الاثنين، 4 يوليو 2016

فضائل المدينة المنورة

فضائل المدينة المنورة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وأصحابه الغرّ الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين...
مدينة اختارها الله تعالى لتكون مهاجراً وموطناً ومضجعاً لنبيّه الكريم صلى الله عليه وسلم وحبّبها إليه وإلى أصحابه الكرام... وشرّفها الله تعالى ورسوله  صلى الله عليه وسلم بفضائل عظيمة تناولنا بعضها في هذه الرسالة ترغيباً وتشويقاً لزوّار «المدينة المنوّرة».
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
مدخل صدق
لما ائتمر أهل مكة برسول الله صلى الله عليه وسلم  ليقتلوه أو يخرجوه أو يوثقوه، فأراد الله تعالى قتال أهل مكة، أمره أن يخرج إلى المدينة. وهذا القول هو أشهر الأقوال في تفسير قوله تعالى:﴿ وقل ربِّ أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا   ﴾ [الإسراء: ٨٠].
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم  بمكة، ثم أُمر بالهجرة، فنزلت عليه: ﴿ وقل ربِّ أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا  ﴾ رواه أحمد والترمذي والحاكم – وصححاه – والبيهقي وغيرهم.
المدينة النبوية حرم كما هو الحال في مكة المكرمة
لقد جعل الله تعالى المدينة النبوية حرماً، كما هو الحال في الحرم المكي، والنصوص في هذا المعنى كثيرة جداً. بلغت حد التواتر.
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: ما عندنا شيء إلا كتابُ الله، وهذه الصحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم : «المدينةُ حرم ما بين عائرٍ إلى كذا، من أحدث فيها حدثاً، أو آوى مُحدثاً فعليهِ لعنةُ اللهِ والملائكة والناس أجمعين، لا يُقبلُ منه صَرفٌ ولا عدل...» الحديث متفق عليه واللفظ للبخاري.
وفي رواية مسلم: المدينة حرم ما بين عير إلى ثور...».
وعن عبد الله بن زيدٍ المازنيِّ رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «إن إبراهيم حرَّم مكة، ودعا لأهلها، وإني حرّمت المدينة كما حرَّم إبراهيم مكة، وإني دعوت في صاعها ومدها بمثلَيْ ما دعا به إبراهيم لأهل مكة» متفق عليه واللفظ لمسلم.
المدينة حرم آمن
لقد جعل الله تعالى مدينةَ الرسول صلى الله عليه وسلم حَرَماً آمناً، يطمئن أهلُه، لا يجوز إخافتُهم ولا إذعارُهم.
عن سهل بن حُنيف رضي الله عنه قال: أهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى المدينة، فقال: «إنها حرم آمن» رواه مسلم.
ورواه أحمد والطبراني – برجال الصحيح – بلفظ «إنها حرامٌ آمِن، إنها حرامٌ آمِن».
أسماؤها
هي المدينة
لقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه البلدة المباركة، بعد حلوله صلى الله عليه وسلم  بها المدينةَ، فصارت علماً على مدينته صلى الله عليه وسلم
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أُمرتُ بقرية تأكل القرى، يقولون: يثرب، وهي المدينة، تنفي الناس، كما ينفي الكير خبث الحديد» متفق عليه.
اسمها طيبة وطابة
وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم  المدينةَ: طيبة، وطابة. وسميت بذلك اشتقاقاً من الشيء الطَّيِّب، وقيل: لطهارة تُربتها، وقيل: لطِيبها لساكنها، وقيل: من طِيب العيش بها...
عن أَبي حُميدٍ الساعديِّ رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  في غزوة تبوك – وساق الحديث – وفيه: ثم أقبلنا، حتى قدمنا وادي القرى – فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم  :
«إني مسرع، فمن شاء منكم فليسرع معي، ومن شاء فليمكث، فخرجنا، حتى أشرفنا على المدينة، فقال: هذه طابة، وهذا أُحُدٌ، وهو جبل يحبّنا ونحبّه» متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وعن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم   في قصة حديثِ الجسَّاسَةِ (الدجَّال) وفي آخره: «قال: - أي الدَّجال - :
وإني مخبركم عني، إني أنا المسيحُ، وإني أوشك أن يُؤذن لي في الخروج، فأخرج، فأسيرُ في الأرض، فلا أدع قريةً إلا هبطتُها في أربعينَ ليلةً، غير مكة وطيبة، فهما محرّمتان عليَّ كلتاهما، كلما أردت أن أدخلَ واحدةً – أو واحداً منهما – استقبلني مَلَكٌ بيده السيفُ صَلتاً، يصدني عنها. وإنَّ على كل نقب منها ملائكة يحرسونها».
قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم  : - وطعن بمخصَرَتِه في المنبر -: «هذه طَيْبَة – هذه طَيْبَة، هذه طَيْبَة...» رواه مسلم.
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: لا يُعرف في البلاد أكثر أسماء منها، ومن مكة.
وقال المناوي رحمه الله: لها نحو مائة اسم. اهـ.
قال الشيخ خليل ملا خاطر: بل أزيد.
وذكر ابن حجر المكي رحمه الله، أن بعض المتأخرين ذكر أن أسماءها تقاربُ الألف.
وقد ذكر عددٌ من العلماء والمؤلفين أسماء المدينة، منهم المقل المقتصر، ومنهم المكثر المستوعب ومنها:-
أثرب،  أرض الله، أرض الهجرة، أكَّالة البلدان، أكَّالة القرى، الإيمان، البارَّة، البرَّة، البَحْرَة، البُحيرة، البَحيرة، بلد رسول الله صلى الله عليه وسلم
البلد، البلاط، بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ، تندد، تندر، الجابرة، جَبار، الجبَّارة، جزيرة العرب، الجُنَّة، الحبرة، الحبيبة، الحَرَم، حرم الرسول صلى الله عليه وسلم  ، حسنة، الحصينة، الخيْر، الخيِّرة، الخِيْرَة، الدار
دار الأبرار، دار الأخيار، دار أرض الهجرة، دار الإِيمان، دار السلام، دار السلامة، دار السُّنَّة، دار الفتح، دار المختار، دار الهجرة، الدرع الحصينة، ذات الحُجَر، ذات الحرار، ذات النخل، الرحمة، السَّلِقة، سيدة البلدان
الشافية، طابة، طائب، طِبابا، طَيْبة، طَيِّبَة، ظَباب، العاصمة، العذراء، العَرَّاء، العروض، الغرَّاء، غَلَبة، الفاصمة، الفاضحة، القاصمة، قبة الإِسلام، القدسية، القرية، قرية الأنصار، قرية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلب الإِيمان
مبوأ الحلال والحرام، المباركة، مبين الحلال والحرام، المجبورة، المجنة، المُحَبِّة، المحبَّبَة، المحبوبة، المحرمة، المحبورة، المحروسة، المحفوظة، المحفوفة، المختارة، مدخل صدق، المدينة، مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم ،المدينة المنورة، المدينة النبوية، مدينة الإِيمان، المدينة المشرفة
المرحومة، المرزوقة، المسكينة، المسلمة، المشكورة، مضجع الرسول صلى الله عليه وسلم ، المطيَّبة، المقدسة، المَقَر، المكَّتان، المكينة، المؤمنة، مهاجَر الرسول صلى الله عليه وسلم الموطن، الموفِّية، الناجية، النافية، النحر، نَبْلاء، الهذراء، يَنْدَد، يَنْدَر.
قال الشيخ خليل ملا خاطر:
فهذه أسماؤها، زادت على مائة اسم، وبعضها يتداخل في بعض، والله تعالى أعلم.
النهي عن مناداتها بيثرب
لقد كان يقال للمدينة قبل مجيء رسولِ الله صلى الله عليه وسلم  إليها: يثرب، فلما جاء صلى الله عليه وسلم  إليها سمّاها المدينةَ، وطيبةَ، وطابةَ – كما مرَّ – ونهى عن تسميتها يثرب.
عن البراءِ بنِ عازِبٍ رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سمى المدينةَ يثربَ، فليستغفرِ الله عز وجل، هي طابة، هي طابة». رواه أحمد وأبو يعلى، وابن شبة ورجاله ثقات.
وأما تسميتها في القرآن يثرب، فإنما هو حكايةٌ عن قول المنافقين، والذين في قلوبهم مرض وذلك كما في قوله تعالى: ﴿ وإذ يقول المنفقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ، وإذ قلت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستئْذن فربق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا) [الأحزاب: ١٢ - ١٣].
اختارها الله تعالى لتكون مهاجَراً لنبيه صلى الله عليه وسلم
فعن جريرِ بنِ عبد الله رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال:
«إن الله تعالى أوحى إليَّ: أي هؤلاء البلاد الثلاث نزلت فهي دار هجرتك: المدينة، أو البحرين، أو قنسرين» رواه الترمذي، والحاكم وصححه، وأقره الذهبي، والطبراني والبيهقي.
قال البيهقي رحمه الله: ثم قال أهل العلم: ثم عزم له على المدينة، فأمر أصحابَه بالهجرة إليها.
فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رأيتُ في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرضٍ بها نخل، فذهب وَهْلي إلى أنها اليمامةُ أو هَجَر، فإذا هي المدينة يثرب...» الحديث متفق عليه.
الأرض التي دُفن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن مطر بن عُكامِس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قضى الله لعبدٍ أن يموت بأرضٍ جعل له إليها حاجة» رواه الترمذي – وحسّنه – وأحمد، والحاكم – وصححه، وأقره الذهبي – والطيالسي.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: لمّا اختلفوا في دفن النبي صلى الله عليه وسلم  حين قُبض، قال أبو بكر رضي الله عنه: سمعت النبيَّ  صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يقبض النبي إلا في أحبِّ الأمكنة إليه» فقال: ادفنوه حيث قُبض. لفظ أبي يعلى.
وفي لفظ الترمذي: فقال أبو بكر: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً ما نسيته، قال: «ما قبض الله نبياً إلا في الموضع الذي يُحب أن يدفن فيه» ادفنوه في موضع فراشه.
الإيمان يأرز إليها
إن من إكرام الله تعالى لهذه البلدةِ الطاهرةِ أنه كما جعل الإيمانَ انتشر فيها ومنها إلى أقطار الأرض، فإنه يعود إليها، وينجمع فيها، وكلما ضعف في نفوسِ الخلق عاد إليها ليتجدد.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «إِنَّ الإِيمانَ لَيَأْرِزُ إلى المدينة كما تَأْرِزُ الحيةُ إلى جُحْرها» متفق عليه.
وقد ورد «الإِيمان يأرز بين المسجدين» وهما المدينة ومكة. ولا شك أن المدينة داخلة فيه.
فعن عبد الله بنِ عُمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «إن الإسلام بدأ غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، وهو يأرِزُ بين المسجدين، كما تَأْرِزُ الحيةُ في جُحْرها» رواه مسلم.
وعن عبد الله بنِ عَمرو رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ الإِيمانَ لَيَخْلَقُ في جوفِ أحدكم كما يَخْلق الثوبُ الخَلِقُ، فاسألوا الله أن يجدد الإِيمانَ في قلوبكم».
رواه الحاكم والطبراني في الكبير ورجاله ثقات وأقره الذهبي، وحسّنه العراقي، والهيثمي.
والثوب الخَلِق: هو الثوب البالي.
دعاؤه  صلى الله عليه وسلم في تحبيب المدينة، ووقوع محبتها عنده

مما يدل على فضل هذه البلدة الطاهرة الفاضلة الكريمة المقدسة، أن دعا النبي صلى الله عليه وسلم  أن تُحبَّبَ إليهم أشدّ من محبتهم لمكة، أو كمحبة مكة. وقد استجاب الله تعالى دعاءه صلى الله عليه وسلم ، حتى صار صلى الله عليه وسلم  يحبها جداً، وظهر هذا الحبُّ منه صلى الله عليه وسلم لها واضحاً في كثير من أفعاله وأحواله.

عن أبي قتادة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  توضأ، ثم صلى بأرضِ سعدٍ بأصل الحَرَّةِ، عند بيوت السُّقْيا، ثم قال:
 
«اللهم إن إبراهيمَ خليلُك وعبدُك ونبيُّك، دعاك لأهل مكة، وأنا محمدٌ عبدُك ونبيُّك ورسولُك أدعوك لأهل المدينة مثلَ ما دعاك به إبراهيمُ لأهل مكةَ، ندعوك أن تباركَ لهم في صاعِهم ومُدِّهم وثمارِهم، اللهم حبِّبْ إلينا المدينةَ كما حبَّبْتَ إلينا مكةَ، واجعلِ ما بها من وباءٍ بخُمٍّ، اللهم إني قد حرّمتُ ما بين لابتيها كما حَرَّمْتَ على لسان إبراهيمَ الحرم».
رواه أحمد والجندي والروياني وسعيد ابن منصور برجال الصحيح.
إسراعه صلى الله عليه وسلم إذا قدم إليه
فمن مظاهر محبته صلى الله عليه وسلم للمدينة: أنه إذا كان مسافراً؛ ثم قدم عليها أسرع نحوها.
وقد مرَّ حديث أبي حُميدٍ الساعدي رضي الله عنه، وفيه «إني مسرع...».
وعن أنسٍ رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم من سفر، فنظر إلى جُدُراتِ المدينةِ، أوضعَ راحلَته، وإن كان على دابةٍ حرَّكها، من حبها» رواه البخاري.
دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لها بمثل ما دعا إبراهيم عليه السلام لمكة
عن عبد الله بنِ زيدٍ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ إبراهيمَ حرَّمَ مكةَ، ودعا لها، وحرّمتُ المدينةَ كما حرَّمَ إبراهيمُ مكةَ، ودعوتُ لها في مُدِّها وصاعِها، مثلَ ما دعا إبراهيمُ عليه السلام لمكة». متفق عليه.
الدعاء للمدينة بالبركة في أرزاقها
عن السيدة عائشةَ رضي الله عنها قالت: قدمنا المدينةَ، وهي وَبيئَةٌ، فاشتكى أبو بكر، واشتكى بلال، فلما رأى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم  شكوى أصحابه قال: «اللهم حبِّب إلينا المدينةَ، كما حبَّبْتَ إلينا مكةَ أو أشد، وصححها، وبارك لنا في صاعِها ومُدِّها، وحوِّل حُمَّاها إلى الجحفة». متفق عليه. واللفظ لمسلم.
وعن أنسٍ رضي الله عنه، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم  قال: «اللهم بارك لهم في مكيالهم، وبارك لهم في صاعِهم، وبارك لهم في مُدِّهم» متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان الناسُ إذا رأوا أولَ الثَّمر، جاءوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا أخذه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، قال: «اللهم بارك لنا في ثَمَرِنا، وبارك لنا في مدينتِنا، وبارك لنا في صاعِنا، وبارك لنا في مُدِّنا...». الحديث رواه مسلم.
الدعاء للمدينة بمِثْلَي ما دعا إبراهيم عليه السلام لمكة
ومن محبته  صلى الله عليه وسلم لهذه البلدة الطيبة الطاهرة، ولعلو مكانتها عنده، أن دعا لها بضعفي ما دعا إبراهيم عليه السلام لمكة المكرمة.
فعن عبدِالله بنِ زيد بنِ عاصمٍ رضي الله عنه، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم  قالَ: «إِنَّ إبراهيمَ حرَّم مكة، ودعا لأهلها، وإنِّي حرَّمتُ المدينةَ كما حرَّمَ إبراهيمُ مكةَ، وإني دعوتُ في صاعها ومُدِّها، بمثْلَيْ ما دعا به إبراهيمُ لأهل مكة» لفظ مسلم.
تضعيف البركة في المدينة على ما في مكة
عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله : صلى الله عليه وسلم «اللهم اجعل بالمدينةِ ضِعْفَي ما بمكة من البركة» متفق عليه.
وعن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه، أن النبيَّ  صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم بارك لنا في مُدِّنا، وصاعِنا، واجعل البركةَ بركتين» رواه أحمد بسند مسلم.
جعل القلوب تهوي إليها
عن جابر بن عبدا لله رضي الله عنهما، أنه سمع النبيَّ صلى الله عليه وسلم على المنبر، نظر نحو اليمن فقال: «اللهم أقبل بقلوبهم» [ونظر إلى الشامِ فقال: «اللهم أَقْبِل بقلوبهم»] ونظر نحوَ العراقِ، فقال مثلَ ذلك، ونظر نحوَ كلِّ أُفق، فقال مثلَ ذلك، وقال: «اللهم ارزقنا من ثمرات الأرض، وبارك لنا في مُدِّنا وصاعِنا» رواه البخاري في الأدب المفرد وأحمد والبزار برجال الصحيح على شرط مسلم، وحسّنه الهيثمي.
المدينة مشبكة بالملائكة تحرسها
ومن حفظ الله تعالى لهذه البلدةِ الطيبةِ أن جعل على كل نَقْبٍ أو شِعبٍ من أنقابها وشعابها ملائكةً يحرسونها، وهذا من عناية الله تعالى بها.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : «على أنقابِ المدينةِ ملائكةٌ، لا يدخلها الطاعونُ ولا الدجالُ» متفق عليه.
وعن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المدينةُ يأتيها الدَّجالُ، فيجدُ الملائكةَ يحرسونها، فلا يقربُها الدَّجالُ ولا الطاعونُ، إن شاء الله». رواه البخاري.
لا يدخلها الدَّجالُ ولا رعبه
عن أبي بَكْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : «لا يدخلُ المدينةَ رعبُ المسيح الدجال، لها يومئذ سبعةُ أبوابٍ، على كل بابٍ ملكان». رواه البخاري.
وعن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : «ليس من بلدٍ إلا سيطؤُه الدَّجالُ، إلا مكة والمدينة، وليس نَقْبٌ من أنقابها إلا عليه الملائكة صافين تحرسها، فينزل بالسبخة (وفي رواية: فيأتي سبخةَ الجُرْفِ فيضرب رِواقَه) فترجف المدينةُ ثلاثَ رجفاتٍ، يخرج إليه منها كلُّ كافرٍ ومنافقٍ (وفي رواية: كل منافقٍ ومنافقة)». متفق عليه، واللفظ لمسلم.
مضاعفة أجر الصلاة في المسجد النبوي
عن عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنهما أنه قال: إنَّ امرأة اشتكت شكوى، فقالت: إن شفاني اللهُ لأخرجن؛ فلأصَلِّيَنَّ في بيت المقدس، فبرأت، ثم تجهزت تريد الخروج، فجاءت ميمونة زوجَ النبي صلى الله عليه وسلم ، تسلمُ عليها، فأخبرتها ذلك، فقالت: اجلسي، فكلي ما صنعت، وصلِّي في مسجدِ رسول الله  صلى الله عليه وسلم فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «صلاةٌ فيه أفضلُ من ألفِ صلاةٍ فيما سواه من المساجد، إلا مسجد الكعبة» رواه مسلم.
مضاعفة أجر الأعمال الصالحة فيها
ومما يعد في فضائل المدينة النبوية – وكلُّها فضائل – أن الأعمالَ الصالحة فيها يضاعف أجرُها إلى ألفٍ عما سواها من المدن إلا المسجدَ الحرام.
قال الإمامُ الغزاليُّ رحمه الله: ما بعد مكةَ بقعةٌ أفضل من مدينة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، فالأعمالُ فيها أيضاً مضاعفةٌ. قال صلى الله عليه وسلم : «صلاةٌ في مَسجدي هذا خيرٌ مِنْ ألفِ صلاةٍ فيما سواه، إلا المسجد الحرام».
 
عن جابرِ بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله : صلى الله عليه وسلم «الصلاةُ في مسجدي هذا أفضلُ من أَلفِ صلاةٍ فيما سواه، إلا المسجدَ الحرام، والجمعةُ في مسجدي هذا أفضلُ من ألفِ جُمعة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وشهرُ رمضانَ في مسجدي هذا أفضلُ من ألفِ شهرِ رمضانَ فيما سواه، إلا المسجد الحرام»
رواه البيهقي في شعب الإيمان، وحسّنه السيوطي، وله شاهد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عنده أيضاً وحسّنه أيضاً، وله شاهد آخر من حديث بلال بن الحارث عند الطبراني في الكبير والضياء في المختارة والديلمي وابن عساكر. وصححه السيوطي وتُعِقِّب.
قال الشيخ خليل ملا خاطر: لكن خير شاهد له هو حديث أبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم في الصحيحين. ففيه بيان الصلاة بألف. والله تعالى أعلم. فالحديث بطرقه حسن إن شاء الله تعالى.
العودة من غير الطريق الذي سافر فيه
وعند البخاري: – أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج من طريقِ الشجرةِ، ويدخلُ من طريق المَعرَّس، وأنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج إلى مكةَ يُصلي في مسجدِ الشجرةِ، وإذا رجع صلى بذي الحليفةِ ببطنِ الوادي، وبات حتى يُصبح.
الدخول إليها نهاراً
ومما يعد في فضائل المدينة المنورة، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم  كان إذا قدم من سفر – من حجٍّ أو عُمرةٍ، أو غزوٍ... – ووصلها ليلاً، فإنه صلى الله عليه وسلم لا يدخل المدينةَ في الليل، بل كان يبيت خارج المدينة، حتى يصبحَ، ثم يدخلُ المدينةَ ضحىً، وما دخلها صلى الله عليه وسلم ليلاً.
روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان ينزل بذي الحليفة؛ حين يعتمرُ، وفي حَجَّتِه حين حَجَّ، تحت سَمُرَةٍ في موضع المسجد الذي بذي الحليفة،
وكان إذا رجع من غَزوٍ – كان في تلك الطريق – أو حجٍّ أو عُمرةٍ هبط من بطن وادٍ، فإذا ظهر من بطن وادٍ أناخَ بالبطحاء التي على شفير الوادي الشرقية، فعرَّس ثَمَّ حتى يُصبح،
ليس عند المسجد الذي بحجارةٍ، ولا على الأَكَمَةِ التي عليها المسجد، كان ثَمَّ خليجٌ يصلي عبدا لله عنده، في بطنه كُثُب، كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثَمَّ يصلي. فدَحا السيلُ فيه بالبطحاءِ حتى دَفَنَ ذلك المكانَ الذي كان عبدا لله يصلي فيه.
حثّه صلى الله عليه وسلم  على المجاورةِ فيها وعدمِ الانتقال منها
عن سفيانَ بنِ أبي زُهير رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله  صلى الله عليه وسلم يقول: «يُفتح اليمنُ فيأتي قومٌ يَبِسُّون، فيتحَمَّلُون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينةُ خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون.
ثم يُفتحُ الشامُ فيأتي قومٌ يَبِسُّون فيَتحمَّلون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينةُ خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون. ثم يُفتحُ العراقُ فيأتي قومٌ يَبِسُّون، فَيَتَحمَّلون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينةُ خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون»
متفق عليه.
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم ( يبسُّون) يسوقون دوابَّهم ويزجرونها
حثّه صلى الله عليه وسلم  على الموت فيها، وشفاعته لمن مات فيها
عن ابنِ عُمرَ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من استطاع أن يموتَ بالمدينة فليمُت بها، فإني أشفعُ لمن يموتُ بها» رواه أحمد والترمذي وصححه وابن ماجه وابن حبان وصححه، والبيهقي في الشعب من طريقين.
وعن سُبيعةَ الأَسلميةِ رضي الله عنها، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم  قال: «من استطاع منكم أن يموتَ بالمدينة فليمت، فإنه لا يموتُ بها أحدٌ إلا كنتُ له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة» رواه الطبراني في الكبير، والبيهقي في الشعب وهو حديث حسن.
من مات بالمدينة بُعث يوم القيامة من الآمنين
فعن جابرِ بنِ عبدا لله رضي الله عنهما قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «من مات في أحد الحرمين بُعث آمناً يوم القيامة». رواه الطبراني في الأوسط والصغير بإسناد حسن.
من خرج منها رغبة عنها أبدلها الله خيراً منه
عن جابرٍ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا يخرجُ رجلٌ من المدينة رغبةً عنها إلا أبدلها اللهُ به خيراً منه، والمدينةُ خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون»
رواه الحاكم وصححه على شرط مسلم، والبزار برجال الصحيح.
المدينة تنفي الذنوب
عن زيد بن ثابتٍ رضي الله عنه قال: لما خرج النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى غزوة أُحُد، رجع ناس ممن خرج معه، وكان أصحابُ النبي صلى الله عليه وسلم:  فرقتين: فرقة تقول: نقاتلهم، وفرقة تقول: لا نقاتلهم، فنزلت: ﴿ فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا ﴾ [النساء: ٨٨]
وقال: «إنها طيبة تنفي الذنوب كما تنفي النار خبث الفضة» رواه البخاري بهذا اللفظ، وأصله متفق عليه.
شفاعته وشهادته صلى الله عليه وسلم  لمن يصبر على شدتها ولأوائها
عن يُحَنَّس مولى الزبير قال: كنتُ جالساً عند عبدا لله بنِ عُمرَ رضي الله عنهما – في الفتنة – فأتته مولاةٌ له تُسَلِّم عليه، فقالت: إني أردتُ الخروجَ، يا أبا عبد الرحمن، اشتد علينا الزمانُ، فقال لها عبدا لله: اقعدي لكاع، فإني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم  يقول: «لا يصبرُ على لأْوائها وشدَّتِها أحدٌ إلا كنتُ له شهيداً، أو شفيعاً يوم القيامة». رواه مسلم.
وفي صحيح مسلم عن سعيد مولى المهري أنه جاء إلى أبي سعيد الخدري ليالي الحرّة، فاستشاره في الجلاء من المدينة، وشكا إليه أسعارها وكثرةَ عيالِه، وأخبره أن لا صَبْرَ له على جَهْد المدينة ولأوائها، فقال: ويحك! لا آمرك بذلك، إني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«لا يصبر» وفي رواية «لا يثبت أحَدٌ على لأوائها وجَهْدها إلا كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة».
وفي رواية: «فقال أبو سعيد: لا تفعل، إلزم المدينة».
وفي الصحيحين حديث «مَنْ صبر على لأوائها وشدتها كنتُ له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة.
أهل المدينة هم أول من يشفع لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن عبد الملك بن عباد بن جعفر رضي الله عنه، أنه سمع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم  يقول:
«أولُ من أشفع له من أمتي: أهلُ المدينة، ثم أهلُ مكة، ثم أهلُ الطائف». رواه الطبراني في الكبير والأوسط، والبزار، والبخاري في تاريخه، وابن شاهين. وله شواهد. فالحديث حسن.
من أراد أهلها بسوء أذابه الله تعالى في النار
فعن سعدِ بنِ أبي وقاصٍ رضي الله عنه قال: سمعتَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يكيدُ أهلَ المدينة أحدٌ، إلا انماعَ كما يَنْماعُ الملحُ في الماء». متفق عليه واللفظ للبخاري.
ولفظ مسلم: «من أراد أهلَ المدينة بسوءٍ، أذابه الله كما يذوب الملح في الماء».
وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنه قال: قال أبو القاسمِ : صلى الله عليه وسلم «من أراد أهلَ هذه البلدةِ بسوءٍ (يعني المدينة) أذابه اللهُ كما يذوبُ الملحُ في الماء». رواه مسلم.
من أخاف أهل المدينة أخافه الله عزَّ وجل
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «من أخاف أهلَ المدينةِ أخافه الله عز وجل، وعليه لعنةُ اللهِ والملائكةِ والناسِ أجمعين، لا يقبلُ اللهُ منه يومَ القيامة صرفاً ولا عَدْلاً». رواه أحمد والنسائي في الكبرى برجال الصحيح، والطبراني في الكبير أيضاً.
لعن من آذى أهل المدينة، وعدم قبول أعماله
فعن عُبادَة بنِ الصامتِ رضي الله عنه، عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: قال: «اللهم من ظلم أهلَ المدينة وأخافَهم: فأَخِفْه، وعليه لعنةُ اللهِ والملائكةِ والناسِ أجمعين، لا يُقبلُ منه صَرفٌ ولا عَدْلٌ»
رواه الطبراني في الكبير والأوسط والضياء في المختارة برجال الصحيح.
ورواه البخاري في تاريخه مختصراً برجال ثقات أيضاً.
من أخاف أهلَ المدينة فقد أخاف رسولَ الله صلى الله عليه وسلم
فعن جابرِ بنِ عبد الله رضي الله عنهما، أن أميراً من أمراءِ الفتنةِ قدم المدينةَ – وكَانَ قد ذهب بصرُ جابرٍ – فقيل لجابر: لو تنحيتَ عنه، فخرج يمضي بين ابنيه فنكب، فقال: تَعِسَ من أخاف رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال ابناه – أو أحدُهما -: يا أبت، وكيف أخاف رسولَ صلى الله عليه وسلم وقد مات؟.
قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أخاف أهلَ المدينة فقد أخافَ ما بين جنْبَيّ» رواه أحمد – واللفظ له – ورواه البخاري من طرق – في تاريخه – بلفظ «من أخاف الأنصار» ثم ذكر مثله. وابن أبي شيبة، برجال الصحيح
عالِم المدينة أعلم من عالِم غيرها
فعن أبي هريرةَ رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يوشِكُ أن يَضرب الناسُ أكبادَ الإِبل، يطلبون العلمَ، فلا يجدون أحداً أعلمَ من عالمِ المدينة». رواه أحمد والترمذي وابن حبان والحاكم – وصححوه – وغيرهم.
قال الإِمام الطيبي رحمه الله: ضربُ أكباد الإِبل كنايةً عن السير السريع، لأن من أراد ذلك يركبُ الإِبلَ، ويضربُ أكبادها بالرِّجل.
والمعنى قَرُبَ أَنْ يَأْتِيَ زمانٌ يسير الناسُ سيراً شديداً في البلدان البعيدة يطلبون العلم... فلا يجدون أحداً – أي في العالَم – أعلمَ من عالِم المدينة. اهـ.
في المدينة أعظم الناس شهادة عند الله تعالى
عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال: حدَّثَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يوماً حديثاً طويلاً عن الدَّجَّال، فكان فيما حدَّثَنا قال: «يأتي – وهو مُحَرَّمٌ عليه أن يدخلَ نقابَ المدينة – فينتهي إلى بعض السِّباخ التي تلي المدينة، فيخرج إليه يومئذ رجلٌ هو خيرُ الناس، أو من خير الناس [ وفي رواية عند البخاري: أو من خيار الناس]، فيقول له: أشهدُ أنك الدجالُ الذي حدَّثَنا رسولُ الله  صلى الله عليه وسلم حديثَه، فيقول الدّجَّالُ: أرأيتم إن قتلتُ هذا ثم أحييتُه، أتشكّون في الأمر؟ فيقولون: لا، قال: فيقتله، ثم يُحييه، فيقول حين يُحييه: والله، ما كنتُ فيك قط أشدَّ بصيرةً مني الآن، قال: فيريد الدجالُ أن يقتلَه، فلا يسلَّط عليه».
إكرام أهل المدينة لأنهم جيران النبي صلى الله عليه وسلم
عن معقل بن يسار رضيَ الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «المدينةُ مهاجَري، ومضجعي في الأرض. حقٌّ على أمتي أن يُكرموا جيراني، ما اجتنبوا الكبائر، فمن لم يفعل ذلك منهم سقاه اللهُ من طينة الخبال» قلنا: يا أبا يسار ما طينةُ الخبال؟ قال: عصارةُ أهل النار. رواه الطبراني في الكبير وابن النجار، لكن في إسناده عبدالسلام بن أبي الجنوب وهو ضعيف.
ورواه الدارقطني في الأفراد، من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما. ورواه الديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ورواه القاضي أبو الحسن علي الهاشمي في فوائده من حديث زيد. وللحديث شواهد أخرى. فهو حسن بشواهده. والله تعالى أعلم.
ثواب المصلِّي والمُسَلِّم على النبي الكريم  صلى الله عليه وسلم من قُرب
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قال: «ما من أحدٍ يُسَلِّم عليَّ، إلَّا ردَّ الله عليَّ روحي حتى أردَّ عليه السلام». رواه أحمد وأبو داود والبيهقي والطبراني، وصححه النووي، وقال الحافظ: رجاله ثقات. وحسَّنه مُلا علي القاري.
فعن عبد الله بن زيد المازني، وأبي هريرة رضي الله عنهما، عن النبي  صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة».
زاد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه «ومنبري على حوضي». متفق عليهما.
الصلاة في مسجد قباء تعدل أجر عمرة كاملة
وقد ورد ذلك عن عدد من الصحابة رضي الله عنهم.
فعن سهل بن حُنيف رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من تطهر في بيته، ثم أتى مسجد قباء، فصلى فيه صلاةً، كان له كأجر عُمْرة». رواه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن أبي شيبة وعبد ابن حُميد، والحاكم وصححه – وأقره الذهبي، ورواه آخرون. وصححه الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء.
أجر الصلاة في المسجد النبوي الشريف
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد، إلا المسجد الحرام». متفق عليه.
فيها خِيار الناس
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم  يوماً حديثاً طويلاً عن الدجال، فكان مما حدثنا قال: «يأتي – وهو محرَّمٌ عليه أن يدخلَ نقابَ المدينة – فينتهي إلى بعض السِّباخ التي تلي المدينةَ، فيخرج إليه يومئذ رجلٌ: هو خيرُ الناس – أو من خير الناس – فيقول له: أشهد أنك الدجال الذي حدَّثَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حديثَه،...». الحديث بطوله، متفق عليه.
زاد مسلم في رواية ثانية: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هذا أعظمُ الناس شهادة عند رب العالمين».
أضاءت المدينة يوم دخول النبي المصطفى الكريم  صلى الله عليه وسلم
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما كان اليوم الذي دخل فيه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم  المدينةَ: أضاء من المدينة كلُّ شيء، فلما كان اليومُ الذي مات فيه رسولُ الله : صلى الله عليه وسلم أظلم من المدينة كلُّ شيء، وما فرغنا من دفنه: حتى أنكرنا قلوبَنا. رواه أحمد، وعبد بن حُميد، والترمذي والحاكم وابن حبان وصححوه، وابن ماجه، وأبو يعلى، والبغوي، ورواه ابن أبي شيبة والدارمي بنحوه.
المدينة كالكير تنفي خبثها وأشرارها
عن جابر بن عبدا لله رضي الله تعالى عنهما، أن أعرابياً بايعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام، فأصاب الأعرابيَّ وَعَكٌ بالمدينة، فأتى الأعرابيُّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أَقْلني بيعَتي، فأبى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم   ثم جاء فقال: أَقْلني بيعتي، فأبى. ثم جاءه فقال: أَقْلني بيعتي، فأبى، فخرج الأعرابيُّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما المدينةُ كالكير، تنفي خبثَها، ويَنْصَعُ طيبُها». متفق عليه.
أهل المدينة يحشرون مع النبي صلى الله عليه وسلم 
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أول من تنشق عنه الأرض، ثم أبو بكر، ثم عمر، ثم آتي أهل البقيع؛ فيحشرون معي، ثم أنتظر أهل مكة، فأُحشر بين الحرمين». رواه الترمذي – وحسّنه – وعبد الله بن أحمد والقطيعي، والطبراني، وابن حبان والحاكم وصححه، وابن عدي وأبو نعيم والفاكهي.
نقل الحُمَّى منها إلى منطقة الجُحْفة
وروى أحمد برجال الصحيح عن أبي قَتَادة أن النبي صلى الله عليه وسلم  «صَلَّى بأرض سعد بأصل الحرة عند بيوت السقيا، ثم قال: اللهم إن إبراهيم خليلك وعبدك ونبيك دعاك لأهل مكة، وأنا محمد عبدك ورسولك أدعوك لأهل المدينة مِثْلَيْ ما دَعاك به إبراهيم لمكة، أدعوك أن تبارك لهم في صاعهم ومدهم وثمارهم، اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة، واجعل ما بها من وباء بَخُمَّ».
الحديثَ، وقوله: «بخم» بضم الخاء المعجمة وتشديد الميم – مكان قرب الجُحْفَةَ.
وفي مسلم حديث عن عائشة رضي الله عنها: «قدمنا إلى المدينة وهي وَبِية فاشتكى أبو بكر، واشتكى بلال، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوى أصحابه قال: «اللهم حَبِّبْ إلينا المدينة كما حببت مكة أو أشد، وصححها، وبارك لنا في صاعها ومدها، وحَوِّلْ حُمَّاها إلى الجُحْفَة».
وهو في البخاري بلفظ «لما قدم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم  المدينة وُعِكَ أبو بكر وبلال – رضي الله عنهما – وكان أبو بكر إذا أخذته الحُمّى يقول:
كُلُّ امرئ مُصَبَّحٌ في أهله
والموت أدنى من شِرَاكِ نَعْلِهِ
وكان بلال إذا قلع عنه يرفع عَقِيرتَه ويقول:
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هل أبيتَنَّ ليلةً
بوادٍ وحولي إذْخِرٌ وجَلِيلُ
وهل أرِدَنْ يوماً مياه مِجَنَّةٍ
وهل يَبْدُوَنْ لي شَامَة وطَفِيلُ
اللهم الْعَنْ شَيْبة بن ربيعة وعُتْبة بن ربيعة وأمية بن خلف كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «اللهم حَبِّبْ إلينا المدينةَ كحبنا مكة أو أشد، اللهم بارك لنا في صاعنا وفي مُدِّنا، وصححها لنا، وانقل حُمَّاها إلى الجُحْفَة». قالت: وقدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله، وكان بطحان يجري نجلا، تعني ماء آجنا.
في الاستشفاء بترابها، وبتَمْرِها، وما جاء فيه
وفي الصحيحين حديث: «كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم  إذا اشتكى الإنسانُ أو كانت به قرحة أو جرح قال بإصبعه هكذا، ووضع سفيانُ سَبَّابته بالأرض ثم رفعها، وقال: بسم الله، تربة أرضنا، بريق بعضنا، يشفى سقيمنا، بإذن ربنا».
وفي مسلم حديث: «مَنْ أكل سبعَ تمراتٍ مما بين لابتيها حين يصبح لم يضره شيء حتى يمسي» وفي الصحيحين حديث «من تَصَبَّحَ بسبع تمرات عَجْوة لم يضره في ذلك اليوم سم ولا سحر». ورواه أحمد برجال الصحيح بلفظ: «مَنْ أكل سبع تمرات عجوة مما بين لَابَتَي المدينة على الريق لم يضره يومه ذلك شيء حتى يمسي».
 
وفي صحيح مسلم حديث: «إن في عجوة العالية شفاء، أو إنها ترياق أول البُكرة». وروى أحمد برجال الصحيح حديثاً فيه: «واعلموا أن الكمأة دواء العين، وأن العجوة من فاكهة الجنة». وروى النسائي وأبو داود الطيالسي والطبراني في الثلاثة بسند جيد حديث: «الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين، والعجوة من الجنة، وهي شفاء صلى الله عليه وسلم من السم».
وقد صح في سنن أبي داود عن سعد بن أبي وقاص قال: «مرضْتُ مرضاً، أتاني رسول الله  يَعُودُنِي، فوضع يده بين ثدْيي حتى وجدت بَرْدَها على فؤادي، فقال: «إنك رجل مفؤود، ائت الحارثَ ابن كَلَدَة أخا ثقيف، فإنه رجل يتطبب، فليأخذ سبع تمرات من عجوة المدينة، فَلْيَجَأهن بنواهن، ثم ليَلُدَّكَ بهن».
ورواه الطبراني لكن عن سعد بن أبي رافع.
قوله: «فليجأهن» أي فليدقهن، قال عياض: وقال ابن الأثير فليجأهن أي فليدقهن، وبه سميت الوجيئة، وهو تمر يبل بلبن ثم يدق حتى يلتئم، ومنه الحديث: «أنه دعا سعداً فوصف له الوجيئة».
وقوله: «ثم ليلدك» أي يسقيك، يقال: لدَّه باللَّدُود، إذا سقاه الدواء في أحد جانبي الفم.
في المدينة، قبره صلى الله عليه وسلم
روى أبو داود بسند صحيح كما قال السبكي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أحدٍ يُسَلم عليَّ إلَّا رَدَّ الله عليَّ رُوحي حتى أردَّ عليه السلام». وقد صَدَّر به البيهقي باب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، واعتمد عليه جماعة من الأئمة فيها منهم الإمام أحمد، قال السبكي: وهو اعتماد صحيح؛ لتضمنه فضيلة رد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي عظيمة.
وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من زار قبري وجبت له شفاعتي».
قال السبكي: وهذا الحديث ليس في مظنّة الالتباس عليه، لا سنداً ولامتنا.
وروى الطبراني في الكبير والأوسط عن نافع عن سالم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ جاءني زائراً لا تَحْمِله حاجة إلا زيارتي كان حقاً عليَّ أن أكون له شفيعاً يوم القيامة».
وروى البزار برجال الصحيح عن عبدا لله بن مسعود رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: «إن لله ملائكةً سَيَّاحِينَ يبلغونِّي عن أمتي». قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «حياتي خير لكم، تُحْدِثون ويحدث لكم، ووفاتي خير لكم، تُعرض عليَّ أعمالكم، فما رأيت من خير حمدت الله عليه، وما رأيت من شر استغفرت الله لكم».
والآثار في هذا المعنى كثيرة، وقد ذكر ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم – كما نقله ابن عبد الهادي – أن الشهداء بل كل المؤمنين إذا زارهم المسلم وسلَّم عليهم عرفوا به، وردوا عليه السلام، فإذا كان هذا في آحاد المؤمنين فكيف بسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم  ؟
تطهيرها من الشرك
عن علي رضي الله عنه أن رسولَ صلى الله عليه وسلم قال: «إن الشياطين قد يئست أن تُعبد ببلدي هذا – يعني المدينة – وبجزيرةِ العرب، ولكن التحريش بينهم». رواه البزار وله شواهده. فالحديث حسن.
المسجد النبوي أحد المساجد الثلاثة التي تشدّ إليها الرحال
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم  قال: «لا تُشَدُّ الرحالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجدَ: مسجدي هذا، ومسجدِ الحرام، ومسجدِ الأقصى» متفق عليه.
- وفي رواية لمسلم عنه رضي الله عنه، أن رسولَ الهف صلى الله عليه وسلم   قال: «إنما يُسافَر إلى ثلاثةِ مساجدَ: مسجدِ الكعبة، ومسجدي، ومسجدِ إيلياء».
في المسجد النبوي بقعة من الجنّة
لا نعلم أنه قد ورد نصٌّ عن بقعةٍ من بقاع الأرض أنها من الجنّة إلا هذه البقعة الشريفة، وهي التي بين منبره وبيته صلى الله عليه وسلم ، وهذه خاصيةٌ ومزيةٌ تضاف إلى مزايا هذه الأمة؛ فيما أكرمها الله تعالى به.
- فعن عبدا لله بنِ زيدٍ الأنصاري رضي الله عنه، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما بين هذه البيوتِ – يعني بيوتَه – إلى منبري روضةً من رياض الجنة، والمنبرُ على ترعةٍ من ترع الجنة» رواه أحمد برجال الصحيح.
المنبر على ترعة من ترع الجنة
عن سهلِ بنِ سعدٍ رضي الله عنهما أنه سمع رسولَ الله  صلى الله عليه وسلم يقول: «منبري على ترعةٍ من ترع الجنة».
فقيل له: ما الترعة يا أبا العباس؟ قال: الباب. رواه أحمد والطيالسي والطحاوي والطبراني في الكبير وابن الجعد والبيهقي في السنن. برجال الصحيح.
فضائل جبل أُحُد
عن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه قال: خرجتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيبرَ أخدمه، فلما قدم النبيُّ صلى الله عليه وسلم  راجعاً وبدا له أحدٌ قال: «هذا جبلٌ يُحِبُّنا ونحبُّه...» متفق عليه واللفظ للبخاري.
فضل شهداء أُحدٍ رضي الله عنهم وأهل بقيع الغرقد
عن طلحةَ بنِ عُبيدِ اللهِ رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم  نريد قبورَ الشهداء، حتى إذا أشرفنا على حرّةِ واقمٍ، فلما تَدَلَّيْنا منها، فإذا قبورٌ بمَحْنِيَة، فقلنا: يا رسولَ الله، أقبورُ إخواننا هذه؟ قال: «هذه قبورُ أصحابنا»، فلما جئنا قبورَ الشهداء، قال: «هذه قبورُ إخواننا»
رواه أبو داود وأحمد والبيهقي بإسناد صحيح.
عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم  - كلما كان ليلتُها من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم - يخرجُ من آخر الليل إلى البقيع، فيقول: «السلامُ عليكم دارَ قومٍ مؤمنين، وأتاكم ما توعدون، غداً مؤجَّلون، وإِنَّا إِنْ شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهلِ بقيعِ الغرقَدِ. رواه مسلم.
فضائل بعض المساجد في المدينة المنورة
وردت أحاديث في فضائل عدة مساجد صلَّى ودعا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم  مثل: مسجد الفتح، مسجد الإجابة، ومسجد القبلتين.
كما وردت عدة أحاديث أخرى في فضل بعض الأمكنة في المدينة المنورة مثل: وادي العقيق ووادي بطحان.
الآداب العامة في زيارة المدينة المنورة
هناك آداب شرعية من قدر عليها ففعلها فهو حسن، وكذلك لفعل بعض السلف لها، وقد ورد في بعضها نصّ عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أو عن أحدٍ من الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم فمن ذلك:-
إخلاص النية، وخلوص الطوية ، فإنما الأعمال بالنيات، فينوي التقرُّب إلى الله تعالى بزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ويستحب أن ينوي مع ذلك التقرب بالمسافرة إلى مسجده صلى الله عليه وسلم ، وشد الرحل إليه، والصلاة فيه، كما قاله ابن الصلاح والنووي.
ويستحب إكثار الصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم ، وختم القرآن إن تيسَّر، والصَدَقة على جيرانه صلى الله عليه وسلم ، وغير ذلك مما يستحب للزائر فعله؛ فينوي به التقرُّب أولاً لِيُثاب على القصد، فنية المؤمن خير من عمله، وينوي اجتناب المعاصي والمكروهات حياء من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
ومنها: أن يكون دائم الأشواق إلى زيارة الحبيب الشفيع كل عام بالوصول إلى ذلك الجناب الرفيع؛ فالشوق إلى لقائه وطلب الوصول إلى فنائه من أظهر علامات الإيمان. وأكثر وسائل الفوز يوم الفزع الأكبر بالأمن والأمان، وليزدد شوقاً وصَبَابة وتوقاً، وكلما ازداد دنواً ازداد غراماً وحنواً.
ومنها: إذا دنا من حرم المدينة وشاهد أعلامها ورُباها وآكامها فليستحضر وظائف الخضوع والخشوع مستبشراً بالهنا وبلوغ المنى، وإن كان على دابة حَرَّكها.
ومنها: إذا بلغ حرمَ المدينة الشريفة فليقل بعد الصلاة والتسليم: اللهم هذا حَرَمُ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي حَرَّمْتَه على لسانه، ودَعَاك أن تجعل فيه من الخير والبركة مِثْلَي ما هو في حرم البيت الحرام، فحرّمني على النار، وآمِنِّي من عذابك يوم تبعث عبادك، وارزقني من بركاته ما رزقته أولياءك وأهل طاعتك، ووفقني لحسنِ الأدب وفِعْلِ الخيرات وترك المنكرات.
وإذا قدم مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم استحبَّ له أن يغتسل لدخولها.
قال الإمام الزركشي رحمه الله تعالى: يستحب الغسل لدخول المدينة، قاله أبو بكر الخفاف من قدماء أصحابنا في كتاب «الخصال» وصرح به النووي في مناسكه أيضاً.
وقال الإمام النووي رحمه الله: يستحب أن يغتسل قبل دخوله ويلبس أنظف ثيابه.
ويسنّ لمن وصل إلى المدينة أن يلبس أحسن ثيابه، بعد أن يزيل عنه أثر السفر ويتطيب – إن كان معه – ثم يدخل المدينة بعد ذلك – كما فعل أشج عبد القيس رضي الله عنه عندما وفد على النبي صلى الله عليه وسلم .
وفي حديث قيس بن عاصم أنه لما قدم مع وَفْدِه أسرعوا هم بالدخول، وثبت هو حتى أزال مهنته وآثار سفره ولبس ثيابه، وجاء على تؤدة ووَقار، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فرضي له ذلك وأثنى عليه بقوله: «إن فيك لخصلتين يحبهما الله: الحلم، والأناة».

الآداب العامة في زيارة المدينة المنورة
هناك آداب شرعية من قدر عليها ففعلها فهو حسن، وكذلك لفعل بعض السلف لها، وقد ورد في بعضها نصّ عن النبي  صلى الله عليه وسلم .أو عن أحدٍ من الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم فمن ذلك:-
إخلاص النية، وخلوص الطوية، فإنما الأعمال بالنيات، فينوي التقرُّب إلى الله تعالى بزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ويستحب أن ينوي مع ذلك التقرب بالمسافرة إلى مسجده صلى الله عليه وسلم .، وشد الرحل إليه، والصلاة فيه، كما قاله ابن الصلاح والنووي.
ومنها عدم الركوب بها ورفع الصوت في مسجدها: قال الإمام الزركشي رحمه الله تعالى: روي عن مالك رضي الله عنه أنه كان لا يركب بالمدينة بغلةً، فقيل له في ذلك. فقال: لا أطأ راكباً مكاناً وطئه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ماشياً. وكان لا يرفع صوته في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم  ويقول: حرمة الرسول صلى الله عليه وسلم  حياً وميتاً سواء. وقد قال تعالى: ﴿ يأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ﴾ [الحجرات: ٢].
 
ومنها: أن لا يخل بشيء مما أمكنه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والغضب عند انتهاك حرمة من حرمه أو تضييع شيء من حقوقه صلى الله عليه وسلم ، فإن من علامات المحبة غيرة المحبِّ لمحبوبه، وأقوى الناس ديانةً أعظمهم غيرة، وإذا خلا القلب من الغيرة فهو من المحبة أخلى، وإن زعم المحبة فهو كاذب.
ومنها: أن يقول عند دخوله من باب البلد: بسم الله، ما شاء الله، لا قوة إلا بالله، رب أدخلني مُدْخَلَ صِدْقٍ وأخرجني مخرج صدق، واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً، حسبي الله، آمنت بالله، توكَّلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، اللَّهُمَّ إِني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي هذا إليك، فإني لم أخرج بطراً ولا أشراً ولا رياء ولا سمعة، خرجت اتقاء سخطك، وابتغاء مَرْضاتك، أسألك أن تنقذني من النار، وأن تغفر لي ذنوبي؛ إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
ومنها: أن يقدّم صدقة بين يدي نَجْوَاه، ويبدأ بالمسجد الشريف قبل أن يقدم على أمر من الأمور، أو شيء هو إلى مباشرته في ذلك الوقت غير مضطر أو مضرور فإذا شاهَدَ المسجدَ النبوي والحرم الشريف المحمدي فليستحضر أنه آتٍ مهبط أبي الفتوح جبريل، ومنزل أبي الغنائم ميكائيل، والموضع الذي خصّه الله بالوحي والتنزيل، فليزدد خضوعاً وخشوعاً يليق بهذا المقام.
وجرت عادة القادمين من ناحية باب السلام بالدخول منه، فإذا أراد الدخول فليفرغ قلبه، وليصف ضميره، ويقدم رجله اليمنى، ويقول: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وبنوره القديم، من الشيطان الرجيم، بسم الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ما شاء الله، لا قوة إلا بالله، اللهم صلِّ على سيدنا محمد عبدك ورسولك وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك
رب وفِّقْني وسددني وأصلحني وأَعِنِّي على ما يرضيك عني، ومُنّ عليَّ بحسن الأدب في هذه الحضرة الشريفة، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله تعالى وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. ولا يترك ذلك كلما دخل المسجد أو خرج منه، إلا أنه يقول عند خروجه: وافتح لي أبواب فضلك، بدل قوله: «أبواب رحمتك».
ومنها: إذا صار في المسجد فَلْيَنْوِ الاعتكاف مدة لُبْثه به، وإن قَلَّ؛ ليحوزَ ما فيه من الفضل، ثم ليتوجه إلى الروضة المقدّسة، وإن دخل من باب جبريل فليقصدها من خلف الحجرة الشريفة مع ملازمة الهيبة والوقار، وملابسة الخشية والانكسار، والخضوع والافتقار ثم ليقف في مُصَلَّى النبي صلى الله عليه وسلم  إن كان خالياً، وإلا ففيما يلي المنبر من الروضة وإلا ففي غيرهما، فيصلي تحية المسجد ركعتين خفيفتين
قال الكرماني: يقرأ في الأولى بعد الفاتحة ﴿قل يا أيها الكافرون﴾ وفي الثانية الإخلاص، فإن أقيمت مكتوبة أو خاف فَوْتَها بدأ بها، وحصلت التحية بها، فإذا فَرَغَ حمد الله، وأثنى عليه على ما منحه من هذه النعمة العظيمة، والمنة الجسيمة.
قال الكرماني وصاحب الاختيار من الحنفية: إنه يسجد بعد الركعتين شكراً لله تعالى، وبيتهل إليه في أن يتمم له ما قصد من الزيارة مع القبول، وأن يهَبَ له من مهمات الدارين نهاية السُّول.
ومنها: أن يتوجه بعد ذلك إلى القبر الكريم، مستعيناً بالله تعالى في رعاية الأدب في هذا الموقف العظيم، فيقف بخشوع وخضوع.
ولينظر الزائر في حال وقوفه إلى أسفل ما يستقبل من جدار الحجرة الشريفة، ملتزماً للحياء والأدب التام في ظاهره وباطنه، قال الكرماني من الحنفية: ويضع يمينه على شماله كما في الصلاة.
وقال في الإحياء: واعلم أنه صلى الله عليه وسلم  عالم بحضورك وقيامك وزيارتك، وأنه يبلغه سلامك وصلاتك، فمثِّل صُورَتَه الكريمة في خيالك، وأخطر عظيم رتبته في قلبك؛ فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى وَكَّلَ بقبره مَلَكاً يبلغه السلام ممن يسلم عليه من أمته، هذا في حق مَنْ لم يحضر قبره، فكيف بمن فارق الوطَن وقطع البوادي شوقاً إليه واكتفى بمشاهدة مشهده الكريم إذ فاته مشاهدة غرته الكريمة؟.

ما يقوله الزائر في المواجهة الشريفة
ثم يسلم الزائر، ولا يرفع صوته ولا يخفيه، بل يقتصد فيقول:
السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك يا خيرة الله، السلام عليك يا حبيب الله، السلام عليك يا سيد المرسلين وخاتم النبيين، السلام عليك يا خير الخلائق أجمعين
السلام عليك يا قائد الغرّ المحجلين، السلام عليك وعلى آلك وأهل بيتك وأزواجك وأصحابك أجمعين، السلام عليك وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وجميع عباد الله الصالحين، جَزَاكَ الله عنّا يا رسول الله أفضل ما جزى به نبياً ورسولاً عن أمته، وصَلَّى عليك كلما ذكرك الذاكرون، وغفل عن ذكرك الغافلون، أفضل وأكمل ما صلَّى على أحد من الخلق أجمعين

أشهد أن لا إلٰهَ إلَّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنك عبده ورسوله وخيرته من خلقه، وأشهد أنك بلَّغت الرسالة، وأدَّيت الأمانة، ونصحت الأمة، وكشفت الغُمَّة، وجاهدت في الله حق جهاده، اللهم آتِهِ الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، وآته نهاية ما ينبغي أن يسأله السائلون، اللهم صَلِّ على سيدنا محمد نبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آل سيدنا محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
ومَنْ عجز عن حفظ هذا أو ضاق الوقت عنه اقتصر على بعضه كما قاله النووي، قال: وأقله السلام عليك يا رسول الله صلى الله عليك وسلم.
 
وقال النووي عقب ما تقدم عنه: ثم إن كان قد أوصاه أحَدٌ بالسلام على رسول الله  صلى الله عليه وسلم فليقل: السلام عليك يا رسول الله من فلان بن فلان، أو فلان بن فلان يسلم عليك يا رسول الله، ونحوه من العبارات
ثم يتأخر إلى صَوْب يمينه قدرَ ذراعٍ فيصير تجاه أبي بكر رضي الله تعالى عنه فيقول: السلام عليك يا أبا بكر صفيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وثانيه في الغار، ورفيقه في الأسفار، جزاك الله عن أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الجزاء
ثم يتأخر إلى صَوْب يمينه قدر ذراعٍ فيقول: السلام عليك يا عمر الفاروق، الذي أعزَّ الله به الإسلام، جزاك الله عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم  خير الجزاء.
قال الإمام السمهودي رحمه الله: وليجدد التوبة في ذلك الموقف، ويسأل الله تعالى أن يجعلها توبة نَصُوحاً.
لطــيفـــة
وممن سافر إلى زيارة النبي صلى الله عليه وسلم  من الشام إلى قبره عليه السلام بالمدينة بلال ابن رباح مؤذن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم  كما رواه ابن عساكر بسندٍ جيِّد عن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه، قال: لما رحل عمر ابن الخطاب رضي الله عنه من فَتح بيت المقدس فصار إلى جابية، سأله بلال أن يقره بالشام، ففعل، وذكر قصة في نزوله بداريا
قال: ثم إن بلالاً رأى في منامه النبي  صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ما هذه الجفوة يا بلال؟ أما آن لك أن تزورني يا بلال؟ فانتبه حزيناً وَجِلاً خائفاً، فركب راحلته وقصد المدينة فأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعل يبكي عنده ويمرغ وجهه عليه، فأقبل الحسنُ والحسين رضي الله تعالى عنهما، فجعل يضمهما ويقبلهما، فقالا له: يا بلال، نشتهي أن نَسْمَعَ أذانك الذي كنت تؤذن به لرسول الله صلى الله عليه وسلم  في المسجد، ففعل، فَعَلَا سَطْحَ المسجد، فوقف موقفه الذي كان يقف فيه.

وقد استفاض عن عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه أنه كان يُبرد البريد من الشام يقول: سلِّم لي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك في زمن صدر التابعين.
وفي فتوح الشام أن عمر رضي الله تعالى عنه لما صالح أهل بيت المقدس وقدم عليه كعب الأحبار وأسلم وفرح بإسلامه قال له: هل لك أن تسير معي إلى المدينة وتزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم وتتمتع بزيارته؟ فقال: نعم يا أمير المؤمنين أنا أفعل ذلك، ولما قدم عمر المدينة كان أول ما بدأ بالمسجد وسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

مراجع الرسالة
1 – فضائل المدينة المنورة:
تأليف الدكتور خليل بن إبراهيم ملا خاطر العزامي.
2 – ساكن المدينة المنورة منزلته ومسؤوليته:
تأليف الدكتور خليل بن إبراهيم ملا خاطر العزّامي.
3 – وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى
تأليف الإمام نور الدين علي بن أحمد المصري السمهودي رحمه الله تعالى نزيل دار الهجرة. تحقيق الشيخ محمد محيي الدين عبدالحميد عفا الله عنه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق