الاثنين، 27 يونيو 2016

حسن الابتداء وبراعة الاستهلال

حسن الابتداء وبراعة الاستهلال



حسن الابتداء وبراعة الاستهلال
( لي في ابتدا مدحكم يا عرب ذي سلم ... براعة تستهل الدمع في العلم ))
إذا نظرت في الكلام العربي إما أن تبحث عن المعنى الذي وضع له اللفظ وهو علم اللغة وإما أن تبحث عن ذات اللفظ بحسب ما يعتريه وهو علم التصريف وإما أن تبحث عن المعنى الذي يفهم من الكلام المركب بحسب اختلاف أواخر الكلم وهو علم العربية وإما أن تبحث عن مطابقة الكلام لمقتضى الحال بحسب الوضع اللغوي وهو علم المعاني وإما أن تبحث عن طرق دلالة الكلام إيضاحا وخفاء بحسب الدلالة العقلية وهو علم البيان وإما أن تبحث عن وجوه تحسين الكلام وهو علم البديع
فالعلوم الثلاثة الأول يستشهد عليها بكلام العرب نظما ونثرا لأن المعتبر فيها ضبط ألفاظهم والعلوم الثلاثة الأخيرة يستشهد عليها بكلام العرب.....
و أنه اتفق علماء البديع على أن براعة المطلع عبارة عن طلوع أهلة المعاني واضحة في استهلالها
وشرطوا أن يجتهد الناظم في تناسب قسميه بحيث لا يكون شطره الأول أجنبيا من شطره الثاني
وقد سمى ابن المعتز براعة الاستهلال حسن الابتداء وفي هذه التسمية تنبيه على تحسين المطالع وإن أخل الناظم بهذه الشروط لم يأت بشيء من حسن الابتداء...
قال قاضي هذه الصناعة وفاضلها والمتأخر الذي لم يتقدم عليه بغير الزمان أوائلها
( زار الصباح فكيف حالك يا دجى ... قم فاستذم بفرعه أو فالنجا ) 
أنظر إلى حسن هذا الابتداء كيف جمع مع اجتناب الحشو بين رقة النسيب وطرب التشبيب وتناسب القسمين وغرابة المعنى 
ومثله قوله يخاطب العاذل 
( أخرج حديثك من سمعي فما دخلا ... لا ترم بالقول سهما ربما قتلا
وقد نبه مشايخ البديع على يقظة الناظم في حسن الابتداء فإنه أول شيء يقرع الأسماع ويتعين على ناظمه النظر في أحوال المخاطبين والممدوحين وتفقد ما يكرهون سماعه ويتطيرون منه ليتجنب ذكره ويختار لأوقات المدح ما يناسبها.
ومن مستقبحات الإبتداء
فقد حكي أن أبا النجم الشاعر دخل على هشام بن عبد الملك في مجلسه فأنشده من نظمه
( صفراء قد كادت ولما تفعل ... كأنها في الأفق عين الأحول ) 

وهشام بن عبد الملك أحول فأخرجه وأمر بحبسه 
وكذلك اتفق لجرير مع أبيه عبد الملك فإنه دخل عليه وقد مدحه بقصيدة حائية أولها 
( أتصحو أم فؤادك غير صاح ... ) 
فقال له عبد الملك بل فؤادك (وقام بطرده))
ومن مستقبحات الابتداء قول البحتري وقد أنشد يوسف بن محمد قصيدته التي أولها
( لك الويل من ليل تقاصر آخره ... ) 
فقال بل لك الويل والخزي،
وأما قصة إسحاق ابن إبراهيم الموصلي في هذا الباب ...أنه دخل على المعتصم وقد فرغ من بناء قصره بالميدان فشرع في إنشاء قصيدة نزل بمطلعها إلى الحضيض وكان هو وحكاية الحال في طرفي نقيض وهو
( يا دار غيرك البلا ومحاك ... يا ليت شعري ما الذي أبلاك ) 

فتطير المعتصم من قبح هذا المطلع وأمر بهدم القصر على الفور
وقصة ذي الرمة مع عبد الملك تقارب قصة إسحاق مع المعتصم فإنه دخل عليه يوما فأمره بإنشاد شيء من شعره فأنشد قوله
( ما بال عينك منها الماء ينسكب ) 
وكان بعين عبد الملك رمش فهي تدمع أبدا فتوهم أنه خاطبه وعرض به فقال له ما سؤالك عن هذا 
فمقته وأمر بإخراجه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق