الأحد، 17 أبريل 2016

الأساتذة المتعاقدون تحت الحصار وسكان بودواو يحذرون "المساس بالمحتجين خط أحمر"

الأساتذة المتعاقدون تحت الحصار وسكان بودواو يحذرون

"المساس بالمحتجين خط أحمر"


تحوّلت منطقة الهضبة التي اتخذها الأساتذة المتعاقدون مكانا لاحتجاجهم إلى مكان محاصر بالكامل، حيث تجند رجال الأمن بالزيين الرسمي والمدني وقاموا بغلق كل المنافذ وأبقوا على مدخل وحيد حتى لسكان المنطقة لمنع احتكاك المتعاقدين بأشخاص خارج مكان الاحتجاج. في المقابل، ضرب سكان الحي والأحياء المجاورة مثالا في التضامن مع المحتجين، حيث اعتبروا المساس بالأساتذة خطا أحمر.

وصلنا إلى مكان الاحتجاج في حدود منتصف النهار من يوم أمس، السكون الذي كان يخيم على المنطقة يوحي في بداية الأمر بأن اعتصام الأساتذة قد تم فضه، قبل تفاجئنا بالطوق الأمني الذي حال دون وصولنا إلى “ساحة الكرامة” مباشرة مثلما جرت عليه العادة. وصادف وجودنا مرور أحد سكان المنطقة الذي سألناه عن كيفية الوصول إلى المحتجين، فطلب منا أن نتبعه، وفي طريقنا كان يتكلم عن الممرات التي قال إنها كانت مفتوحة وتم غلقها تدريجيا وترك مسلك واحد يمر به حتى السكان الذي حرموا بدورهم من الالتحاق بأماكن إقامتهم عبر الطرق القريبة لذلك.
كل شيء ممنوع.. ومشاهد الحصار تذكر بغزة
بمجرد دخول مكان الاعتصام الذي أحكم غلق منافذه، تجد رجال الأمن الذين انتشروا بشكل واسع في المنطقة معظمهم بالزي المدني، منعونا من الدخول إلى مكان الاعتصام للحديث مع الأساتذة بحجة أن هناك أوامر عليا تمنع ذلك، وحتى حديثنا مع المحتجين من وراء القضبان لم يكن مرغوبا من قبلهم. وأنا أسعى لإيجاد طرق تمكننا من الحديث مع المحتجين، نسيت أننا في الجزائر من شدة التعزيزات الأمنية ومراقبة حركة المحتجين. إنها منطقة محاصرة، هذا التشبيه لم يكن يدور في مخليتي وحدي، لأن كل من تحدثت معه من الأساتذة قال لي هذه العبارة، أساتذة تأسفوا كثيرا على الإجراءات الأخيرة التي أكدت ممن تمكنا من إخراجهم من الطوق وتكلمنا معهم خارجه على الوضعية التي آلوا إليها، ووصفوا التضييق في بدايته أول أمس بأنه كان عنيفا لدرجة أن بعض الأستاذات ذرفن دموعا وهن يقلن إن أحد المحلات الذي كن يعبئن عنده رصيد هواتفهن أخبرهن أن رجال الأمن أمروه بعدم تعبئة رصيد أي أستاذ من هنا فصاعدا وإلا سيتعرض إلى عقوبات قاسية. تصرف مثل هذا، تضيف أستاذة، يكشف عن “لا إنسانية” في التعامل، كيف لا والأساتذة المحتجون، حسبها، يعبئون أرصدتهم من أجل الاتصال بذويهم وليس لممارسة السياسة كما يتهمونهم، وهو ما ذكره أستاذ آخر أن لهم درجة من الوعي ربما لا توجد عند مسؤول سام في الدولة ولن يكون لعبة في يد أحد، واستمرار احتجاجهم سببه الوحيد أنهم أصحاب حق ولن يتركوا المكان إلا وهو معهم. ونحن نتحدث إلى الأساتذة كنا نشاهد زملاءهم داخل ساحة الاحتجاج يوزعون الخبز وأكياسا صغيرة وضعت فيها مادة الكاشير، فاستفسرنا عن هذه الوجبة البسيطة أهي دليل تراجع التضامن الذي لمسناه في الأيام الأولى؟ أم أن هناك أسبابا أخرى؟ فرد محدثونا أن تضامن الناس معهم لم يتوقف وهم الذين غمروهم بكرمهم منذ أول يوم وصلوا فيه إلى بودواو وحتى قبله في الولايات التي مروا بها، إلا أن الوجبة التي شاهدناها هي ما استطاع أن يؤمنه المتعاقدون من الأموال التي جمعوها فيما بينهم، بعد منع قوات الأمن دخول المواد الغذائية لساحتهم، وكذا منع السكان والمحسنين من تقديم مساعداتهم، كل ذلك، حسبهم، لتخويفهم، متناسين، حسب أحد المحتجين، أن الأستاذ المتعاقد الذي قطع آلاف الكيلومترات وترك المنصب والعائلة لم يعد يهمه شيء ولا يخيفه حتى الموت جوعا.
عتب على سلال الذي تخلى عنهم في يوم العلم
قبل أن تصل تصريحات الوزير الأول عبد المالك سلال من قسنطينة حول مطلبهم، عتب الأساتذة المتعاقدون كثيرا على سلال الذي فضّل، حسبهم، الذهاب إلى قسنطينة للإشراف على حفل اختتام تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية التي أهدر لأجلها الملايير من أجل جلب فنانين من كل مكان لإحياء الحفلات رغم التقشف، في حين يمنع عليهم الإدماج بدافع التقشف، ولم يكلف نفسه عناء التنقل إليهم والاستماع لانشغالاتهم في يوم العلم الذي يكرم فيه المعلم.
أما حول تصريحاته التي طلب من خلالها التعقل، وأن كل شيء يجب أن يخضع للقانون وضرورة المرور على المسابقة، فذكر ممثل تنسيقية المتعاقدين، بشير سعيدي، أن تصريحات الوزير الأول لم تقدم الجديد، وهم لن ينتظروا شيئا سوى تدخل رئيس الجمهورية لإنصافهم بإدماجهم في مناصبهم، خاصة أن الرغبة الواسعة للأساتذة بعدم مغادرة المكان جعلت الإرادة كبيرة رغم التعب والإرهاق والمرض والوهن الذي طال الكثير منهم، لأن العودة إلى الديار، حسبه، دون افتكاك تأشيرة الإدماج لا معنى له، فالإدماج أصبح، حسبه، قضية حياة أو موت. 
تضامن سكان بودواو يصنع الحدث
وطّد اعتصام الأساتذة المتعاقدين بعد عدة أيام من الإقامة في المنطقة العلاقة مع سكان بودواو، لدرجة أصبح الأساتذة بالنسبة لأهالي المنطقة كأنهم من أفراد العائلة أو من الأقارب الذين لا يسمح الاقتراب منهم إذا أحسوا بمحاولة إلحاق الأذى بهم، فقد صادفنا إحدى السيدات التي مرت بالمنطقة، اصطحبت معها عددا من الأستاذات لتناول وجبة الغداء في بيتها، حيث أخبرتنا أنها معهم في كل الظروف، لأن الجزائري، على حد قولها، يساند أخاه “الزوالي”، خاصة بعد اطلاعهم على متاعبهم التي عانوا منهم طيلة عملهم بنظام التعاقد، وعدم استلام أجورهم منذ سنوات، الأمر الذي جعل سكان أحياء 950 مسكن مكان إقامة المحتجين وأحياء مجاورة مثل لصاص وبن عجال في تواصل دائم فيما بينهم لمعرفة آخر التطورات، والسكان، حسب المتحدثة، أقسموا بأغلظ الأيمان أن أي محاولة لرجال الأمن لفض الاعتصام بالقوة سيكون أول ما يواجهونه هم السكان، لأنهم لن يسمحوا بإلحاق الأذى بهم، وهم بالنسبة لهم خط أحمر لا يمكن تجاوزه.
التضامن معهم، حسب ما حدثنا به سكان الحي، تجاوز حدوده، لدرجة أنهم أصبحوا ينامون بالتناوب حتى يبقى دائما فريق يراقب الأمور من بعيد لإبلاغ باقي السكان في حال وقع أي طارئ، وهنا أبلغنا أحدهم أنه وصلتهم أخبار أول أمس في الساعة الثانية صباحا بأن قوات الأمن تعتزم فض الاحتجاج، فقاموا بالاتصال فيما بينهم، وفي لحظات تفاجأ رجال الشرطة بثلة من المساندين الذين التحقوا بالمكان، وهكذا ستبقى الأوضاع، حسبهم، إلى أن يجدوا حلا لهؤلاء لأنه في الأخير، حسبهم، “ماشي الخير لي جابهم إلى بودواو وقطعوا من أجله آلاف الكيلومترات”.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق