يتألف كتاب العدالة الاجتماعية من 622 صفحة تتوزع على ستة عناوين كبرى تلخص نظرة سيد قطب رحمه الله -الشمولية- للمسألة الاجتماعية، وهي:
1- ضرورة المجتمع في الإسلام
2- طبيعة العدالة الاجتماعية في الإسلام
3- أسس العدالة الاجتماعية في الإسلام
أ- الحرية
ب- التكافل
4- وسائل العدالة الاجتماعية في الإسلام
أ- عدالة الحكم
ب- عدالة المال
5- من الواقع التاريخي في الإسلام
6- حاضر الإسلام ومستقبله
أولا: الدين والمجتمع: ضرورة المجتمع في الإسلام
تحت العنوان الأول يميز سيد قطب بين المجتمع المسلم وبين المجتمع النصراني واليهودي، فإذا كان المجتمع اليهودي متجردا لا روحانية فيه، وإذا كان المجتمع النصراني منشطرا إلى روحانية رهبانية ونظام قانوني وضعي، بينهما علاقة انفصال واتصال (مد وجزر)، فإن المجتمع الإسلامي لم يكن رهينة إمبراطورية أو مَلك، بل نشأ مستقلا بروحانيته وسلوكه ومعاملاته، جامعا بين الدعوة والدولة، بين ضمير الفرد وواقع الجماعة “لا يتعدد جوهره الموحد، وإن اختلفت مظاهره ومسالكه” ص 11.
وعن مجتمعية الإسلام يقول رحمه الله: “ولن يستقيم هذا الدين في عزلة عن المجتمع، ولن يكون أهله مسلمين، وهم لا يحكمونه في نظامهم الاجتماعي والقانوني والمالي، ولن يكون مجتمعهم إسلاميا، وأحكام الإسلام وشرائعه منفية من قوانينهم ونظمهم” ص12. فالدين كل لا يقبل التجزئة.
وفي هذا الإطار يورد رحمه الله جملة من الآيات والأحاديث، كقوله صلى الله عليه وسلم: “الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل الصائم النهار” رواه الشيخان.
الصلاة، الصوم، العمل، العلاج الخيري….. لها اتجاه واحد…. ولا عزلة بين المجتمعي والديني كما هو الشأن عند الغرب.
والسلطة في الإسلام مستمدة من مرتكزين اثنين هما:
أ- الجماعة الإسلامية: أي جماعة المسلمين.
ب- أحكام الشريعة: أي تنفيذ أحكام الشريعة في حياة الناس.
وخارج هذه الشرعية فلا شرعية للسلطة.
إلا أنه في تاريخنا يقول سيد قطب- وقع أن استعمل الدين لتخدير الناس… وإن لم يكن أي سبب لتنحية الإسلام عن المجتمع لأن “الإسلام يفرض قواعد العدالة الاجتماعية، ويضمن حقوق الفقراء في أموال الأغنياء، ويضع للحكم وللمال سياسة عادلة، ولا يحتاج لتخدير المشاعر، ولا دعوة الناس لترك حقوقهم على الأرض، “ومن قُتل دون مظلمة فهو شهيد” رواه النسائي. ص 17.
وهكذا فالإسلام لا يقبل إبعاد الدين عن حياة الناس تحت أي مبرر (وإن كان هو تغيير هذه الظروف) لأن الإسلام دين الله لخلقه ومتغيرات الكون هي من خَلق الله وهو أعلم بنا وبها، لذلك وضع لنا الخطوط الثابتة والمبادئ العامة والقواعد الشاملة، وترك التطبيقات لتطور الزمان، ولم ترد التفصيلات الجزئية إلا في المسائل التي لا يتغير حكمها. لذلك فليس علاج ما بالأمة هو ترك الدين في عزلة تعبدية ونأخذ التشريع من الغرب…. إن العبودية لله لا تتحقق إلا في صورة الحكم بشريعة الله. ونشأة الدين وصراعه مع العلم والدولة في الغرب، لا تشبه نشأة الإسلام، الذي هو منهج وإطار تصاغ منه أشكال متجددة، لكنها قائمة على أصول ثابتة تجعلها دائما في المقدمة “كنتم خير أمة”.
ثانيا: طبيعة العدالة الاجتماعية في الإسلام:
أما عن طبيعة العدالة الاجتماعية في الإسلام، فلا يمكن إدراكها إلا ضمن التصور العام للإسلام حول الكون والألوهية والحياة والإنسان، وباعتبار أن الإسلام يمثل تصورا شاملا ومتكاملا يعالج مختلف مجالات الحياة.
وهذا التصور الأصيل لا نجده عند “فلاسفة الإسلام” (ابن سينا، الفارابي، ابن رشد…) الذين قلدوا الفلسفة اليونانية ولم يتجاوزوها، إنما الأصل هو القرآن والحديث والسيرة: حيث تتجلى الصورة كاملة متناسقة..
الكون كله قائم بالقسط، والعدل بين مطالب الجسد ومطالب الروح، الفرد والجماعة، الدنيا والآخرة….
الفرد والجماعة والطائفة والأمة والجيل والأجيال كلها يحكمها قانون واحد ذو هدف واحد: أن ينطلق نشاط الفرد ونشاط الجماعة غير متعارضين- لبناء الحياة وإنمائها، والتوجه بها إلى خالق الحياة. ص 26.
أي ليس للفرد طقوسه وللجماعة طقوسها، وليس للدنيا دين وللآخرة دين، وليست العبادة وحدها والشريعة وحدها، بل الإسلام وحدة متكاملة لا تقبل الفصل بين العبادة والمعاملة، أو بين العقيدة والشريعة أو بين الدنيا والآخرة….وعن هذه الوحدة الكبرى تصدر التشريعات الاجتماعية والاقتصادية.
لهذا يرى سيد قطب أن العدالة في الإسلام هي “عدالة إنسانية شاملة لكل جوانب الحياة الإنسانية”.. وليست مجرد عدالة اقتصادية محدودة، لأن الحياة في الإسلام ليست علاقات مادية مقطوعة، وإنما هي “تراحم وتواد وتعاون وتكافل… بين المسلمين على وجه خاص، وبين جميع أفراد الإنسانية على وجه عام”.
إذن فللعدالة الاجتماعية ركيزتان:
1- ركيزة الوحدة المطلقة المتناسقة بين مقومات الإسلام.
2- ركيزة التكافل العام بين الأفراد والجماعات.
فالوحدة الإسلامية ضد التجزيء والانتقاء، والتكافل ضد التظالم والطغيان، فلا يقبل الإسلام طغيان الفرد على الجماعة ولا يبرر ظلم الجماعة لفطرة الفرد وطاقت ومواهبه. لذلك أوجب حفظ كرامة الفرد ليستطيع أن يبدع ويستثمر كامل طاقته مقررا مبدأ تكافؤ الفرص والعدل بين الجميع، ولكنه ترك مجالا للمنافسة والتفاضل بالجهد والعمل. لهذا “لا يفرض الإسلام إذن المساواة الحرفية في المال، لأن تحصيل المال تابع لاستعدادات ليست متساوية، فالعدل المطلق يقتضي أن تتفاوت الأرزاق…مع تحقيق العدالة الإنسانية” ص 29.
فالإسلام لا يجعل الحياة مجرد مطعم ومشرب وشهوات، وإن كان يكفل الكفاية لكل فرد، وإنما يحرم الترف والإسراف والربا والاستغلال والإفراط في الملذات والجشع والفوارق، لأنها مفاسد اجتماعية وأخلاقية ولأنها مفاسد روحية أيضا، تضيع للإنسان آخرته كفرد ودنياه كفرد وكجماعة وأمة.
ثالثا: أسس العدالة الاجتماعية في الإسلام:
حصر سيد قطب رحمه الله هذه الأسس في ثلاثة:
1- الحرية: التحرر الوجداني المطلق.
2- المساواة: المساواة الإنسانية الكاملة.
3- التكافل: التكافل الاجتماعي الوثيق.
التحرر شعور نفسي باطن، قبل أن يكون تشريعا ملزما…. التحرر عقيدة تجمع بين الوجدان والواقع، بين التشريع والتنفيذ، وقد بدأ الإسلام بتحرير الوجدان البشري من عبادة غير الله، فلا عبادة لسواه، ولا حاكمية لغيره، حتى لا يتخذ الناس بعضهم بعضا أربابا من دون الله، فيشوه التحرر الوجداني بالضغط على الفرد وتخويفه وظلمه…
التحرر الوجداني من الجبن والخوف والشرك والطمع والكبر وعبادة المال والجاه والحسب والنسب ” إن أكرمكم عند الله أتقاكم”
ويعرض علينا القرآن صورا كثيرة للتحرر الوجداني أو عدمه، كقارون مع فتنة المال والشراء حيث لم يتحرر.
أما المساواة فنابعة من الضمير ومصونة بالتشريع، انطلاقا من قاعدة: “وحدة الجنس البشري وفي المنشأ والمصير، في المحيا والممات، في الحقوق والواجبات: ص 85، أمام الله وأمام القانون.
لهذا برئ الإسلام من العصبية الجاهلية والاستعباد والاستعلاء على الناس بالنسب والحسب والجنس، “كلكم من آدم، وآدم من تراب”… رجالا ونساء………..
لكل الناس نفس الكرامة.
أما التكافل الاجتماعي فلا يتأتى بالتحرر المطلق من كل التزام أو بالمساواة المطلقة التي لا شرط لها لأن هذا يحطم الفرد مثلما يحطم الجماعة.
لذلك فالواجب اعتبار مصلحة الجماعة/المجتمع “القبعة الجماعية” عبر: التكافل: “بين الفرد وذاته، وبين الفرد وأسرته، وبين الفرد والجماعة وبين الأمة والأمم، وبين الجيل والأجيال المتعاقبة، ص 53.
– بين الفرد وذاته: تزكية النفس.
– بين الفرد وأسرته: التعاون، والتياسر: “وبالوالدين إحسانا”…
– بين الفرد والجماعة: التوحيد بين المصلحتين (حديث السفينة) لحفظ الأمة.
– بين الأمم: التعارف والتنافس والتعامل.
– بين الأجيال: وحدة المصير.
رابعا: وسائل العدالة الاجتماعية في الإسلام:
الوسيلة الأولى: سياسة الحكم
لما كانت العدالة في الإسلام تقوم على ركيزتين:
1- التكليف القانوني داخل المجتمع
2- والضمير البشري داخل الفرد
فهي عدالة شاملة، وتتطلب وسائل من نفس الطبيعة (شاملة)، أي:
– وازع فردي: الرحمة، الصدقة، التسامح، العطف، الإيثار… (الضمير)
– ووازع السلطة التشريعية: الأحكام القانونية والتنفيذ الحكومي… (الشريعة)
وبهذين الوازعين حرَّم الإسلام الاحتكار والادخار والبخل والشح والربا وأكل أموال الناس بالباطل والرشوة والاكتناز.
وبالتالي فلا عدالة شاملة إلا في إطار الحكم الإسلامي.
وينتقد سيد قطب تلك المحاولة المنهزمة التي تبحث فقط عن التشابه بين الإسلام والنظم البشرية، لتجد سندا تقول من خلاله: حتى الإسلام قال كذا وجاء بكذا.
والحقيقة أن الإسلام لا يقارن بنظام من تلك الأنظمة، فهو نظام مستقل متكامل… “إنه يقوم على أساس أن الحاكمية لله وحده. فهو الذي يشرع وحده. وسائر الأنظمة تقوم على أسس الحاكمية للإنسان، فهو الذي يشرع لنفسه” ص 76.
وكما أن الإسلام ليس نظاما من الأنظمة البشرية فكذلك ليس هو خليطا منها “وليس مستمدا من مجموعها”. وإن كان قد “يحدث في تطور النظم البشرية أن تلتقي بالإسلام تارة، وأن تفترق عنه تارة”. إلا أنه يختلف عنها في الأصل والصميم. وبالتالي لا يجوز الحديث عن “اشتراكية الإسلام” و”ديمقراطية الإسلام”…
يقوم نظام الإسلام -حسب سيد قطب- على فكرتين أساسيتين هما:
1- |وحدة الإنسانية: في الجنس والطبيعة والنشأة، والمساواة المطلقة بين جميع بني الإسلام.
2- عالمية الإسلام: هو النظام العالمي العام “الذي لا يقبل الله من أحد نظاما غيره” ص78، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أُرسل إلى الناس كافة…لكن ذلك لا يعني إكراههم على الدخول في الإسلام بل هم أحرار، والحكم الإسلامي “يضمن للجميع المساواة المطلقة والتكافل التام” ص80 مسلمين وغير مسلمين.
وذلك لأنه ينطلق من قاعدتين أساسيتين هما:
أ- قاعدة الحاكمية: الحاكمية لله وحده في الخلق والمشيئة والمنهج والتشريع، وإلا وقع الناس في الشرك أو الكفر. “وبناء على هذه القاعدة لا يمكن أن يقوم البشر بوضع أنظمة الحكم وشرائعه وقوانينه من عند أنفسهم”. ومنه على الحاكم والمحكوم استحضار الرقابة الإلهية في كل تصرف.
ب-قاعدة العدل: أي على الحكام أن يحكموا بعدل الإسلام {إن الله يأمر بالعدل والإحسان} وعلى أساس ذلك تجب طاعة المحكومين لهم، ولا طاعة في غياب الحكم بالعدل “لأن ولي الأمر في الإسلام لا يطاع لذاته، وإنما يطاع لإذعانه هو لسلطان الله واعترافه له بالحاكمية، ثم لقيامه على شريعة الله ورسوله…ثم تنفيذه لهذه الشريعة” وإلا لما استحق السمع والطاعة.
إذن فالحكم الإسلامي قائم على الاختيار الحر من المسلمين كافة دون أن يتقيدوا بولاية عهد أو وراثة مُلك، ومن لم يرضوه حاكما عليهم بالعدل لا سلطة له عليهم، ولا طاعة يلزمون بها. وحتى بعد اختيار الحاكم بالعدل فهو ملزم بالشورى {وشاورهم في الأمر}، لأن “الشورى أصل من أصول الحياة في الإسلام” تتجاوز الحكم إلى باقي مظاهر السعي البشري.
الوسيلة الثانية: سياسة المال
تقوم سياسة المال في الإسلام على تحقيق العبودية لله وحده، وذلك بالخضوع لشرعه حتى تتحقق مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة، وذلك باعتماد وسيلتين اثنتين يقوم عليهما الإسلام “في تحقيق أهدافه جميعا” هما:
– التشريع: أي التشريع المالي الذي يرمي إلى تحقيق المجتمع الصالح.
– التوجيه: أي توجيه التداول المالي لتطوير الحياة البشرية إلى الأحسن.
لهذا يحفظ الإسلام المِلكية الفردية ويعاقب الاعتداء عليها بأشد العقوبات، لكنها ليست حرية مطلقة على حساب مصلحة الجماعة، بل هي حرية تصرف وانتفاع تصب في بناء المجتمع التكافلي التكاملي الذي يحارب الترف والحرمان في نفس الوقت (الزكاة، الصدقة…)، وتخضع لمقومات الشرع سواء في تملك المال أو صرفه (التوسط بلا إسراف ولا تقتير)، أو تنميته (تحريم الربا والاحتكار..).
ويخلص سد قطب رحمه الله إلى أن سياسة المال في الإسلام تقوم على قاعدتين هما:
أ- قاعدة الاستخلاف: المال مال الله، والناس مستخلفون فيه بشرط حفظ شريعة الله فيه، وكل تجاوز للشرط نقض للاستخلاف.
ب- قاعدة التملك المشروط: للفرد حق التملك والاستثمار بشرط الخضوع للشرع وبشرط التكافل الجماعي.
خامسا: من الواقع التاريخي في الإسلام:
ليس الإسلام “فكرة شاعرية خيالية، ومثل وجداني تدركه الأشواق وتقصر دونه الأعمال”، إنما هو واقع عملي حقيقي، بلغته البشرية أحيانا واقتربت منه أحيانا وابتعدت عنه أخرى. وكم هي النماذج البارعة في تاريخنا التي لا تداع مجالا للشك في أن الإسلام هو النظام الأليق والأصدق والأمثل لحياة البشر إن وجد رجالا أفذاذا.
وأكبر نموذج هو الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم الخلفاء الحكماء ثم باقي الصحابة (خاصة أبو بكر وعمر…) ثم عمر بن عبد العزيز والعديد من التابعين العاملين رضي الله عنهم أجمعين، وذلك لما لامست أرواحهم روح الإسلام وبذلوا كامل طاقاتهم لنصرة هذا الدين وإعلاء كلمة الله في أرضه.
فكانت سياسة الحكم عادلة وكانت سياسة المال راشدة، فكان المجتمع إسلاميا حقا.
لكن “في أيام بني أمية ثم في أيام بني العباس من بعدهم، كان بيت المال مباحا للملوك كأنه مِلك لهم خاص” ص177، ففسدت سياسة المال بعد فساد سياسة الحكم (تحوله من خِلافة إلى مُلْك).
سادسا: حاضر الإسلام ومستقبله:
ليس الحديث عن الإسلام ترفا فكريا للتسلي بالأمجاد التاريخية والرجوع إلى الخلف، وإنما هو من أجل ضرورة “استئناف حياة إسلامية، في مجتمع إسلامي، تحكمه العقيدة الإسلامية والتصور الإسلامي، كما تحكمه الشريعة الإسلامية والنظام الإسلامي” ص182، مع وعينا بأن “الحياة الإسلامية قد توقفت منذ فترة طويلة” بمكر الماكرين وخدع الضالين وتخاذل حكام المسلمين، ولكن اعتقادنا الجازم هو “المستقبل لهذا الدين” أحب من أحب وكره من كره.
إلا أن قيام مجتمع إسلامي في المستقبل “لا يتم بمجرد وضع تشريعات وقوانين ونظم مستمدة من الشريعة الإسلامية، فهذا ركن ضروري لكن الأساس الأول الذي يلازمه هو ترسيخ “العقيدة الصحيحة التي تفرد الله سبحانه بالألوهية” ص196في قلوب المسلمين وعقولهم، لأن الإسلام كل لا ينشطر، يقبل النمو والتفريع وتنوع التطبيق، ولكنه لا يقبل التعديل أو التجزيء أو المزج. والعدالة الاجتماعية جزء من مجموعٍ الإسلام الذي يرتكز على أخلاق الطاعة والامتثال الطوعي لتشريع سماوي كامل.
لكن من أين نبدأ؟
يقول سيد قطب رحمه الله مؤكدا بأن البداية من التربية الإيمانية: “يجب أن تكون نقطة البدء هي استحياء هذه العقيدة، ونفي ما علق بها من تحريفات وتأويلات وشبهات، لتكون سندا للنظام التشريعي الذي نشير به لتحقيق حياة إسلامية صحيحة” ص197، أي أن البداية من النفوس بتربيتها.
وهنا يطرح مشكل آخر هو:
كيف نربي الناس على أساس مادي؟ وكيف نغير المجتمع بمنهج غير الإسلام حتى يكون جاهزا لتقبل حياة الإسلام؟ هل بثقافة الغرب نحيي الإسلام؟
“نعلن هزيمتنا منذ الجولة الأولى إذا نحن اتخذنا الفكرة الغربية وسيلتنا لإحياء الفكرة الإسلامية”.
إذن ما العمل؟
“لابد أولا من التخلص من طريقة التفكير الغربية، ولا بد من اتخاذ طريقة تفكير إسلامية ذاتية، لنضمن أن يجيء النتاج خالصا غير هجين”، نتاجا أصيلا جامعا يوحد بين أصل الإعتقاد وأصل الحكم وأصل السلوك وأصل المعرفة.
وبعد هذا يقرر سيد قطب رحمه الله بشجاعة خاصة أن القيم التي تسود حياة الناس صنفان فقط: قيم إسلامية وقيم جاهلية، و “ليست هناك أخلاق رأسمالية وأخلاق اشتراكية…إنما هنالك فقط أخلاق إسلامية وأخلاق جاهلية”.
إلا أن العلوم الكونية من كيمياء وطبيعة وأحياء وفلك وصناعة وزراعة وطرق إدارة وطرق الحرب فيجوز أخذها من المسلم ومن غير المسلم، ويجوز أن يشتغل فيها المسلم وغيره، فالعلوم البحتة لا وطن لها ولا دين ولا جنس. على خلاف الفلسفات المادية التي تحمل تصورا جاهليا للإنسان والكون والمصير…يعادي ويحارب الدين الإسلامي ويسعى لمحوه من الوجود.
وإن كان الأصل هو تحقيق المجتمع المسلم لكفايته الذاتية على جميع المستويات.
وفي آخر الكتاب يقدم المؤلف تأصيلا وتحليلا لقضايا الأدب والفن والتاريخ بنظرة نقدية مستقبلية تربط هذه القضايا بالمقومات العامة للحياة الإسلامية. ليخلص إلى أن الإسلام عقيدة ونظام حكم مجتمعان. والله المستعان.
………………………………….
(1) سيد قطب، العدالة الإجتماعية في الإسلام، دار الشروق بيروت، طبعة 1411هـ/ 1991م