الأولياء ينددون بالوضع الكارثي ويطالبون بن غبريط بالتدخل المدارس الخاصة.. التلميذ ورقة ”جوكير” والعلم يباع بالملايين!
* أولياء تلاميذ: ملاّك هذه المدارس ”مافيا” ونحن ضحايا لهم، وسنرجع أبناءنا للمدارس العمومية
* رئيس الجمعية الوطنية للمدارس الخاصة: ”المدرسة الجزائرية لا تطلق مشاريع مجتمع”
تتعالى أصوات أولياء أمور يزاول أبناؤهم التعليم بالمدارس الخاصة، تنديدا بمستواها المتردي، الأمر الذي اضطر البعض منهم إلى رفع شكوى جماعية إلى وزارة التربية. فرغم أن بعضا منها رمز للتكوين العلمي المتقدم والرفيع المستوى، إلا أن البعض الآخر يخطو قدما نحو عالم السمسرة والمتاجرة بالمواد الدراسية. فهل ستكون المدارس التربوية الخاصة جزءا من ملفات الفساد مستقبلا بالجزائر..؟
بعد أن سجلت بها الوزارة الوصية تجاوزات على جميع الأصعدة
هل ستكون المدارس الخاصة جزءا من ملفات الفساد مستقبلا؟
من كان يتوقع أن تهترىء يوما أسوار بعض المدارس التربوية الخاصة التي شيدت من حصن عتيد؟ حيث كانت ذات سمعة لا يستهان بها، كما زادت تلاميذها مكانة معنوية تفوق مكانة نظرائهم بالمدارس العمومية، وطالما كانت مجرياتها بعيدة عن العيان ووسائل الإعلام. لكن بعض الأولياء قرروا اعتزال سكوتهم، بعد تقرب بعضهم من ”الفجر” وقدموا إفادتهم حول واقع تحتويه بعض المدارس الخاصة أقل ما يقال عنه ”مزري”، بعد أن أشبع أبناؤهم بيروقراطية وأصبح مستقبلهم على المحك، لتهاوي مستواهم العلمي وتراجع معدلهم والنقاط المحصلة من مردودهم المدرسي.
صرحت سيدة لـ”الفجر” يزاول ابنها تعليمه بمؤسسة خاصة ببلدية القبة، أن الإعلام أصبح مقصدها ”المنصف” رفقة عدد من الأولياء، الذين تنقلوا جماعة احتجاجا على وضع أبنائهم بذات المؤسسة إلى مقر وزارة التربية بـ 08 شارع بكين ببلدية المرادية، لتقدم السيدة كل معلومة لنا وسط رقابة ذاتية ”عجيبة” في البداية، باعتبار أن الابن مقبل على شهادة تعليم، وتحرص كل مرة المعنية بالأمر على عدم كشف اسمها، لأن الأمر سيعرض ابنها لضغط نفسي قاهر في حالة معرفة إدارة المدرسة بالأمر، حسب ما قالته. لكنها فتحت لنا خلسة ملفا أقل ما يقال عنه من ملفات الفساد ببلدنا، لكنه لم يصل بعد عقر العدالة..
شكاوى الأولياء في تصاعد
مدارس خاصة.. مؤسسات تربوية أم سجون للطفولة؟!
تتعلق شكاوى الأولياء الذين تنقلوا جماعة إلى مقر وزارة التربية الوطنية، احتجاجا على الوضع البيداغوجي الكارثي الذي يتتلمذ في إطاره أبناؤهم، بمؤسسة التربية والتعليم ”السمسق”، المتواجدة ببلدية القبة في الجزائر العاصمة. كما أن البلدية تعرف وجود عدد معتبر من هذه المدارس الخاصة التي لا تخلو هي الأخرى من التجاوزات، غير أن شكاوي الأولياء التي وصلتنا اقتصرت على مدرسة ”السمسق”، ما دفعنا لفتح تحقيق في الأمر والتنقل إلى عين المكان للحصول على معلومات وتوضيحات لتبيان الحقيقة.
في هذا السياق، صرح أولياء أمور لـ”الفجر” أنهم وقعوا وأبناءهم ”ضحايا” لهذه المدرسة الخاصة نظرا لواقع تمدرس أطفالهم الذي تفاجؤوا به، حيث أن التكوين ”هش” وعمل المراقبين متدني، كما أنهم ليسوا مؤهلين علميا وثقافيا للتعامل مع تلاميذ في الأطوار التعليمية الأولى من حياتهم.
ومن حيث تهيئة الأقسام أخبرنا الأولياء أن المدرسة لا تتوفر على أجهزة التدفئة ولا مكيفات هواء. أما وجبة الغذاء فتفتقر للمعايير الصحية المغذية.. ليتساءل الأولياء عن المستقبل الصحي كذلك لأولادهم الذين لا يتمتعون بوجبة صحية عند منتصف النهار، إلى جانب أن بعضا من الأطفال يرجعون وجباتهم الخفيفة الخاصة بفترة الاستراحة إلى البيت، نظرا للوقت الضيق الذي تمنحه إدارة المدرسة لتناولها.
وصرح الأولياء أن أبناءهم لا يمارسون الرياضة والنشاطات الترفيهية التي تساعدهم على مردودية تعليم متقدمة، أما الرحلات التي تنظمها المدرسة، والتي تعتبر نادرة، فهي تكون بمقابل مالي.. ليتساءل الأولياء عن التكلفة المالية التي دفعت قبلا ميزانية للتدريس، إذا كانت النفقات تتزايد خلال العام الدراسي..؟.
تنقلت ”الفجر” مرات عديدة إلى مقر مدرسة ”السمسق” وقت دخول وخروج التلاميذ، لنتأكد أن أعوان المراقبة فعلا يفتقرون للحس التربوي، حيث يمنع الأولياء منعا باتا من دخول فناء المدرسة، وتتكفل مراقبة تبدو عليها ملامح ”القسوة” بإخراجهم بعد المناداة على أسمائهم الواحد تلو الآخر بصوت عال عند مدخل البوابة الرئيسية، وتسلمهم لأوليائهم.
أساتذة يدرّسون بالقطاع العمومي والمدارس الخاصة في آن واحد!
يعتمد أساتذة بالمدرسة التي تلقت ”الفجر” شكاوي حولها، الطريقة المزدوجة في التدريس، بتدريسهم بالمدارس العمومية، وينشطوا كذلك بالمدارس الخاصة في ذات الوقت، أي أنهم صنعوا سوقا سوداء بإرادتهم ليجعلوها موازية للقطاع العمومي، حيث أفادت ولية أمر أخرى أن المشكل قائم كثيرا مع معلمي اللغة العربية، الذين تكثر غياباتهم، ليعلم الأولياء بعدها أن السبب هو توليهم مناصب تدريس بالمؤسسات التربوية العمومية، فمن المستحيل التحكم في برنامجين دراسيين وتنظيم الوقت..
دروس خصوصية لتلاميذ يدفع أولياؤهم 30 مليون سنتيم سنويا
طالما اعتبر مشكل الدروس الخصوصية خاصا بتلاميذ المؤسسات التربوية العمومية، نظرا للإضرابات المتوالية التي عاشتها، إلى جانب جعلها ”موضة” من قبل عدد من المعلمين. والغريب في الأمر أن المدارس الخاصة ليست في منأى عن الوضع، حيث استنكر الأولياء عرض كثير من الأساتذة تقديم دروس تدعيمية لتلاميذ أقسامهم بمبلغ معتبر، والتي تضاف إلى كثير من النفقات مثل ضرورة إحضار ورق المرحاض، ورق الطاولة عند الأكل، الصابون السائل لغسل اليدين، الأوراق البيضاء، باعتبار أن هذه المدارس لا توفرها. فالمشكل القائم هو التمييز بين التلاميذ الذين يعتمدون الدروس الخصوصية وغيرهم من أقرانهم من قبل المعلم، حسب تصريحات الأولياء. ونفس هذه النقائص موجودة في مدرسة خاصة بالدار البيضاء، حيث أخبرتنا إحدى الأمهات أنها تضطر لاقتناء المواد السابقة الذكر كلما نفدت من المدرسة وطُلب منها ذلك.
”الفجر” تقف على الحقيقة بإحدى المدارس الخاصة
تنقلت ”الفجر” إلى مقر المدرسة الخاصة ”السمسق”، والتي أكد لنا عدد من أولياء التلاميذ فيها أن مرحلة تعليمية بها تنشط دون اعتماد، حيث مثلنا دور مواطنة تود تسجيل أحد أقاربها بها في السنة الأولى ابتدائي، ليتم استقبالنا أمام مدخل البوابة الرئيسية لمبنى تدريس الطور التحضيري والمرحلة الابتدائية من قبل مراقبة، وتطلب منا الانتظار لمهلة بهدف استشارة أعوان الإدارة. كان على مقربة مرمى حجر منا أطفال الطور التحضيري في الساحة أثناء اللعب، وكنا نشاهد بأعيننا غياب الحس التربوي في التعامل مع التلميذ، حيث طلبت إحدى البنات من مراقبة أخرى إمكانية اللعب مع مجموعة معينة، لتصعر المراقبة خدها للطفلة وتتثاقل في ردها، لنتأكد عبرها من شكاوي الأولياء الذين صرحوا أن المراقبين يفتقرون فعلا للحس التربوي وفن التعامل مع الطفل.
من أجل توضيح ذلك، اتصلت ”الفجر” عديد المرات بالمدرسة التي بلغت شكاوى أولياء التلاميذ منها الوزارة الوصية والمؤسسة الاعلامية، لتبليغها بها، وبعد الحديث مع عدد من أعضاء الإدارة هناك أكدوا لنا أن مديرة المدرسة ستتصل بنا لاحقا بهدف حق الرد، لكن الانتظار دام أزيد من شهر دون أي توضيح من طرفها.
منها إلغاء مادة التربية الرياضية
الجمعية الوطنية للمدارس الخاصة تعترف بالتجاوزات الحاصلة
أفاد سليم آيت عامر، في مداخلته على هامش الندوة الصحفية التي نظمت مؤخرا بفوروم جريدة المجاهد، أن الطور الابتدائي هو الذي ينال حظا أوفر للاستثمار في فتح المدارس التربوية من قبل الخواص، لكن تبقى هذه المدارس رهينة إرادة السلطات في توسيع نشاطها، باعتبار أنها تفتقر لوضع قانوني واضح في المنظومة القانونية للدولة الجزائرية، فمازالت تنشط داخل المجتمع دون عنوان، حسب آيت عامر.
ليعترف ذات المسؤول بالإخفاقات التي تعيشها المنظومة التربوية نظرا لعديد الإصلاحات التي لم تستطع بعد التأسيس لتكوين علمي يعتمد عليه كزاد للبحث الأكاديمي الدقيق، وتحقيق معنى صناعة الثقافة التي يجب أن تخرج من أسوارها، فالمشكل - يضيف آيت عامر - لا يكمن في المنهاج الدراسي المتبع ولا في اللغة المعتمدة في التدريس، بل المشكل في عدم امتلاك المدرسة الجزائرية ”مشروع مجتمع” ينطلق منها، ليبقى التعليم في الواقع الراهن مخبر تجارب!.
في حين أن رئيس الجمعية الوطنية للمدارس التربوية فنّد عملية المتاجرة بالنقاط والمعدلات لضمان انتقال التلاميذ، حتى الذين كانوا يزاولون تعليمهم بالمدارس العمومية والتحقوا بعدها بالمدارس الخاصة لضمان النجاح. لكن أكدت يمينة بلعيد، المكلفة بالاتصال بذات الجمعية، أن الأبواب مفتوحة لمواصلة الدراسة دون شروط تعجيزية، خاصة التلاميذ الذين تسببت إخفاقاتهم المتعددة في كشف نقاط تكتب فيه الإدارة ”يوجه إلى الحياة المهنية”، لتعتبر ذات المتحدثة أنه من غير العقلاني توجيه إنسان يبلغ 16 عاما في عمره إلى الحياة المهنية، بل هي بداية ولوجه لعالم الفكر والاستيعاب العلمي..
تساؤلات وشكاوى.. ووزارة التربية لا ترد
الإصلاحات مست المدارس العمومية.. والمدارس الخاصة لا محل لها من الإعراب
لا يمكن تجاوز شكاوى أولياء وجدوا مستقبل أولادهم على المحك، كما لا يجب غض الطرف عن أي طرف بإمكانه أن يكشف اللبس عن الموضوع، لتتبرأ الجمعية الوطنية للمدارس التربوية الخاصة من أي مدرسة خاصة تنشط دون اعتماد، كونها تمثل المعتمدة منها فقط. ورغم وجود أزيد من 320 مدرسة تربوية خاصة معتمدة عبر عدد من ولايات الوطن، إلا أن الجمعية انخرط فيها حوالي 100 مدرسة فقط.
راسلت ”الفجر” وزارة التربية الوطنية عبر الفاكس، قصد الإفادة بمعلومات حول الموضوع الذي يعتبر أحد أكبر الإشكاليات بقطاع التربية بعد عدد من الاتصالات الهاتفية، لتبقى مراسلتنا دون رد رغم حساسية الملف، كون الوزارة الوصية هي صاحبة الصلاحيات في ما يتعلق بإحصاء المدارس التربوية التي تنشط دون اعتماد، والمكلفة بمهمة التفتيش والمراقبة بهذه المدارس التي يتزايد عددها مع كل سنة مدرسية جديدة، بالإضافة إلى أنها تلقت شكاوى من أولياء أمور حول تجاوزات طالت أبنائهم في مدارس خاصة.
المكلفة بالاتصال بالجمعية الوطنية للمدارس التربوية الخاصة، يمينة بلعيد:
”الجمعية لا تمثل المدارس الخاصة غير المعتمدة ونحن بريئون منها”
صرحت يمينة بلعيد المكلفة بالاتصال بالجمعية الوطنية للمدارس التربوية الخاصة، أن قطاع التربية تشوبه الكثير من الثغرات، كما أنه ليس في منأى عن التلاعبات بأي شكل من الأشكال، مثله مثل أي قطاع آخر. وفي ردها على سؤالنا حول عدد المدارس الخاصة التي سجلتها الجمعية والتي تنشط دون اعتماد، أجابت المتحدثة أن الأمر خارج عن صلاحيات الجمعية، كون الوزارة الوصية هي المسؤول الأول عن إحصاء هذه المدارس، وكذا تطبيق الرقابة من خلال فرق التفتيش سواء على مستوى المدارس العمومية أو الخاصة، لتكون صاحب القرار النهائي كذلك حول استمرارية المدارس الناشطة دون اعتماد أم لا. ورغم اعتراف يمينة بلعيد ”ضمنيا” بالتجاوزات التي يعيشها قطاع التربية، إلا أنها تحفظت في ذات الوقت عن الإشكاليات التي تعتبر بيت القصيد في طرحنا لها، حيث أكدت أن تأسيس مدرسة تربوية خاصة لا يتطلب أن يملك الشخص شهادة علمية، بل بإمكانه أن يكون أميا، لكن مسير المدرسة عليه أن يكون حاملا لشهادة أكاديمية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق