بات قطاع التربية الوطنية مصدر إزعاج كبير ومزمن للحكومة، منذ أن تولّت الوزيرة نورية بن غبريط مسؤوليته، بحيث لم تتوقف فيه القلاقل، وتجاوزت فيه رائحة الفضائح حدود البلاد، فأصبح مادة دسمة حتى للإعلام العالمي.
ولم يكد هذا القطاع يخرج من فضيحة إلا وسقط في أخرى أكبر، ولعل الجميع لا زال يتذكر حادثة التسريبات التي طالت امتحان شهادة البكالوريا للعام الدراسي المنقضي، وما خلفته من تداعيات على سمعة هذه الشهادة محليا والجزائر عموما، فضلا عن الخسائر التي سببها اقتصاديا للبلاد جراء الإعادة الجزئية لهذا الامتحان.
وجاء الخطأ الفادح الذي تضمنه كتاب الجغرافيا للسنة الأولى متوسط، الذي اختفت فيه خريطة فلسطين وحلت محلها خريطة باسم "الكيان الصهيوني" (!!!)، ليؤكد حجم المرض الذي يعاني منه هذا القطاع، الذي شغل اهتمام الرأي العام خلال الأشهر الأخيرة، بسبب "الخرجات" المتعثرة للوزيرة بن غبريط.
الكتاب وإن قررت المسؤولة الأولى عن القطاع سحبه من التداول ودعت إلى فتح تحقيق في ملابسات القضية، إلا أن ذلك يبقى غير كاف، بالنظر إلى حجم الخطأ الذي أبان عن مستوى الإهمال واللامبالاة، اللذين باتا يميّزان قطاع بحساسية قطاع التربية الوطنية.
من الطبيعي أن تبرز بعض الأصوات الداعمة للوزيرة بن غبريط، رافعة نظرية المؤامرة، ومتهمة الأوساط المحافظة من وطنيين وإسلاميين، بتدبير مثل هذه الفضيحة للإطاحة بالوزيرة المثيرة للجدل، غير أن مثل هذه القراءة لا تسقط مسؤولية الوزيرة، التي يتعيّن عليها رصد مثل هذه المحاولات، إن وجدت ووأدها في المهد، حتى لا يتحول الوسط التربوي إلى مزرعة نموذجية للفشل، ومصنع لإنتاج القلاقل وزعزعة استقرار المجتمع ومن ورائه الدولة.
المساندون لوزيرة التربية والمدافعون عنها، سوف يربطون بين فضيحة كتاب الجغرافيا، وبين إصلاحات الجيل الثاني التي باشرتها الوزيرة الحالية، ويخرجون بنتيجة مفادها أن الهدف من كل ذلك ذلك، هو إفشال هذه الإصلاحات، غير أن هذا المشروع بدأ قبل بن غبريط بكثير، منذ الوزير الأسبق، أبو بكر بن بوزيد ومن بعده عبد اللطيف بابا أحمد، ومع ذلك لم يعش القطاع على وقع فضائح من هذا القبيل، رغم الانتقادات التي طالت الجيل الأول من هذه الإصلاحات.
ومن هذا المنطلق، يتعيّن البحث عن أسباب أخرى لتبرير الفضيحة بعيدا عن نظرية المؤامرة، التي أصبحت بمثابة المشجب الذي يعلق عليه الفاشلون إخفاقاتهم.. إن مسؤولية بن غبريط ماثلة فيما يحدث على مستوى قطاعها، ولو من الجانب الأخلاقي، فماذا يعني إذن تشبثها بمنصبها رغم الروائح المزكمة التي لم تتوقف عن الانبعاث من قطاعها؟
لا شك أن الحكومة تحملت الكثير من الأعباء بسبب سياسة الوزيرة بن غبريط، ولطالما دافع عنها الوزير الأول باسم التضامن الحكومي.. لكن، هل لا زال في مقدور الحكومة بعد اليوم، تبرير تجاوزات بن غبريط وإخفاقاتها إن صح هذا التعبير؟ وأبعد من ذاك، هل الحكومة مقتنعة باستمرارها في الدفاع عن السيدة الوزيرة، وإلى متى؟
لقد تخلّى الوزير الأول عن وزير التجارة الأسبق، عمارة بن يونس، عندما اصطدم مع الجزائريين في قضية الخمور الشهيرة، مثلما أشيع.. فهل ستكون فضيحة كتاب الجغرافيا هذه المرة هي بداية نهاية المسؤولة الأولى عن قطاع التربية، أم أن هذه القضية سيتم لملمتها كسابقاتها لتبقى دار لقمان على حالها؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق