تعريف العقيدة الإسلامية، وبيان أهميتها
العقيدة في اللغة: مأخوذة من العقْد، وهو الربطُ والشدُّ بقوة[1].
واصطلاحاً: لها تعريفان:
أولاً: التعريف الاصطلاحي العام:
عُرّفت العقيدة وفق المفهوم العام بأنها: ما يعقد عليه الإنسان قلبه، عقداً جازماً ومحكماً لا يتطرق إليه شك.
ثانياً: تعريف العقيدة الإسلامية:
هي: «الإيمان الجازم بالله، وما يجب له في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته. والإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، وبكل ما جاءت به النصوص الصحيحة من أصول الدين وأمور الغيب وأخباره»[2].
ومن مرادفات لفظ العقيدة: التوحيد، والسنة، والإيمان.
أهمية العقيدة الإسلامية:
للعقيدة الإسلامية أهمية كبيرة تظهر في الأمور التالية:
1- أن جميع الرسل أرسلوا بالدعوة للعقيدة الصحيحة، قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25].
2- أن تحقيق توحيد الألوهية وإفراد الله بالعبادة هو الغاية الأولى من خلق الإنس والجن، قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]
3- أن قبول الأعمال متوقف على تحقق التوحيد من العبد، وكمال أعماله على كمال التوحيد، فأي نقص في التوحيد قد يحبط العمل أو ينقصه عن كماله الواجب أو المستحب.
4- أن النجاة في الآخرة - ابتداءً أو مآلاً - متوقفة على صحة العقيدة، مما يبرز أهمية تعلمها واعتقادها على المنهج الصحيح. قال -صلى الله عليه وسلم-: « إن الله حرّم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله»[3].
5- أن هذه العقيدة تحدد العلاقة بين العبد وخالقه: معرفة، وتوحيدًا، وعبادة شاملة لله تعالى: بالخوف والرجاء، والمراقبة والتعظيم، والتقوى والإنابة... ورعاية تامة من الله للعبد: نطفة، وصغيرًا، وكبيرًا، في البر والبحر، رزقاً وإنعاماً، وحفظاً وعناية.
6- أن السعادة في الدنيا أساسها العلم بالله تعالى، فحاجة العبد إليه فوق كل حاجة، فلا راحة ولا طمأنينة إلا بأن يعرف العبد ربه بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته.
7- أن هذه العقيدة تجيب عن جميع التساؤلات التي ترد على ذهن العبد، ومن ذلك: صفة الخالق، ومبدأ الخلق، ونهايته، وغايته، والعوالم الكائنة في هذا الوجود، والعلاقة بينها، وموضوع القضاء والقدر...
8- تركيز القرآن والسنة على موضوع العقيدة: بياناً وتقريراً، وتصحيحاً، وإيضاحاً، ودعوةً.
9- أن العقيدة الصحيحة سبب الظهور والنصر والفلاح في الداريْن، فالطائفة المتمسكة بها هي الطائفة الظاهرة والناجية والمنصورة التي لا يضرها من خذلها. قال -صلى الله عليه وسلم-: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك»[4].
10- العقيدة الصحيحة هي ما يعصم المسلم من التأثر بما يحيط به من عقائد وأفكار فاسدة.
وفي الجملة فإن «العقيدة الصحيحة هي الأساس الذي يقوم عليه الدين، وتصحّ معه الأعمال، كما قال تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110]، وقال تعالى:﴿ وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الزمر: 65].
فدلّت هذه الآيات الكريمات، وما جاء بمعناها، وهو كثير، على أن الأعمال لا تُقبل إلا إذا كانت خالصة من الشرك، ومن ثَمّ كان اهتمام الرسل - صلوات الله وسلامه عليهم - بإصلاح العقيدة أوّلاً، فأوّل ما يدعون إليه أقوامهم هو عبادة الله وحده، وترك عبادة ما سواه، كما قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36].
وقد بقي النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة بعد البعثة ثلاثة عشر عاماً يدعو الناس إلى التوحيد، وإصلاح العقيدة؛ لأنها الأساس الذي يقوم عليه بناء الدين. وقد احتذى الدعاة والمصلحون في كل زمان حذو الأنبياء والمرسلين، فكانوا يبدؤون بالدعوة إلى التوحيد وإصلاح العقيدة، ثم يتجهون بعد ذلك إلى الأمر ببقية أوامر الدين »[5].
♦ ♦ ♦ ♦ ♦
منهج تلقي العقيدة الإسلامية والاستدلال عليها
للعقيدة الإسلامية منهج متميز في تلقّيها وأخذها، وكذلك الاستدلال عليها وهو منهج السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، من الأئمة وسائر المهديين من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-[6].
أوّلاً: منهج تلقي العقيدة عند السلف يقوم على عدة أسس، منها:
1- الاقتصار في منهج التلقي على الوحي:
وهذا مردّه إلى إيمانهم بوجوب أن يعيش المسلم حياته كلها - اعتقاداً وعملاً وسلوكاً - مستمسكاً ومعتصماً بالوحي المتمثل في الكتاب والسنة، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء: 59]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا؛ كِتَابَ الله وَسُنَّتِي»[7].
ولهذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحذرهم الالتفات إلى كتب السابقين التي دخلها التحريف.
2- التسليم لما جاء به الوحي، مع إعطاء العقل دوره الحقيقي:
مما يميز المسلمين الذين يؤمنون بما جاءت به العقيدة الإسلامية، أنهم آمنوا بهذه العقيدة على الغيب، وقد جاء مدح هذا الإيمان في القرآن الكريم في آيات عديدة، منها قوله تعالى: ﴿ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ﴾[البقرة: 2، 3].
ولما كانت العقيدة تقوم على الأمور الغيبية، كان مبناها على التسليم بما جاء عن الله جلّ جلاله، وعن رسوله -صلى الله عليه وسلم- ظاهراً وباطناً، ما عقلناه منها وما لم نعقله. فوظيفة العقل تتوقف عند التدبر في آيات الله، ومعرفة محاسن العقيدة والشريعة التي جاء بها الإسلام، كما أنه هو الآلة في فهم النصوص الشرعية واستخلاص المعاني المرادة منها.
3- ترك الابتداع:
فهذا الدين كامل لا يحتاج إلى تكميل، قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، فليس لأحد أن يحدث في هذا الدين أمراً لم يأت في الكتاب أو السنة، قال -صلى الله عليه وسلم-: » مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» [8].
ثانياً: منهج السلف في الاستدلال على العقيدة يقوم على الأسس التالية:
1- حجية السنة ( المتواترة والآحاد) في العقيدة:
اهتم سلف هذه الأمة بالسنة النبوية اهتماماً بالغاً، واعتبروها حجة بنفسها في جميع مسائل الدين: العلمية والعملية، ولم يعرفوا بدعة القول بالتفريق بين السنة المتواترة والسنة الآحادية في الاحتجاج.
وهذا مبني عندهم على أسس، منها:
أ- أن اتّباع السنة هو من أكبر ما يقتضيه الإيمان برسالة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
ب- أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أعلم الخلق بالله، وهو المبلّغ عنه دينه الذي ارتضاه للناس، وهو مؤتمن على وحي الله، فالحجة قائمة فيما يبلّغه كله.
ج- أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بلّغ جميع الدين ولم يكتم منه شيئاً، وأنه بلّغه أتمّ بلاغ وأبينه، فالتفريق بين ما بلّغه في إفادته العلم والعمل تفريق باطل، أساسه التقسيمات العقلية المتأثرة بالمنطق اليوناني، الذي أغلب ما فيه جدل عقيم يشكك حتى في البديهيات.
2- ترك التأويل المذموم لنصوص الكتاب والسنة:
لأن نصوص العقيدة لا يجوز صرفها عن ظاهرها بغير دليل شرعي ثابت عن المعصوم -صلى الله عليه وسلم-، بل يجب اتباع المحكم ورد المتشابه إليه.
3- عدم التفريق بين الكتاب والسنة في الاستدلال:
فالكتاب والسنة وحي من الله تعالى، والقبول لهما واجب على حدّ سواء، قال تعالى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3، 4]. وقال -صلى الله عليه وسلم-: «أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمَثْلَهُ مَعَهُ»[9].
4- صحة فهم النصوص[10]:
فصحة فهم النصوص ركيزة أساسية لصحة الاستدلال، ولا يستطيع المرء معرفة مراد الله تعالى، ومراد رسوله -صلى الله عليه وسلم- إلا حينما يستقيم فهمه لدلائل الكتاب والسنة، وخاصة في هذا العصر الذي كثر فيه المتحدثون في أمور الدين عبر وسائل الإعلام المختلفة؛ كالفضائيات والإنترنت، فالمعرفة بهذه القواعد الأساسية التي يرتكز عليه الفهم الصحيح تمكّن من تمييز المتحدثين بحق من المنحرفين عن الفهم الصحيح، وركائز الفهم الصحيح للنصوص كثيرة منها:
أ- معرفة لغة العرب التي نزل بها القرآن وتكلم بها النبي -صلى الله عليه وسلم-.
ب- الاعتماد على فهم الصحابة[11] لدلائل الكتاب والسنة لكون الرسول -صلى الله عليه وسلم- بين أظهرهم، كما عايشوا نزول الوحي، فهم أعلم الناس بمراد الله ومراد رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا الأمر يتأكد خاصة إذا كثرت البدع والأهواء، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيرَى اخْتِلاَفاً كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخلَفَاءِ الرَّاشِدينَ الْمَهْدِيينَ مِنْ بَعْدِي عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ»[12].
ج- جمع النصوص الواردة في المسألة الواحدة، ثم الأخذ بها جميعاً، فلا يعطلون بعض النصوص ويُعملون أخرى.
د- معرفة مقاصد التشريع الإسلامي: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان، ومعرفة خير الخيرين وشرّ الشرّين، حتى يُقدّم عند التزاحم خير الخيرين، ويُدفع شرّ الشرّين»[13].
[1] انظر: القاموس المحيط مادة « عقد ».
[2] بحوث في عقيدة أهل السنة والجماعة ( ص: 11-12).
[3] متفق عليه: أخرجه البخاري في الصلاة، باب المساجد في البيوت، رقم (415)، ومسلم في المساجد، باب الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر، رقم (263).
[4] تقدم تخريجه (ص:22).
[5] عقيدة التوحيد (ص: 9-10).
[6] انظر في هذا الموضوع المراجع التالية: موقف ابن تيمية من الأشاعرة (1/51-71)، وبحوث في عقيدة أهل السنة (ص:32-43)، ومنهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد (223-531).
[7] أخرجه مالك في الموطأ، باب النهي عن القول بالقدر، رقم (1661).
قال ابن عبد البر عن الحديث: «محفوظ معروف مشهور عن النبي -صلى الله عليه وسلم- عند أهل العلم.شهرة يكاد يستغني بها عن الإسناد » (التمهيد 24/331).
[8] متفق عليه: أخرجه البخاري، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود رقم (2550)، ومسلم كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة وردّ محدثات الأمور رقم (1718).
[9] أخرجه أحمد ( 4/130-131)، وأبو داود، كتاب السنة، باب في لزوم السنة برقم (4604)، وصححه ابن حبان (12).
[10] انظر: منهج التلقي والاستدلال ( ص 48-60).
[11] ما أبلغ ما وصف به ابن مسعود أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال: « إنهم كانوا أبرّ هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلّفاً، وأقومها هدياً، وأحسنها حالاً، قوماً اختارهم الله لصحبة نبيه -صلى الله عليه وسلم-». جامع بيان العلم ( 2/947).
[12] أخرجه أحمد ( 4/126-127)، وأبو داود، كتاب السنة، باب في لزوم السنة رقم (4607)، والترمذي، كتاب العلم، باب في الأخذ بالسنة واجتناب البدعة برقم (2676). وقال حسن صحيح. وصححه ابن حبان والحاكم.
[13] منهاج السنة ( 6/118).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق