السبت، 19 أغسطس 2017

التجربة السنغافورية في إدارة الجودة الشاملة في النظام التعليمي

التجربة السنغافورية في إدارة الجودة الشاملة في النظام التعليمي



تجربة السنغافورية في إدارة الجودة الشاملة في النظام التعليمي: 

مرت الإصلاحات في النظام التعليمي في سنغافورة بثلاث مراحل وهي : المرحلة المبدئية وذلك ما قبل الثمانينيات، يليها مرحلة التعليم المعتمدة على الاكتفاء وهي من الثمانينيات وحتى عام 1996 وليتبعها مرحلة التعليم الحالية التي تعتمد على القدرات من عام 1997 وحتى الآن.
وفي هذه المرحلة تم التحول واعتماد الاقتصاد المبني على المعرفة التي تعد أهم الأصول في العملية التعليمية كما تم اعتماد منهج قياسي نموذجي يعمل على رؤية قدرات وإمكانيات كل طفل وطالب.
وليس ذلك فحسب بل تم القيام بالعديد من مبادرات الإصلاح الرئيسية: سياسات تقسيم الطلاب في مجموعات بناءا على قدراتهم، والتحكم المركزي في مقابل إعطاء المدارس الحرية الكاملة في إدارة شؤونها، وكذلك بناء قدرات تعليمية ذات جودة عالية. 
وهذه الإصلاحات القائمة في المدارس فقط نادرًا ما تنجح بل يجب اعتماد إصلاحات النظام بأكمله. فتمر مراحل الإصلاحات بثلاث مراحل: تبدأ بتقسيم الطلاب بناءا على قدراتهم والسماح لهم بالتعلم ذاتيًا. 
وقد اتخذت الوزارات السنغافورية العديد من السياسات والإجراءات للتغيير وسمحت للعديد بالمشاركة، ففيما يتعلق بالطلاب تم السماح لمجموعات من الطلاب بالمشاركة في تصميم المناهج، كما تم تصميم مناهج خاصة للطلاب سريعي التعلم وتم اعتماد التفريق بين القدرات التعلمُية والمهارات لكل طالب ولمجموعات الطلاب.
فيما اعتمدت المرحلة الثانية على تصميم المناهج التعليمية لتقابل الاحتياجات الفكرية للطلاب والاعتماد على تفاعل الطلاب وكذلك تقديم ما يحمسهم ويثير اهتمامهم، وهذا ما يمثل المفتاح الأساسي لنجاح الإصلاحات المدرسية.
وكذلك مبادرات المدرسة، والتي منها تجهيز المدراس بكافة المعدات للعملية التعليمية، والتطوير المهني، والتأكيد على عدم التفريق بين طلاب الصف الواحد وتفضيل طلاب على آخرين بل يجب تشجيع جميع الطلاب وإثارة حماسهم للتعلم والاهتمام بالمخرجات التعليمية وكذلك تطبيق أنواع مختلفة من طرق التدريس واعتماد المدارس الإنترنت والتكنولوجيا للأبحاث المختلفة.
بالإضافة إلى ذلك تم تزويد المدارس بالمصادر الداعمة للعملية التعليمية وكيفية تطبيق المبادرات والتشريعات، كما تم الاهتمام بتهيئة المعلمين من خلال إعطائهم التدريب اللازم والاهتمام. 
ولم تغفل الإصلاحات رؤية التحكم المركزي التام في مقابل إعطاء المدارس الصلاحيات لإدارة شؤون المدرسة والنظام التعليمي فيها ذاتيًا. فبالرغم من فعالية التحكم المركزي إلا أنه مع الرغبة في الإصلاحات والتغيير والتجديد تصبح هذه العملية معيقة للتقدم ولا تخدم النتيجة المرجوة. ولذا اعتمدت عدد من المدارس تحويل ذاتها إلى مؤسسات أو شركات تجارية، حيث يتولى كل فرد فيها مسؤولية قطاع معين أو إدارة في المدرسة ويشمل ذلك وضع الخطط الاستراتيجية وتقسم الميزانية ووضع الأهداف المستقبلية وغيرها في حين يتولى مدير المدرسة منصب الرئيس التنفيذي لهذه الشركة .
وبذلك يتم إعطاء المدرسة الحوافر المالية والتشجيعية لإحداث التغيير وإحداث الإصلاح المرجو في النظام التعليمي ،بالإضافة إلى توفير مصادر مالية وأرباح لميزانية المدرسة مما من شأنه توفير الدعم للبرامج الدراسية المختلفة وتوفير فرص إضافية للتعلم خارج إطار الفصل الدراسي.
ومن الإيجابيات لاستقلالية المدارس وما أحدثته هذه العملية على النظام التعليمي، إذ دعمت العملية التعليمية بشكل أكثر انسيابية بالإضافة إلى تحقيق مديري المدارس للكثير من النتائج المرضية. 
وتم التوصل إلى النتيجة التالية وهي أن جودة أي نظام تعليمي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتفوق على جودة المعلمين، فالمعلمون هم من يحفز الطلاب ويعطيهم الدافع للتعلم.
وتميز نظام التعليم في سنغافورة بعدة سمات :
يهدف نظام التعليم في سنغافورة إلى مساعدة الطلاب على اكتشاف مواهبهم وتحقيق قدراتهم وتطوير سعيهم الدؤوب نحو تعلم مستمر , وفيما يلي نظرة عامة عن مميزات التعليم والانجازات في سنغافورة :
# تم تصنيف سنغافورة في المركز الأول في جودة نظم التعليم , وذلك في تقرير دولي شامل 2007 – 2008 م
# تم تصنيف سنغافورة كواحدة من أفضل الدول التي لديها نظم مدرسية ناجحة.
# تم تصنيف طلاب سنغافورة في القمة مع الدول المتميزة في تعليم الرياضيات والعلوم.
# تعد ازدواجية اللغة – اللغة الأم واللغة الانجليزية- أحد المعالم المهمة من معالم التعليم في سنغافورة , وسياسة التعليم مزدوج اللغة تزود الطلاب بقدرات لغوية تمكنهم من التعامل بسهولة مع الثقافة الشرقية والغربية ولتحقيق نظرة شاملة نحو الأمور.
# يعتبر نظامُ التعليم في سنغافورة واحدا من أفضل أنظمة التعليم في العالم. كما تتميز سنغافورة بنظام تعليمي متقدم، وعلى معاهد متطورة، ومكونين وأساتذة أكفاء، وتجهيزات وبنية تحتية متطورة.
في غضون عقود قليلة، حققت سنغافورة إنجازات هائلة جعلت منها دولة متقدمة. إلا أن الإنجاز الحقيقي الذي حققته هذه الجزيرة الصغيرة هو تطوير نظام تعليمي يعتبر أحدَ أرقى أنظمة التعليم في العالم بلا نزاع. حيث مكنها نظامها التعليمي من تكوين كفاءات و خبرات ساهمت في بناء اقتصاد البلد.
المعلمين هم من أهم ركائز العملية التعليمية وتبذل الدولة قصارى جهدها لدعمهم وتقدير جهودهم من أجل الحصول على تعليم ذو جودة عالية في المدارس. كما أن الدولة تساعد المعلمين على تنمية قدراتهم ومهاراتهم المهنية ليصبحوا أكثر قدرة على أداء عملهم بحرفية ويرشدوا الطلاب للطريق الصحيح. 
النموذج السنغافوري للجودة الشاملة : Singapore Total Quality ( STQM )
سمات النموذج السنغافوري للجودة الشاملة : يعتمد النموذج على شمولية الأنظمة والبرامج التعليمية داخل المؤسسة التعليمية بما يضمن نمواً فكرياً وجسدياً متكاملا للمتعلمين في مختلف المراحل, وتركز البرامج على تحقيق التوازن بين المواد الدراسية وتطوير الشخصية, والنشاطات الرياضية والثقافية.
توضح دراسة تفصيلية قام بها ( دافني بان ) بعنوان نموذج الجودة في نظم التعليم السنغافوري, أهمية العلم بوصفة مدخلا رئيسياً لمجتمع المعرفة يعتقد ( بان ) أن الكفاح طويل الأمد من أجل النجاح الاقتصادي سيكون في صلب الفصل الدراسي أكثر منه في سوق العمل لهذا لجأت سنغافورة هذا البلد الآسيوي الصغير إلى التعليم بوصفة قوة الدفع الاستراتيجية الرئيسة من خلال تبنى سياسة الجودة في التعليم ومن خلال تخصيص 3% من الناتج المحلي الإجمالي ( GDP ) أي ما يقارب 2,3 مليار دولار أمريكي في مجال تطوير التعليم واستحداث جائزة سنغافورة الوطنية للجودة عام 1994 كما تم تكثيف الجهود لأجل تحقيق الآتي :
- تنفيذ التعليم الإلزامي المجاني مع مزيد من المدارس الثانوية.
- مزيد من التركيز على تدريب المعلمين.
- استحداث سياسة الازدواج اللغوي ( الإنكليزية , واللغة الأم ) لزيادة الإنتاجية والانسجام الاجتماعي والتماسك الوطني.
- التركيز على الرياضيات والعلوم والمواد التقنية وإقامة المدارس للتدريب على الجوانب المهنية والتقنية والتجارب لتوفير قاعدة قوى عاملة لخدمة التصنيع والتصدير لاحقاً .

المعايير التي يرتكز عليها النموذج السنغافوري للجودة الشاملة -:

جرت عملية مراجعة الأسس المعمول بها او تصويبها بحيث لا يقتصر التعليم على زيادة طاقات الفرد وقدراته فقط, بل يتعدى ذلك إلى مجتمع مبدع ومفكر ومجدد للمهارات المرنة, وتم تبني إدارة جودة التعليم من خلال خطوات أساسية من أهمها :
- تزويد المجتمع بالتعليم عبر رفع كفاءة رياض الاطفال, وتأمين ما لا يقل عن 10 سنوات من التعليم الأساسي كمرحلة إجبارية.
- زيادة التمويل والحوافز التعليمية عبر كل المراحل الدراسية.
- اجتذاب المعلمين الجيدين وتعديل الرواتب.
- ضمان دخول 20 % من كل فئة عمرية إلى الجامعات و 40% إلى المعاهد التقنية وقد جاءت أرقام عام 1996 لتؤكد تحقيق الهدف حيث بلغت نسبة المنتسبين إلى الجامعة 22% بينما كانت نسبة الملتحقين بالمعاهد التقنية 38%.
- تخصيص 16,1 مليار دولار أمريكي لإيجاد مدارس ذكية, بعد أن تأكد أن تقنيات المعلومات أداة تعليمية متفوقة.
- توسيع التعليم في الدراسات العليا والعمل على جعل الجامعات السنغافورية عالمية المستوى.
- مراجعه مناهج المراحل الجامعية الأولى لضمان ملاءمتها وحداثتها.
- استحداث استراتيجيات تعليم وتعلم تتسم بالتجديد والإبداع واجتذاب الطلبة الموهوبين.
- جعل سنغافورة مركزاً للتعلم مع استقطاب مشاركة علماء بارزين وتقديم المساعدة للبلدان الأقل تطوراً في المنطقة.
- التعاون مع العمال والنقابات وأصحاب العمل لتوفير التدريب المناسب ورفع الكفاءة إذا كانت الجودة تعني الملائمة للهدف فإنها تدل في نفس الوقت على التفوق والمستوى العالي.
- فالتعليم المتصف بالجودة هو التعليم الفاعل والمتميز بالكفاءة والجدير بالتقدير.
أما على مستوى النتائج الواقعية فقد كانت تجربة التعليم في سنغافورة مميزة على أكثر من صعيد حيث يتفوق الطلبة السنغافوريون في أدائهم على المستويات الوطنية وينظر إلى التعليم بكل تقدير واحترام على كافة المستويات. فقد احتلت جامعة سنغافورة الوطنية المرتبة الثانية بين أفضل خمسين جامعة في آسيا وقد أصبحت مقاييس التعليم في سنغافورة مستقرة وراسخة إلى درجة أن جامعة كاليفورنيا الأمريكية قد قدرت استخدامها في تقويم مناهجها لمادة الرياضيات , كما احتل الطلاب السنغافوريين المرتبة الأولى بين 45 دولة في دراسة الرياضيات والعلوم التي ترعاها الرابطة الدولية لتقويم التطوير التربوي كما يفوز السنغافوريون سنوياً بالأولمبياد الدولي للرياضيات والكيمياء والفيزياء , وبعد ذلك فقد تبنت سنغافورة ثلاث أولويات لنظام التعليم بالجودة هي, تطوير المهارات الفكرية وتعزيزها, واستغلال تقنيات المعلومات في التعليم والتعلم , إضافة إلى التعليم الوطني, جرت عملية مراجعة لهذه الأسس وتصويبها بحيث لا يقتصر التعليم على زيادة طاقات الفرد وقدراته , بل يتعدى ذلك إلى مجتمع مبدع ومفكر ومجدد مع مهارات مرنة في كل مستوى من المستويات.
ويمتاز نموذج الإدارة في سنغافورة باعتناقه وتطبيقه للشعارات الآتية -:

- تقدم خدمة ذات جودة بطريقة سريعة وفعالة وودودة.
- تلتزم بمعايير عالية من الحرفية والنزاهة والاخلاق.
- نبذل قصارى جهدنا لمساعدة العملاء وتلبية احتياجاتهم.
- يعد احترام العاملين المطلب الأول لتحقيق الخدمة القائمة وتعبير عن الالتزام الصدق.
- يعد التغيير أمراً أساسياً للحفاظ على القدرات التنافسية الدولية لدولة سنغافورة في الاقتصاد العالمي وتحسينها المستمر وتدفعنا روح التميز ان نكون الأفضل في كل ما نفعله.
- وفيما يخص التنمية البشرية:
- تقدر العاملين وتزيد من قدراتهم خلال التدريب والتشجيع على التطور المستمر وتضع على عاتق العاملين مسؤليات صعبة ومهمة وتتوقع منهم أن يتحلوا بالالتزام وحسن التصرف والقدرة على أخذ زمام المبادرة, ونوفر لهم الأدوات والموارد والبيئة المناسبة للقيام بالعمل على أكمل وجه.
- تطلب من العاملين لديها أن يعملوا بطريقة جيدة مع الأخرين, ولا نستطيع ان نضع وننفذ خططاً سليمة بطريقة فعالة إلا إذا عملت مستويات مختلفة من الناس ذوي قدرات متنوعة عن كثب مع بعضها البعض.
والدولة وسياسات المنهج الموجه نحو القوى العاملة التأكد من أن المدرسة لديها المهارات اللازمة لتلبي احتياجات سوق العمل وقد وضعت بنية تعليم تستجيب للهدف العام وكان لتحفيز السنغافوريين اكتساب معارف جديده باستمرار, وتعلم المهارات الجديدة, والحصول على مستويات أعلى من محو أمية التكنولوجيا, وتنمية روح الابتكار, وتجديد المسارات الوظيفية للمعلمين وتعليم التفكير الابداعي , والأخذ باستراتيجيات التعلم التعاوني مؤكدا التربية الوطنية ( أو المواطنة ) مما يجعل استخدام مزيد من التكنولوجيا الجديده في التدريس والتعلم , وإعطاء المدارس المزيد من الموارد واستقلالية أكبر .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق