الثلاثاء، 7 فبراير 2017

دور ابن الهيثم في البحث العلمي

دور ابن الهيثم في البحث العلمي 
هو أبو علي محمَّد بن الحسن بن الحسين البَصري نسبةً إلى مدينة البَصرة في جنوبِي العراق، حيث وُلِد فيها، سنة 354 هـ/965 م على الأرجح، وأخذَ علومُه الأولى في مَجالس شيوخها. وقد انتقلَ إلى مصر حيث أقام في القاهِرة حتَّى وفاته. وذكرته معظمُ المصادر باسم الحسن بن الهيثم شيخ البصرة ومُهندِسها، كما عُرف في أوربا بلفظ Al Hazen.
ابنُ الهيثم عالمٌ مَوسوعي برزَ في علوم البصريَّات والفيزياء والهندسة وعلم الأعداد والحساب والفلك والفلسفة والمنطق والطبِّ، وله مصنَّفات في كلِّ هذه العلوم. وصَفه ابن أبِي أُصَيبِعة في كتابه عيون الأنباء في طبقات الأطبَّاء بقَوله "كان ابنُ الهيثم فاضلَ النَّفس، قويَّ الذَّكاء، مُتفنِّناً في العلوم، لم يُماثِله أحدٌ من أهل زمانه في العلم الرياضي، ولا يقرب منه؛ وكان دائمَ الاشتِغال، كثيرَ التَّصنيف، وافرَ التزهُّد".
أحبَّ ابنُ الهيثم الترحالَ والسَّفر طلباً للاستزادة في العلم والتزوُّد بأخبار العِلم والعلماء، فقد زار بلادَ فارس والأهواز والشَّام ومصر، واستقرَّ المُقامُ به في القاهرة، وتُوفِّيَ فيها كما ذكرنا. وقد درس الطبَّ في دمشق على مشاهير العلماء، من أمثال مهذَّب الدين الدِّخوار، قبل أن يرتحلَ إلى مصر.
وتقول معظمُ المصادر: إنَّ الحاكم بأمر الله، المتوفَّى سنة 411 هـ/1021 م، استقبلَ ابنَ الهيثم خارِج القاهرة في ضاحية لها تُدعى الخندق تَقديراً له، وصحبه إلى منـزلٍ خَصَّصه لسكنه من أملاكه، وزوَّده بكلِّ ما يلزمه من رعاية وحراسة ومَعاش.
وضع ابنُ الهيثم أسسَ البحث العلمي وقواعده، وطبَّقها وسارَ على خُطاها في كلِّ أبحاثه وتجاربه ونظريَّاته، وفي ذلك يقول: "ابتدأتُ في البحث واستقراء الموجودات وتصفُّح أحوال المبصرات وتَمييز خواص الجزئيَّات، والتقطتُ باستقراء ما يخصُّ البصرَ في حال الإبصار، وما هو مطَّرد ولا يتغيَّر وظاهرٌ لا يشتبه في كيفية الإحساس، ثمَّ ارتقيتُ في البحث والمقاييس على التدرُّج والترتيب، مع انتقاد المقدِّمات والتحفُّظ بالنتائج ... ثمَّ أخذتُ بالتمثيل أي التَّطبيق". وبذلك يكون ابن الهيثم قد سبق فرانسوا بيكون Francis Bacon بقُرون في وضع قَواعِد البحث العلمي.
نبغ ابنُ الهيثم في علم البصريات وطوَّره تطويراً جذرياً، ويعدُّ كتابُه المناظِر ثورةً في عالم البصريَّات، فهو لم يَتبنَّ نظريَّاتِ كلاوديس بطليموس Claudius Ptolemy ليشرحها ويُجري عليها بعضَ التَّعديل، بل رفض عَدداً من نظريَّاته في علم الضَّوء، بعدما توصَّلَ إلى نظريَّاتٍ جَديدة أصبحت نواةَ علم البصريَّات الحديث؛ ومن أهمِّ الآراء الواردة في كتابه: "وليس شُعاعاً يغادر العينَ هو الذي يسبِّب الرؤية". وقد وردَ في الموسوعة البريطانيَّة: "أنَّ ابنَ الهيثم كتبَ في تشريح العين وفي وظيفة كلِّ قسم، كما بيَّن كيف ننظر إلى الأشياء بالعينين في آنٍ واحد، وأنَّ الأشعَّةَ من النور تسير من الجسم المرئي إلى العينين، ومن ذلك تقع صورتان على الشَّبكية في مَحلَّين متماثلين».

كما بحث في قوَّة التكبير في العدسات ممَّا جعله المبدعَ الرَّائد لفكرة أوَّل نظَّارة في العالم، والممهِّد الأوَّل الذي ساعدت بحوثُه البصرية على إصلاح عيوب الإبصار في العين وتعديلها.
ابنُ الهيثم هو أوَّل من درس عدسةَ العين وأقسامها وتشريحها، ورَسَمَها وأطلقَ عليها أسماء أخذها الغرب، أو ترجمها إلى مختلف لغاته، منها: القرنيةُ Cornea والخلطُ الزُّجاجي Vitreous Humour والشَّبكية Retina والخلطُ المائي Aqueous Humour. وهو أوَّل من وضع مبدأَ آلـة التَّصوير أو الكاميرا. كما وضعَ قوانين الانعكاس والانعطاف وغيرها، وأوجد تَعليلاً لانكسار الضَّوء الذي يحدث عن طريق الأوساط، كالهواء والماء والزُّجاج. ووضع ابنُ الهيثم قانونَ الارتداد الذي كان له أثرٌ ميكانيكي رائع في تقدُّم هذا العلم في أوروبَّا، وبذلك يكون قد سبق إسحاق نيوتن Isaac Newton في تعليل انعكاس الضَّوء من وجهة نظر ميكانيكيَّة.
لقد تحدَّثَ ابنُ الهيثم بشكلٍ علمي، لم يسبقه إليه أحد، عن ظاهرتَي خسوف القمر وكسوف الشَّمس، وتوصَّل إلى أنَّ القمرَ ـ من دون الأجرام السَّماوية الأخرى ـ يستمدُّ نورَه من ضوء الشمس، ولا يضيء بذاته، وبذلك توصَّل إلى ظاهرة التظليل، وكتبَ عن طبيعتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق