يلتحق قرابة ثمانية ملايين تلميذ جزائري بمدارسهم عبر مختلف الأطوار التعليمية، من الابتدائي إلى الثانوي مرورا بالإكمالي، الأحد، في موسم يحمل الكثير من الخصوصيّة، بالنظر إلى الجدل المحتدم منذ فترة، بين أطراف الأسرة التربوية حول توجهات المدرسة في ظلّ الإصلاحات التي باشرتها وزيرة القطاع.. وهو النقاش الذي أخذ أبعادا سياسيّة بعد ركوب الأحزاب "المحافظة" موجة المعركة بداعي الدفاع عن مكونات الهويّة الوطنية.
وإذا كان الموسم الجديد سيعرف ذات المشاكل التقليدية التي أثقلت كاهل المدرسة منذ سنوات، برغم الإمكانات المادية الهائلة التي سخرتها الدولة، فإنّ مؤشرات القطاع تسجّل تحسّنا مطّردًا من سنة إلى أخرى على كافة الأصعدة، سواء تعلّق الأمر بحجم الهياكل أم مستوى التكوين والـتأطير، فضلاً عن توفير الوسائل البيداغوجية التي تشهد تطويرا لافتا للنظر برأي "خبراء التعليم".
وهذه أيضا نقلة مهمة في إطار الانتقال من تحدّي الكمّ إلى رهان الكيف والنوعيّة المنشودة في ظلّ البحث عن مدرسة عصريّة قادرة على تخريج عنصر بشري مؤهل لاقتحام عالم المعرفة والابتكار، اللذين يمثلان سلاح البقاء في عصر العولمة والتقنيّة.
لكن يبقى ملفّ إصلاحات "الجيل الثاني" أهمّ ما يطبع الدخول الجديد، فقد أثار لغطا واسعا بين مؤيدين يرون فيه استكمالا لمشروع تحديث المدرسة وفق المعايير الدوليّة، بينما يتحجّج ناقدوه بالخطورة على قيم المجتمع الجزائري وثوابته، وبين الطرفين، ترفض الحكومة "تسييس" المدرسة واستغلالها في معارك سياسويّة.
وعليه، ستكون نورية بن غبريط على موعد مع امتحان "مصيري" آخر، حيث تتركّز مهمتها الأساسية هذا العام، فضلاً عن السعي لضمان استقرار المدرسة وحمايتها من الاضطرابات الاجتماعية والاحتجاجات المهنيّة، في الدفاع عن رؤيتها الإصلاحية للبرامج والمناهج، والعمل الدؤوب على تجسيدها ميدانيّا، خاصّة وهي تحظى بدعم جزء من شركائها، فضلا عن السند المطلق الذي تلقاه من الحكومة ماديّا برغم الوضع المالي للبلاد، وسياسيا في مواجهة الانتقادات التي طالت الكثير من مقترحاتها حتى الآن.
لن يكون من السهل على وزيرة التربية النجاح في رفع التحدّي الجديد بشأن "الجيل الثاني"، لا سيما أنّ المرأة "الصلبة" بتوصيف عارفيها، آثرت أن تفتح أكثر من جبهة في توقيت واحد، إذ يرتقب الفصل بداية الموسم على أقصى تقدير في مقترح إعادة هيكلة البكالوريا، وهو المشروع الذي يشكل صداعا آخر، بالنظر إلى حساسيته البيداغوجية والأيديولوجية وحتّى الاجتماعية، ولكن بن غبريط تفضّل خوض المعارك بشجاعة برغم الأمواج العاتية التي تصادفها!
إذا لم تجرف الإضرابات النقابية المدرسة الجزائرية في موسمها الجديد، فإنّ عام 2017 قد يكون محطّة فاصلة بين مرحلتين، وقد تتمكّن وزيرة التربية من وضع أسس "متينة" للانطلاق في طور إصلاحي جديد، مع أنّ ذلك يبقى مرهونا باقتناع قطاع واسع من فعاليات المجتمع بمشروعها، وقدرة السلطة السياسية على مقاومة "الرفض الاجتماعي" في حال جنحت لفرض خياراتها الإصلاحيّة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق