنموذج المعرفي ليس مجرد نظرية علمية، بل هو إطار مرجعي شامل يوجه البحث العلمي ويحدد مشاكله وأساليب حلها. وتبرز الإشكالية الرئيسية في كيفية تحقيق التوازن بين ضرورة استقرار النماذج العلمية لفترات زمنية كافية لتراكم المعرفة، وحتمية تجاوزها عندما تعجز عن تفسير الظواهر الجديدة. فكيف يمكن فهم هذه الديناميكية بين الثبات والتجاوز في النماذج المعرفية العلمية؟

التطور:
يشير مفهوم النموذج المعرفي (Paradigm) كما صاغه توماس كون إلى الإطار النظري والمنهجي الذي يتبناه المجتمع العلمي في فترة تاريخية معينة. وهذا النموذج يتضمن المفاهيم الأساسية، والمناهج البحثية، والتطبيقات التقنية، وحتى القيم والمبادئ التي توجه العمل العلمي. فالنموذج البطلمي في الفلك، والنموذج النيوتوني في الفيزياء، والنموذج الدارويني في البيولوجيا، كلها أمثلة على نماذج معرفية هيمنت على حقولها العلمية لقرون.

يتميز النموذج المعرفي بفترة من الثبات النسبي، حيث يعمل العلماء ضمن إطاره على حل الألغاز والمشكلات التي يطرحها، فيما يسمى "العلم الطبيعي". خلال هذه الفترة، يتراكم المعرفة وتتطور التطبيقات التقنية، ويشكل النموذج إطاراً متماسكاً يمنح المعنى للنشاط العلمي. وهذا الثبات ضروري لتقدم العلم، لأنه يمكن العلماء من بناء معرفة متراكمة دون الحاجة لإعادة تأسيس المبادئ الأساسية في كل بحث.

غير أن هذا الثبات لا يدوم إلى الأبد، فمع تراكم الملاحظات الشاذة والظواهر التي لا يمكن تفسيرها ضمن النموذج السائد، تدخل العلوم في مرحلة الأزمة، حيث تبدأ الثقة في النموذج القائم بالاهتزاز، وتظهر نماذج بديلة تقدم تفسيرات جديدة. وهنا يبرز دور التجاوز، حيث يحل نموذج جديد محل النموذج القديم، في ما يسمى "بالثورة العلمية". فالنموذج الكوبرنيكي تجاوز البطلمي، والنسبية تجاوزت الميكانيكا النيوتونية في تفسير الظواهر ذات السرعات العالية.

لكن تجاوز النماذج لا يعني بالضرورة إلغاءها كلياً، فغالباً ما يحتفظ النموذج الجديد بجزء من صحة النموذج القديم في نطاق محدود. فالميكانيكا النيوتونية ما زالت صالحة للتطبيقات اليومية ذات السرعات المنخفضة، رغم تجاوزها بالنسبية. وهذا يوضح أن التجاوز قد يكون تراكمياً انتقائياً وليس إلغاءً تاماً.

خاتمة:
تبين لنا أن النموذج المعرفي في العلوم يمر بحركة جدلية بين الثبات والتجاوز، حيث يمثل الثبات ضرورة لتراكم المعرفة وتطورها المنهجي، بينما يمثل التجاوز آلية التصحيح والتطوير التي تضمن تقدم العلم. وتكمن عبقرية المنظومة العلمية في قدرتها على الجمع بين الاستقرار النسبي والانفتاح على التغيير الجذري. فالعلم يتقدم من خلال هذه الديناميكية الدائمة بين تثبيت المكتسبات وتجاوز القيود، في سعي لا ينتهي نحو فهم أعمق للعالم.

---

الإجابات النموذجية:

إجابة السؤال الأول:

النموذج المعرفي في العلوم هو الإطار النظري والمنهجي الشامل الذي يتبناه المجتمع العلمي خلال فترة تاريخية معينة، ويحدد المشكلات العلمية الجديرة بالبحث وأساليب حلها. ومن خصائصه الأساسية:

1. الشمولية: فهو ليس مجرد نظرية بل نظام معرفي متكامل

2. الإلزام: يفرض على المجتمع العلمي طرق التفكير والبحث

3. التوجيه: يحدد ما هو مهم علمياً وما هو غير مهم

4. النسبية التاريخية: فهو مرتبط بسياق تاريخي معين

إجابة السؤال الثانية:

التحليل:

• مرحلة الثبات: تتميز باستقرار النموذج المعرفي وهيمنته على المجتمع العلمي، حيث يعمل العلماء على حل الألغاز ضمن إطاره (ما يسمى بالعلم الطبيعي)

• مرحلة التجاوز: تبدأ بتراكم الشذوذات التي لا يمكن تفسيرها ضمن النموذج السائد، مما يؤدي لأزمة ثم ثورة علمية يحل فيها نموذج جديد محل القديم

المناقشة:

• يؤكد توماس كون على القطيعة بين النماذج وعدم قابليتها للقياس المتبادل

• بينما يرى كارل بوبر أن التقدم العلمي تراكمي وتدريجي عبر التكذيب

• في الواقع، قد يجمع التطور العلمي بين الاستمرارية والقطيعة، حيث يحتفظ النموذج الجديد ببعض عناصر القديم

إجابة السؤال الثالث:

تلعب الأزمات المعرفية دوراً محورياً في تجاوز النماذج العلمية من خلال:

1. كشف حدود النموذج السائد وعجزه عن تفسير ظواهر جديدة

2. تحفيز ظهور أفكار ونماذج بديلة

3. تهيئة المجتمع العلمي لقبول التغيير

مثال: الأزمة التي سببها اكتشاف الأشعة السينية والنشاط الإشعاعي في نهاية القرن 19، والتي كشفت عن عجز النموذج الميكانيكي الكلاسيكي، ومهدت لظهور فيزياء الكم والنسبية.