كلمة معالي وزيرة التربية الوطنية في افتتاح الجامعة الصيفية الثالثة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين
بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
سيدي رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين،
أيها الحضور الكريم،
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد،
اعتبارا لنبل الموروث الذي تركه لكم الآباء المؤسسون لجمعيتكم و نظرا لأهمية دوركم في المجتمع الجزائري، أتشرف بالمشاركة في أعمالكم عن طريق هاته المداخلة.
كما أحي الاهتمام الذي تعيرونه للمسائل المتعلقة بالمدرسة، لاسيما حرصكم على مستقبل المنظومة التربوية. لقد قمتم مؤخرا بتقديم حصيلة باهتة حول الوضعية التي توجد عليها المدرسة الجزائرية، وهي الحصيلة التي تنسجم على العموم مع معاينة فخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة في بداية عهدته الرئاسية الأولى سنة 2001.
وعليه، و من أجل استرجاع المدرسة الجزائرية لرسالتها النبيلة، بادر فخامة رئيس الجمهورية بإصلاح المدرسة والنظام التربوي في شموليته. ففي رسالة المهمة التي وجهها فخامة رئيس الجمهورية لأعضاء اللجنة الوطنية لإصلاح المنظومة التربوية، حدد فيها توجيهات من أجل تجسيد رغبة الشعب بأكمله في بناء مدرسة جزائرية ذات جودة. و أثناء اجتماع مجلس الوزراء في سنة 2002، أسدى فخامته تعليمات لوزارة التربية الوطنية بتطبيق مجموعة من التدابير وعددها 52. و من هنا انطلق إصلاح المنظومة التربوية بصفة فعلية في سبتمبر 2003.
في سنة 2008، صادق البرلمان بغرفتيه، المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة، على القانون التوجيهي للتربية الذي يجسد السياسة التربوية لبلادنا وكلف رسميا وزير التربية الوطنية بتطبيقه.
في يوليو 2015، عقدت الندوة الوطنية لتقييم مدى تنفيذ إصلاح المنظومة التربوية، بعد استشارة واسعة في وسط الجماعة التربوية والجامعية وتحت الرعاية السامية لفخامة رئيس الجمهورية، ساهم فيها ما لا يقل عن 1000 مشارك جزائري من خبراء وجامعيين ومفتشين وأساتذة
ونقابيين وأولياء التلاميذ في ورشات عمل ذات مواضيع مختلفة، و في مناقشات الجلسات العامة، حيث شاركت جمعيتكم بصفة فعالة و فاعلة. وتمحورت أغلبية التوصيات حول: التحوير البيداغوجي، الحوكمة الرشيدة والاحترافية لموظفي قطاع التربية الوطنية بالتكوين.
سيدي الرئيس، أيها الحضور الكريم
إن المعاينة التي تمت في 2016 وحتى في 2015، كان ينبغي أن تتم قبل هذين التاريخين لتفادي تفاقم الاختلالات التي أشير إليها خلال الندوة الوطنية ليوليو 2015. ورغم هذا التأخر المؤسف، فإن وزارة التربية الوطنية ملزمة بالرجوع إلى دستور بلادنا وإلى القانون التوجيهي للتربية الصادر بتاريخ 23 يناير 2008، قصد تجسيد توصيات الندوة الوطنية التقييمية.
إن وزارة التربية الوطنية لم تمس بجوهر الثوابت الوطنية في كل وثائقها الرسمية، سواء في الوثائق المرجعية للجنة الوطنية للبرامج (CNP) (المرجعية العامة للبرامج و الدليل المنهجي) أو في المناهج التعليمية، وفي الكتب المدرسية أو في المناشير الوزارية والتعليمات التطبيقية. وفضلا عن ذلك، فإن البرامج التعليمية الجديدة والكتب المدرسية ركزت أكثر على الجانب القيمي وأبرزت مكونات الهوية الوطنية الجزائرية و التراث الثقافي الوطني. على المستوى المنهجي، فإن المقاربة المعتمدة تستند على سياق اجتماعي بنّائي ينطلق من الواقع الجزائري الهادف إلى الوحدة الوطنية ومرجعياته الوطنية ووحدته الترابية. وقصد مواكبة تغيرات العالم وانجذاب أطفالنا لتكنولوجيات الإعلام الاتصال، التي هي جزء من الاستراتيجيات العالمية التي تعمل على طمس ثقافتنا وهويتنا الوطنية، يجب على المدرسة أن تحمي أطفالنا من خلال تكوين فكر يقظ وناقد لديهم يسمح لهم بتحليل الشكل وجمالياته والمحتويات وأهدافها. في هذا السياق نحن كلنا متأخرون لأن التكنولوجيات والابتكارات تسير بسرعة فائقة… ولهذا فإننا متواجدون جميعا في نفس الخندق. في هاته الرؤية، يجب أن تتغلب و تطغى آراء الخبراء والمختصين لإعطاء حياة وديناميكية لهذه الثوابت التي تهيكل الحاضر ومخياله.
إن مهمة المدرسة تتمثل في غرس القيم التي جعلت الجزائر دولة عظيمة منذ العصور القديمة إلى غاية الألفية الثالثة. والوسيلة الوحيدة للوصول إلى الديمومة وضمان الاستمرارية في اكتساب العلوم والتكنولوجيا والفكر العلمي على غرار العلماء السابقين من مختلف الاختصاصات والمناطق (بجاية، تيارت، ميلة، تلمسان، الجزائر، قسنطينة، الأغواط …)
ولهذا، ورغم شرعية تخوفكم بخصوص ثوابت المدرسة الجزائرية فإننا نرى بأنه لامجال له. وأؤكد لكم بأن انشغالنا الرئيسي يكمن في التحسين على مستويين: على مستوى الممارسة البيداغوجية لأساتذتنا وعلى مستوى طرق وبرامج التعليم، ضمن الأشكال الجديدة للتعلمات وفي الإطار الرسمي للمدرسة ولكن كذلك في محيط رقمي وافتراضي أكثر جاذبية، وهذا ما يتطلب عدم الافراط في الحذر ولا التفريط فيه.
على هذا المستوى تتمركز التغيرات التي ينبغي القيام بها، كما تم تصميمها وتطويرها من قبل خبراء جزائريين، بعيدا عن أي تدخل أجنبي كما يشاع هنا وهناك من قبل بعض الدوائر وأنصار الجمود.
إني مثلكم جد مرتبطة و حريصة على غرس هوية شعبنا، و قيمه الوطنية والعالمية تحت السلطة العليا لفخامة رئيس الجمهورية وتحت واجب الالتزام باحترام دستورنا، وأبقى مقتنعة بأن اللغة العربية والتربية الإسلامية واللغة والثقافة الأمازيغية وتاريخ آلاف السنين لبلدنا العزيز تعد أغلى شيئ لدى كل المواطنين الجزائريين. فالانسجام الذي ساد بين هذه المكونات للشخصية الجزائرية على مر القرون قد شكل جزائريتنا (Algérianité – Thadzayrith -)، هذا الشعور بالفخر قولب وطنيتنا. ومن أجل ترقية جزائريتنا في قلوب أطفالنا و فكرهم، تتعاون وزارة التربية الوطنية مند 2015 بشكل وثيق مع وزارة الشؤون الدينية ووزارة الثقافة ووزارة المجاهدين والمحافظة السامية للأمازيغية. في هذا الإطار، قامت وزارة التربية الوطنية بتقديم الشبكة المفاهيمية للبرامج التعليمية للتربية الإسلامية لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، وهي الهيئة المختصة في هذا الشأن، قصد إبداء الرأي العلمي حول محتواها و ليس لإبداء الرأي بشأن المقاربات و الطرق البيداغوجية التي تبقى من اختصاص دائرتنا الوزارية.
أما بشأن تحوير امتحان شهادة البكالوريا، فالقرار المناسب في هذا الموضوع يعود بالدرجة الأولى للحكومة الجزائرية. أحيطكم علما أن وزارة التربية الوطنية ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي متفقتان تماما بشأن هذا الملف. من جهة أخرى فقد تم إشراك شركائنا الاجتماعيين في إعداد ست (06) فرضيات عمل قدمت إحداها للحكومة للفصل و اتخاذ القرار المناسب وهي التي لقيت الإجماع من طرف شركائنا. أما فيما يخص المواد المدرسة فتبقى كما هي، سواء من حيث البناء والهيكلة أو من حيث تقييمها في الامتحانات الرسمية. نذكّر أن التربية الإسلامية واللغة العربية معنيتان بالاختبارات الكتابية لامتحان شهادة البكالوريا، يبقى فقط تنظيم و سير الامتحان وحدهما موضوع النقاش حاليا.
أما فيما يتعلق بانتقادكم لمؤسسات التربية والتعليم الخاصة، فإننا نرى أنه صحيح ووجيه. فلدينا في هذا الشأن أيضا تأخر في المعاينة، وهذه الإختلالات قائمة مند أكثر من عشر(10) سنوات. وعليه، قررنا إعادة النظر كلية في دفتر الشروط لتكييفه، من الآن فصاعدا، مع المتطلبات البيداغوجية والبرمجية التي تسيّر المدرسة العمومية. وبهذه الطريقة، سيتم الحفاظ على التماسك الثقافي في وسط العائلات الجزائرية و تحقيق المساواة بين جميع تلاميذ هذا الوطن.
سيدي الرئيس، أيها الحضور الكريم،
أحيي فيكم يا أجدر ورثة عبد الحميد ابن باديس ابن زيري الصنهاجي، و الذي كان في وقته المرشد الروحي للوطنية الجزائرية. ألم يكن هو الرائد في إنشاء المدارس الحرة لتربية النشء بنينا وبناتا والتفتح على العلوم وعلى اللغات الأجنبية ؟
فمن واجب الوفاء للشهداء و كذا الالتزام الأعلى للدين تجاه أبنائنا وأحفادنا، أناشد الجماعة التربوية بأكملها، ونخب المجتمع المهتمة بقضايا المدرسة للانضمام لهذا المجهود الجماعي الرامي إلى رفع التحدي الحضاري لمدرسة جزائرية ذات جودة.
أتمنى لكم كل النجاح لأشغالكم، وتبقى الإطارات العليا التي فوضتها مستعدة كامل الاستعداد لتزويدكم بكل التوضيحات المرغوبة.
وفقكم الله جميعا والسلام عليكم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق