الثلاثاء، 13 مارس 2018

الرواية والتاريخ.. أي علاقة؟



لطالما كانت الرواية التاريخية مصدر إلهام للكتاب والقراء على السواء، فهي تمثل بالنسبة إلى الكاتب فرصة حقيقية للهروب من الواقع والحاضر، واستغلال التاريخ لتمرير رسائل معينة وإسقاطات على الوضع الحالي لم يكن ليستطيع الإشارة إليها بشكل مباشر، أضف إلى ذلك أن هامش الإبداع فيها أكبر وأوسع، كما أنها تقدم للقارئ رحلة زمانية ومكانية تنقله إلى أماكن وأزمنة أخرى ربما لم يكن يعلم عنها شيئا.

ولكن، هل يمكن اعتبار الرواية مصدرا موثوقا للمعلومة التاريخية؟
شكلت الإجابة عن هذا السؤال مصدر خلاف كبير بين عموم المهتمين بهذا اللون الأدبي، بين من اعتبروا أن الكاتب مطالب بتحري أقصى درجات الدقة والمصداقية في المعلومات التي اعتمد عليها في صياغة حبكته، وبين من قالوا إن له حرية مطلقة في قول ما يريد ما دامت الرواية مجرد خيال نسجه حسه الإبداعي.
اعتبرتُ الرواية مجرد مدخل للتوسع والتعمق أكثر في الفترة التاريخية المعنية
المدافعون عن المصداقية التاريخية يرون أن إعادة كتابة التاريخ أدبيا قد تساهم في توجيه الرأي العام بطريقة مغايرة للمألوف، كما أن الكاتب قد يهدف من أعماله تلك إلى إبراز نظرته هو لأحداث تاريخية معينة لا يكون متفقا مع المفهوم السائد عنها، ولعل أبرز وأشهر مثال في هذا الصدد سلسلة روايات تاريخ الإسلام للأديب اللبناني جرجي زيدان التي أصدرها أواخر القرن الـ19 ومطلع القرن العشرين، وما زالت تحقق نجاحا وانتشارا منقطع النظير بين جمهور القراء إلى يومنا هذا.

اعتمد زيدان في رواياته على المزج بين الواقع والخيال من خلال نسج حبكة خيالية رومانسية في أغلب الأحيان، ودمجها مع أحداث تاريخية معروفة من التاريخ الإسلامي، كفتح الأندلس أو فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه أو حتى مجزرة المماليك وغيرها.

تعرضت روايات جرجي زيدان لسيل من الانتقادات والاتهامات أشارت في معظمها إلى أن الكاتب اختار دوما تسليط الضوء على فترات من التاريخ الإسلامي شهدت صراعات دامية على السلطة والنفوذ، وإغفال التطرق للفترات المشرقة والمضيئة في هذا التاريخ لغرض غير بريء حسب رأي منتقديه الذين ربطوا هذا الأمر بتأثر الكاتب الشديد بالمستشرقين ونظرتهم للإسلام، وربما أيضا تأثير ديانته المسيحية وشبهات تتعلق بانتمائه لمنظمات ماسونية.
الرواية لون أدبي يعتمد في روحه على الخيال الواسع للكاتب وقدرته على صياغة حبكة محكمة تصل أفكارها إلى القارئ
من جهة ثانية، يرى آخرون أن الرواية لم تكن أصلا مصدرا أو مرجعا للمعلومة التاريخية التي يمكن البحث عنها في مراجع متخصصة، فهي لون أدبي يعتمد في روحه على الخيال الواسع للكاتب وقدرته على صياغة حبكة محكمة تصل أفكارها إلى القارئ، وعليه فإن هؤلاء مقتنعون بأن الانتقادات التي توجه للأدباء المهتمين بالرواية التاريخية لا معنى لها.

شخصيا -وكمهتم بالتاريخ- لم أعتبر يوما أن الرواية مرجع موثوق للمعلومة التاريخية رغم تسجيلي عددا كبيرا مما أراها مغالطات معلوماتية في بعض الأعمال الأدبية، لكنني اعتبرت الرواية مجرد مدخل للتوسع والتعمق أكثر في الفترة التاريخية المعنية، فرغم الكم الكبير من الانتقادات التي طالت روايات جرجي زيدان مثلا فإنني أدين لها بالفضل في اهتمامي أكثر بالبحث في التاريخ الإسلامي والاطلاع على مصادر مختلفة تتناول حقبا مهمة من تاريخنا.

كما أن رواياتَيْ "سمرقند" لأمين معلوف و"الموت" لفلاديمير بارتول -اللتين تناولتا قصة الحشاشين وحسن الصباح- عرفتاني على هذه الحقبة الغامضة لأول مرة، كما أن المزيج الفلسفي والنفسي والتاريخي الذي قدمه بارتول في روايته لا يمكن تجاوزه بأي حال من الأحوال رغم اعتماده في نسج الحبكة على معلومات ما زالت مثار جدل وخلاف بين عموم المؤرخين ولم يحسم في مصداقيتها بعد، أتحدث عن أسطورة بناء الصباح لجنة في قلعة الموت واعتماده على الحشيش كمخدر للسيطرة على أتباعه!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق