الجمعة، 24 فبراير 2012

بمناسبة الندوة الوطنية حول الإعلام الآلي-


Printer-friendly version
الجمهوريــة الجزائريــة الديمقراطيــة الشعبيــة
وزارة التربيــة الوطنيـــة
كلمــة الدكتور بوبكر بن بوزيد، وزيــر التربيــة الوطنيــة
بمناسبة الندوة الوطنية حول الإعلام الآلي- ثانوية حسيبة بن بوعلي 22 فبراير 2009
باسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين.
أيها الحضور الكرام السلام عليكم و رحمة الله و بركاته و بعد
أخواتي، إخواني
أسعد باستقبالكم اليوم لأتناول موضوعا يشكل موضوع الساعة في كل مكان وفي كل دولة، أقصد به الثورة التي عرفتها نهاية القرن الماضي والتي أصبحت تتحكم في سير القرن الحاضر و ربما ستحدد مستقبل القرن المقبل..
.

أخواتي، إخواني
لقد فهمتم دون أي شك أني أقصد الإعلام الآلي أو المعلوماتية، أو تكنولوجيا الإعلام و الاتصال، على كل حال سموا الأمور كما شئتم فهذا لا يفسد ودا للقضية فكل الطرق تؤدي إلى روما كما يقال.
نعم أخواتي، إخواني كلكم يرى اليوم ما أحدثته ثورة المعلوماتية في الكون، ومدى التقدم الحاصل في كل المجالات، من الطب، إلى الزراعة، إلى الاقتصاد، إلى التعليم، بكلمة مختصرة إلى كل ما له علاقة بالحياة .
أخواتي، إخواني
أنتم تلاحظون معي أن هذه الثورة ما جانبت ميدانا من هذه الميادين إلا زانته و زادته رونقا وإعجابا وجمالا وسرعة فائقة لم يكن في متناول الإنسان إدراكها حتى بحسه في العهد القريب.
والسؤال الذي يتبادر للأذهان هو، كيف وصل الإنسان إلى هذه الثورة؟


الغالبية الساحقة تربط هذه الثورة بعملية البحث عن إنجاز عمليات حسابية دقيقة و سريعة و كبيرة الحجم ، و تعلمون أن الإنسان منذ القدم و هو يبحث في هذا المجال و من المؤرخين من يرجع إلى عهد حمو رابي أي 1750 سنة قبل الميلاد حيث كان الإنسان يحاول دائما جاهدا الاستعانة بآلات تمكنه من القيام بالعمليات الحسابية المعقدة بسرعة و بدقة ، و تطورت الأمور إلى أن جاء باسكال و اخترع "عداده" (l’abaque de Pascal) وجاء Babbage بعدها ثم تسارعت الأمور إلى غاية 1936 حيث ظهر أول جيل لآلات الإعلام الآلي حيث كانت هذه الأجهزة تعمل بالأوراق المثقبة cartes perforées وتزن أطنانا.
و كانت شركة IBM هي الرائدة في تطوير هذه الآلات من حيث القدرة على إنجاز العمليات الحسابية و تخزين المعلومات وحفظها أي تطوير الذاكرة، ثم تسارعت الأحداث في نهاية القرن الماضي وأصبحت هذه الآلات تحتاج إلى برمجيات و قدرة فائقة على تخزين وحفظ المعلومات بحيث تطورت البحوث و توصلت إلى تخزين ما يمكن تقديره من معلومات في جهاز صغير جدا يدعى la puce ووصلنا إلى الجهاز الخاص (Personal Computer) PC والجهاز المحمول و الهاتف النقال ولا ندري إلى أي مدى ستذهب بنا البحوث وعند أي حد ستتوقف ؟
هذا من جهة ومن جهة أخرى فالكمبيوتر لما تطور، ترك هيئات ودول أخرى تهتم بموضوع الاتصال والحصول على المعلومات، الشيء الذي أدى إلى خلق الشبكات العنكبوتية وأصبح العالم بفضل الإنترنت والإنترانت قرية صغيرة يطلع فيها الإنسان على ما يجري في أي بقعة فيها في حينه وعلى صورته الحقيقية من خلال امتلاك أدوات بسيطة للغاية. وهكذا بعد أن كان بوسع الإنسان أن يطل، بفضل Google earth (قوقل أرض) على أية بقعة من الكرة الأرضية، فهو سوف يغوص عن قريب في أعماق المحيطات من خلال Google ocean (قوقل محيطات)
أخواتي، إخواني،
لقد ولجت المعلوماتية اليوم كل ميادين الحياة، وأصبح مصير أي حركة أو عملية ينوي الإنسان القيام بها مرتبط بمدى تحكمه في هذه الوسائل وقدرته على تسييرها فبها نجاحه وفلاحه وبها خسرانه وهلاكه واندثاره.
أريد أن أقول لأخواتي وإخواني أن عملية إدخال المعلوماتية واستعمالها ليست من الكماليات كما يظن البعض، بل أصبحت أمرا محتوما ومصيريا، ولا يعني المدرسة وحدها، ولا أي قطاع آخر بمفرده، بل يعني الإنسان أينما كان ووجد.
وقد ارتبطت هذه الاكتشافات الجديدة والمذهلة بميادين العلم والمعرفة، إلى درجة لم يبق مكان للإنسان الأمي، فكل الدول اليوم تتجه إلى مجتمع العلم والمعرفة، وكل الإنسانية تبذل ما تملك من جهد لتنخرط في هذا المسعى، وكل أمة تسعى لتصنع لنفسها مكانا من خلال إدراج خصوصياتها ومقوماتها ضمن الموسوعة العالمية حتى لا تنقرض وتذوب.
وأصبح التطور العلمي والمعرفي يومي ويسير بسرعة فائقة والتحكم فيه أمر صعب للغاية، و سيصبح هذا التحكم في هذا التطور المذهل للعلوم والمعرفة أصعب كلما تقدمنا في الزمن وتكون تأثيراته في المستقبل أكثر و أكبر مما نتوقع وفي كل المجالات.
والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان، هو: ماذا نفعل نحن لتندرج الجزائر في هذا السياق قبل فوات الأوان؟ كيف؟ و بأي وسائل؟ ماذا يجب علينا القيام به لتحضير الأجيال القادمة للتحكم في هذه التقنيات؟ خاصة إذا قصدنا مرحلة ما بعد البترول؟
أخواتي، إخواني،
لقد جمعتكم اليوم قصد البحث في الإجابة عن هذه الأسئلة كلها من خلال عرض إستراتيجية القطاع الذي أشرف عليه ومناقشتكم حول الموضوع الذي هو في نظري حاسم ليس فقط بالنسبة للمدرسة ولكن لكل الجزائر.
أخواتي، إخواني ،
نصبو من خلال هذا العمل إلى تقليص الهوة الرقمية بيننا وبين الدول المتقدمة ولما لا إلغاؤها إذا توفرت الشروط والإمكانيات والإرادة ليس فقط من قبل الدولة ولكن إرادة الجميع، لأن عملية إدخال الإعلام الآلي في المجال التعليمي لا تعني أبدا شراء الآلات وتجهيز المؤسسات وربطها بالشبكة لأننا قمنا بهذا من قبل في قطاع التربية وكنا من بين الدول السباقة، ولكن وبكل أسف الذهنية لم تتبع، الشيء الذي يتطلب منا اليوم رقمنة الإرادة قبل رقمنة الإدارة والعقول قبل رقمنة المواضيع وغيرها .
وليكن في علم الجميع أن إدخال المعلوماتية هي عملية نذهب إليها مرغمين ومجبرين غير مخيرين، ويجب علينا أن ننظر إلى الموضوع النظرة الإيجابية المتمثلة في السير بالمجتمع نحو مجمع العلم والمعرفة، وأننا سنفتح مجال الرفاهية من خلال إتاحة الفرصة لخلق فرص عمل لا تعد ولا تحصى، فمن إنتاج الآلات، أو تركيبها إلى صيانتها، أى تبديله في المستقبل غير البعيد، والبرمجيات المتعددة التي يتطلبها استعمال الرقمنة، أي أننا سنحدث أثر كرة ثلجية بإمكانها أن تحرك عملية التنمية بطريقة سريعة جدا ودائمة مثل ما فعلت كثير من الدول التي راهنت على تكنولوجيا المعلومات والاتصالTIC للرفع ليس من مستواها التعليمي فحسب بل من مستوى مؤطريها في كل المجالات ومستوى منتوجاتها في مختلف المجالات إلى درجة أصبحنا نسمع أن المعلم الذي لا يحسن استعمال الإعلام الآلي يعتبر معلما تنقصه مؤهلات ضرورية لتأدية مهامه على أحسن وجه. وليكن في علم الجميع أن الدول التي راهنت على إعلام الآلي حصلت على نتائج مذهلة في زمن قياسي لأن المبلغ المتداول عالميا اليوم والمتعلق فقط بهذا المجال قد فاق 2750 مليار أورو في سنة 2007 أي بنمو قدره 5.8 % مقارنة مع سنة 2006 وأن المعلوماتية هي من الأشياء التي جعلت من كوريا الجنوبية ترتقي إلى المرتبة التي تحتلها اليوم، كما أن كندا التي لم تنطلق في مشروعها إلا في سنة 1997 ليصبح اليوم قطاع المعلوماتية يساهم بنمو اقتصادي قدره 10% و5.4 من الدخل القومي الداخلي، وأما الهند فهي دولة تطمع لأن تكون القوة العالمية الأولى في هذا المجال، وأما دولة النرويج فهي تطمح لأن تستعمل هذا القطاع لاستخلاف ما بعد البترول و تراهن على تستبدل به الثروة والنمو.
?
وأما نحن أخواتي، إخواني،
فإنه و رغم المجهودات المبذولة من قبل الدولة منذ 2001 فإن عملنا يبقى يحتاج إلى دعم ونطمح أن تكون هذه الجلسة هي الانطلاقة الحقيقية لترسيخ المشروع الطامح إلى المدرسة الرقمية والدفع بالجزائر إلى المجتمع المرقمن مثلها مثل فرنسا وأمريكا وغيرها.
أخواتي، إخواني،
أنتم على علم أننا قمنا بتجهيز الثانويات بمخابر الإعلام الآلي كخطوة أولى، واليوم نأتي أمامكم لنفصح عن إستراتيجية متكاملة تجعل من المدرسة الجزائرية بحول الله الركيزة الأساس في إدخال الجزائر إلى عالم العلم والمعرفة وعالم الرقمنة.
وعملا بتوجيهات فخامة رئيس الجمهورية السديدة وسعيا منا إلى تطبيق تعليماته الحكيمة فقد عزمنا على إدخال الإعلام الآلي في كل مدرسة ابتدائية من خلال تجهيز كل مدرسة ابتدائية حيث تخصص هذه المرحلة التعليمية لتلقين مبادئ المعلوماتية، أما التعليم المتوسط فيدرس فيه الإعلام الآلي كمادة قصد التعمق في مضامينه والتحكم في آلياته ويتوج بشهادة التعليم المتوسط للإعلام الآلي في جوان 2010.
وأما في التعليم الثانوي فقد قررنا إدراج مادة المعلوماتية في كل المستويات وكل الشعب بغية الوصول إلى إدراجها كمادة في البكالوريا لدورة جوان 2012.
وبغية بلوغ هذه الأهداف فإننا سنعمل على تكوين الأساتذة المؤهلين لذلك. فأما الذين يوجدون اليوم في الخدمة ويعملون في الطور الابتدائي فإننا سنتكفل بتكوينهم من خلال برنامج مسطر من قبل المركز المتخصص CNIIPDTICE ويشرف عليه الأساتذة الذين يدرسون المادة في الثانويات.
أما المتوسط والثانوي فقد أعددنا خطة شاملة على المديين القريب والبعيد، بحيث سنتكفل بتكوين فئة معينة تستجيب لبعض المقاييس ثم نكلفها بتدريس المادة في المرحلة الأولى ونطلب بعدها من الجامعة، من خلال دفتر شروط واضح، القيام بتكوين أساتذة المستقبل بمستوى جامعي لا يقل عن بكالوريا زائد أربعة. ومن جهة أخرى سنعمل على إدراج مادة الإعلام الآلي في كل التكوينات الخاصة بالمعلمين، خصوصا التكوين الأولي منها.
أيتها السيدات ، أيها السادة ،
إن هذا وحده لا يكفي أبدا، و سنعمل على إدخال المعلوماتية في كل ما له علاقة بالتعليم على مراحل دقيقة ومضبوطة، فمن رقمنة المحتويات إلى تغيير نمط التسيير الإداري والبداغوجي إلى دعم مؤسسات التعليمين الثانوي والمتوسط بأجهزة العرض Data Show قصد تحسين ظروف تقديم الدروس وإدخال التقنيات الجديدة والعصرية في طرائق التعليم.
دون نسيان وضع كل المؤسسسات على شبكة الإنترنت وتمكين المتعاملين مع المدرسة من الاطلاع على النتائج والحصول على مختلف الدروس والتمارين أو الاتصال بمختلف المؤسسات وتمكينها من الاتصال في ما بينها وتقديم الصورة الأحسن سواء عن التربية أو عن الجزائر .
أيتها الأخوات أيها الإخوة ،
هذا جزء يسير مما تحتويه تفاصيل وثيقتنا التي نعرض اليوم بين أيديكم منتظرين منكم إثراءها وتقديم الاقتراحات التي ستمكننا من السمو بمدرستنا ووطننا إلى مصاف النهضة العالمية ولا نبقى نعيش على الهامش أو تتجاوزنا الأحداث.
وفقنا الله جميعا وأيدنا بنصره على الجهل والتخلف والسلام ورحمة الله وبركاته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق